“لم تعد سلسلة المقابلات المهمة لرئيس الأركان المنتهية ولايته أفيف كوخافي تحتل العناوين الأولى يوم الجمعة، إذ حل محلها الخطاب الحاد لرئيسة المحكمة العليا أستير حيوت. لكن كلام كوخافي الذي حذّر فيه من عدد من التغييرات التي تنوي الحكومة الجديدة القيام بها في المناطق، وقوله إن موقفه هذا يتطابق مع خلفه هرتسي هليفي، لم يمرا مرور الكرام على اليمين. فقد هاجم الوزير بتسلئيل سموتريتش، الذي بحسب الاتفاقات سيكون مسؤولاً عن أعمال منسق النشاطات في المناطق، كوخافي واتهمه بـ”الاضطراب”، مضيفاً أن “إسرائيل دولة لديها جيش وليس العكس”.
لقد كان تبادل الانتقادات متوقعاً، وسيكون موجوداً في حفل التسلم والتسليم الذي من المتوقع أن يجري يوم الاثنين على مرحلتين، في القدس ثم في تل أبيب. لكن الأهم هو ما سيتم الاتفاق بشأنه وراء الكواليس، إذ جرى تحديد موعدين لسموتريتش يتعلقان بانتقال الصلاحيات إليه، مع هليفي ومع وزير الدفاع يوآف غالنت. فمنذ أداء الحكومة القسم يحرص غالنت على أن يظهر بمظهر العاقل والمسؤول على الصعيد الأمني، إذ جرت الاجتماعات الأولى التي عقدها مع طواقم رئاسة الأركان في أجواء إيجابية، ولم يتم ذكر الرواسب التي أدت إلى عدم تعيين غالنت رئيساً للأركان في اللحظة الأخيرة في سنة 2011. كذلك تمت عملية التسلم والتسليم بين غالنت وغانتس وسط مراسم رسمية فخمة (لم تلقَ الاستحسان في أوساط رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو).
وكان غالنت بعث برسالة غير رسمية إلى الألوية في الجيش مفادها أنه حريص على إبقاء جزء من الصلاحيات في المناطق ضمن إطار وزارته، وأنه سيحاول أن يرد على القلق العلني الذي أبداه كوخافي. لكن المشكلة أن الموضوع ليس في يده، إذ التزم نتنياهو إزاء سموتريتش في الاتفاق، وأدوات الضغط الحقيقية هي في يد الصهيونية الدينية. وتشهد المواجهة بين إسرائيل والفلسطينيين منذ آذار/مارس الماضي تصعيداً كبيراً ومستمراً في الضفة الغربية، وثمة خشية من أن يؤدي هذا التصعيد إلى انفجار حقيقي مع بداية تولي هليفي منصبه. كما أن قرار نتنياهو تسليم مفاتيح الضفة وحفظ الأمن في القطاع العربي إلى مشعلي الحرائق، أمثال سموتريتش وإيتمار بن غفير، لا يساعد في تهدئة الأجواء.
لقد قاد كوخافي في الجيش خطة طموحة على مدى سنوات، هي خطة “تنوفا”، التي تحقق جزء منها فقط نتيجة ضغوط كثيرة (كورونا، وخمس معارك انتخابية، وعدم وجود ميزانية للدولة). وفي قيادة هيئة الأركان العامة يقولون إن هليفي يمكنه أن يواجه خطر اشتعال الساحة الفلسطينية في بداية ولايتـه، وهناك احتمال أن تنزلق المواجهة السياسية المحتدمة إلى الجيش وتؤدي إلى تآكله من الداخل.
يعقوب بينجو ونير يناي ويونتان نبو: “إيران تشكل تهديداً خارجياً خطراً يجمع بين قوة إقليمية صارمة ودعم روسي، وقوة الدعم الأميركية لإسرائيل تزعزعت، وضعفت الوحدة الداخلية للمجتمع الإسرائيلي”. وبحسب كلامهم: “في مثل هذه الظروف سيكون للقدرة على مواجهة تهديد خارجي أثمان باهظة”
العصر الذهبي انتهى
أدخل رئيس شعبة التخطيط في الجيش اللواء يعقوب بينجو مستجدات إلى الصورة، فكتب، في مقال نشره الأسبوع الماضي في المجلة العسكرية “معراخوت” (مع العقيد نير يناي والرائد يونتان نبو) أن إسرائيل كانت خلال العقود الأربعة الأخيرة تمر بمرحلة “العصر الذهبي الذي لم يعد موجوداً”. وهذا يبدو كلاماً بعيد المدى إذا أخذنا في الاعتبار انتفاضتين وحربين في لبنان. لكن كتّاب المقال يقولون إن إسرائيل في العقود الأخيرة كانت تتمتع بثلاثة امتيازات: الأول، أنها كانت تواجه تهديداً أمنياً محدوداً؛ والثاني، الهيمنة الأميركية التي تجلت من خلال الدعم القوي لإسرائيل؛ والثالث، ما يصفونه بالروح المشتركة للمجتمع الإسرائيلي.
وأضاف هؤلاء الكتّاب أن ثمة تآكلاً عميقاً في الامتيازات الثلاثة برز مؤخراً؛ فإيران تشكل تهديداً خارجياً خطراً يجمع بين قوة إقليمية صارمة ودعم روسي، وقوة الدعم الأميركية لإسرائيل تزعزعت، وضعفت الوحدة الداخلية للمجتمع الإسرائيلي. وبحسب كلامهم: “في مثل هذه الظروف سيكون للقدرة على مواجهة تهديد خارجي أثمان باهظة”. وفي المقابل، حقّقت إسرائيل، في رأيهم، تحسناً على عدة مستويات، منها: تعزيز التعاون مع دول في الشرق الأوسط، وتحسين قدراتها التكنولوجية الأمنية بصورة تجعلها شريكاً مهماً بالنسبة إلى شركائها.
ويتوقع هؤلاء أن تبلغ التحديات ذروتها في وقت لاحق من العقد الحالي، وبالتالي يتعين على إسرائيل أن تكون جاهزة على صعيد بناء القوة العسكرية من أجل مواجهة هذه التحديات. ويجب التنبيه إلى أن الكلام عن ضعف الوحدة الداخلية جرى قبل تفاقم الأزمة السياسية الحالية، بعد عرض خطة حكومة نتنياهو التي ستؤدي إلى تدمير المنظومة القضائية.
في إمكان كوخافي وهليفي أن يشعرا بشيء من الراحة في ما يتعلق بأرقام مؤشر الديموقراطية التي نشرها في الأمس المعهد الإسرائيلي للديمقراطية. ففي المؤشر السابق سُجل تراجع كبير في ثقة الجمهور بالجيش بسبب التعامل بحدة مع الجنود في فترة وباء كورونا. وهذه المرة سُجل ارتفاع مشابه تقريباً في ثقة الجمهور اليهودي بالجيش (من 79% إلى 88% في مقابل 22% وسط العرب في إسرائيل). ويمكن التقدير أن التحسن ناجم إلى حد بعيد عن استعداد كوخافي القيام بالتعديل المطلوب. وبعد التركيز على الرؤية التكنولوجية والعملانية، بُذلت جهود كبيرة، السنة الماضية، وخصوصاً في شعبة التكنولوجيا والشعبة اللوجستية من أجل تحسين ظروف عمل الجنود، الأمر الذي لاحظه الجمهور، والذي هو في جزء كبير منه مكون من أهالي الجنود.
مع الأسف الشديد لا يمكن قول مثل هذا الكلام عن الحوادث التي أصابت مؤخراً الجيش الإسرائيلي؛ فيوم السبت قُتل مقاتل في لواء كفير بانفجار قنبلة يدوية في غرفة في إحدى قواعد الجيش في سهل الأردن، وجُرح ثلاثة مقاتلين آخرين. وأظهر التحقيق الأولي أن الجندي القتيل عثر على القنبلة في منطقة التدريب وحملها إلى الغرفة بعكس الأوامر. وجاءت هذه الحادثة بعد عام مخيف على هذا الصعيد: مقتل قائدَي سريتين من وحدة أغوز جراء إطلاق ضابط النار عليهما، ومقتل جندي من كفير عقب إطلاق رفيقه في الحراسة النار عليه، وموت جندي في وحدة المستعربين بنيران رفيق له كان يلعب بالسلاح. كل هذه الحوادث لم يكن لها لزوم، وهي تكشف مشكلات كبيرة في الانضباط العملاني وفي الإدارة اليومية للجيش الإسرائيلي. وهذه مسألة مؤلمة ستكون مطروحة على جدول أعمال رئيس الأركان الجديد”. (المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية).