لماذا لا تطلق دمشق صواريخ إس 300 على الطيران الإسرائيلي؟

Avatar18016/05/2020
تعرض الصحافة الإسرائيلية في الآونة الأخيرة سلسلة تقارير متزامنة، تتناول حصراً قضية الهجمات الجوية الإسرائيلية لأهداف على الأراضي السورية، لكنها تتوقف عند مسألة عدم قدرة المنظومة الصاروخية السورية على إسقاط الطائرات الإسرائيلية المعتدية. في تقرير نشرته "هآرتس"، أمس، يقدم المحلل العسكري يوسي ميلمان مقاربة المؤسسة العسكرية والأمنية لهذه القضية.
“ترى التحليلات الرائجة أن مئات الهجمات على أهداف في سوريا والعراق، بحسب تقارير أجنبية، هي أهم إنجاز لسلاح الجو في إطار “معركة بين الحروب”، المعركة التي تخوضها إسرائيل بواسطة الجيش والأجهزة الاستخباراتية ضد تعاظم قوة دول معادية كإيران وتنظيمات مثل حزب الله وحماس وداعش. لكن ما لا يقل أهمية وإثارة للإعجاب هو التجربة الكبيرة التي اكتسبها طيارو سلاح الجو، وعناصر المراقبة والاستخبارات الجوية والقتال الإلكتروني في الدفاع والتملص من منظومة الدفاع الجوي السورية.

منذ الهجوم الأول في سوريا، المنسوب إلى إسرائيل، في نيسان/أبريل 2013، أطلقت منظومة الدفاع الجوية لنظام الأسد نحو 700 صاروخ، وربما أكثر، في اتجاه طائرات سلاح الجو الإسرائيلي. أصاب صاروخ واحد طائرة إف-16 وأسقطها. الطيار ومساعده قفزا منها ونُقلا بسلام إلى المستشفى. حدث هذا في شباط/فبراير 2018، في أثناء قيام طائرة حربية إسرائيلية بمهمة دفاع وتمويه في شمال البلد، وأُسقطت خلال الهجوم على عربة قيادة إيرانية أطلقت من سوريا طائرة من دون طيار في اتجاه إسرائيل. إسقاط الطائرة لا يدل على نجاح سوري بقدر ما هو نابع من أخطاء ارتكبها سلاح الجو الإسرائيلي!

منظومة الدفاع الجوي السورية، كما تدل المعطيات، أطلقت كميات كبيرة من صليات الصواريخ في كل هجوم. سوريا ساحة مملوءة، ليس فقط بصواريخ سورية، بل أيضاً بعمليات جوية لسلاح الجو الأميركي والبريطاني والفرنسي والروسي والتركي. كل ذلك يُظهر أكثر فأكثر القدرة على الكشف والمناورة والتملص والتشويش التي تستخدمها إسرائيل. تجربة سلاح طيرانها في هذا المجال أكبر من أي سلاح جوي في العالم، بما فيه سلاح الجو الأميركي الذي يشارك أيضاً في مهمات هجومية في سوريا والعراق، وهي تتشارك في ذلك مع دول صديقة.

زوّدت روسيا الجيش السوري ببطاريات للصواريخ (S-300) نُشرت على أراضي سوريا. ومع ذلك، وعلى الرغم من مرور نحو 20 شهراً على الحادثة، لم يطلَق ولو صاروخ واحد على طائرة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي

صحيح أن الصواريخ السورية قديمة نسبياً ومن أجيال سابقة، لكن مع ذلك فإن هذا لا ينتقص من النتيجة المثيرة للإعجاب. هذا الإنجاز تحقق بفضل العقيدة القتالية الجديدة التي طُوّرت في السنوات الأخيرة ودخول طائرة إف-35 (“الشبح”) في النشاط العملاني في مختلف الساحات، لكن يعود أيضاً إلى عدم استخدام دمشق بطارية الصواريخ S-300 المتطورة التي اشترتها من روسيا.  هذه الصواريخ زُوّد بها بشار الأسد بعد أيلول/سبتمبر 2018، حين أسقطت عن طريق الخطأ طائرة استخبارات روسية كانت في طريقها إلى قاعدة في اللاذقية، بينما كانت في ذلك الوقت طائرات تابعة لسلاح الجو تقوم بنشاط عملاني. وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو اتهم حينها إسرائيل بأن طائراتها اختبأت وراء الطائرة الروسية واستخدمتها كـ”درع جوي”.

وعلى الرغم من تكذيب إسرائيل ذلك، استغلت روسيا الحادثة أيضاً لفرض ترتيبات جديدة بين سلاحي الجو للبلدين (منع نزاع)، هدفها منع وقوع معارك جوية وإطلاق صواريخ روسية على الطائرات الإسرائيلية. بالإضافة إلى ذلك، أرسلت طواقم لاستكمال التدرب على تشغيل المنظومات، ولاحقاً زوّدت روسيا الجيش السوري ببطاريات للصواريخ (S-300) نُشرت على أراضي سوريا. ومع ذلك، وعلى الرغم من مرور نحو 20 شهراً على الحادثة، لم يطلَق ولو صاروخ واحد على طائرة تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، وذلك لثلاثة أسباب:

  • أزرار البطاريات موجودة تحت سيطرة كاملة لمستشارين ومشغلين روس.
  • روسيا لا تسمح باستخدام S-300. وهذا دليل آخر على اللعبة المزدوجة للكرملين منذ أن أرسل في سنة 2015 ألفي جندي، وطائرات، وبطاريات دفاعية من طراز S-400 (الأكثر تطوراً)، وسفناً حربية، لإنقاذ نظام الأسد. من ناحية أُخرى، تريد روسيا تثبيت النظام السوري، ومن أجل ذلك استعانت بإيران وتتعاون مع حزب الله على مستوى تكتيكي ضد داعش وتنظيمات المتمردين، وأيضاً تريد تقليص التدخل الإسرائيلي. من جهة أُخرى، تغض روسيا النظر عن الهجمات الإسرائيلية وتشجع بصمت العمليات ضد إيران، لأنها هي أيضاً مثل إسرائيل تريد رؤية الميليشيات وحزب الله يغادران سوريا.
  • التخوف الروسي من أنه إذا استُخدمت المنظومة وأخطأت، سيكون ذلك دليلاً على التفوق التكنولوجي والعملاني لإسرائيل والغرب. الأمر الذي قد يمس بتباهي الرئيس فلاديمير بوتين بصناعاته الأمنية.

رؤية سليماني

الانتهاء (الموقت؟) لأزمة الكورونا أعاد دفعة واحدة القيادتين في القدس وطهران إلى تشاجرهما المعتاد. بحسب وزير الدفاع نفتالي بينت، عاد سلاح الجو إلى القيام بهجمات في سوريا بعنف أشد – في الأسبوعين الأخيرين، نُسبت إليه 6 هجمات.

في المؤسسة الأمنية يقسّمون التدخل الإيراني في سوريا إلى عدة مراحل. الأولى، حتى 2006، تميزت بعلاقة عميقة بين النظامين وبمساعدة عسكرية ليست كبيرة لحزب الله. المرحلة الثانية، استمرت من حرب لبنان الثانية (2006) حتى سنة 2011، خلالها زادت إيران بواسطة الحرس الثوري سيطرتها على حزب الله في لبنان، وحولت سوريا إلى جسر لنقل صواريخ بعيدة المدى. المرحلة الثالثة، بدأت مع نشوب الحرب الأهلية في سوريا واستمرت حتى سنة 2016، وامتازت بمساعدة عسكرية مباشرة وغير مباشرة بواسطة حزب الله والميليشيات الشيعية لنظام الأسد، وللحرب ضد داعش. المرحلة الرابعة، أطلق عليها رئيس الأركان السابق غادي أيزنكوت والاستخبارات العسكرية اسم “رؤية قاسم سليماني” وبدأت عندما أدرك قائد فيلق القدس أن هزيمة داعش اقتربت، وأنه يجب استغلال ذلك كي تحقق إيران هيمنة إقليمية.

بالاستناد إلى تقديرات حذرة، ربما يوجد في سوريا اليوم نحو 20 ألف مقاتل شيعي، ومئات معدودة من القادة والمستشارين الإيرانيين، ونحو ألفي عنصر من حزب الله

بقيادة سليماني وضباطه، بدأ الحرس الثوري والميليشيات الشيعية، من مرتزقة ومتطوعين من باكستان وأفغانستان والعراق، بذل جهودهم لترسيخ سيطرة إيرانية كبيرة في اليمن والعراق، وأيضاً في سوريا. وخطّط سليماني لتوطين 100 ألف مقاتل شيعي في سوريا، وإقامة قاعدة جوية استخباراتية ومواقع صاروخية موجهة إلى إسرائيل. كما سعى لإدخال آلاف المعلمين إلى سوريا لتعزيز الارتباط الشيعي. ومن أجل تحسين منظومات السلاح الإيراني في سوريا ولدى حزب لله، خصص سليماني مئة مليون دولار، فقط من أجل مصانع “مركز الأبحاث والدراسات العلمية (CERS). في هذه المشاريع عمل في الماضي علماء حافظ الأسد وابنه بشار على تطوير سلاح بيولوجي وكيميائي.

إقرأ على موقع 180  إيران ما بعد "النووي".. حليفة "الفقراء" أم "الأغنياء"؟

لكن سليماني لم يستطع تحقيق رؤيته. القيادة السياسية في إسرائيل وكذلك العسكرية بقيادة أيزنكوت، ومن حل محله أفيف كوخافي (رئيس الأركان الحالي)، ورئيس الاستخبارات العسكرية تامير هايمن ورئيس الموساد يوسي كوهين أظهروا إصراراً لا يقل عن إصراره. الهجمات الدقيقة أحبطت مراراً وتكراراً جهود إيران لنشر قواتها في سوريا، وللدفع قدماً بمشروع الصواريخ الدقيقة في لبنان وبناء بنية تحتية للحزب وتطوير جبهة في مواجهة إسرائيل في هضبة الجولان. في سنة 2019، اضطر سليماني إلى إصدار أمر بتقليص قواته في سوريا. اغتياله في بداية سنة 2020 في عملية جريئة للولايات المتحدة في بغداد، ألحق ضربة قاسية بإيران. ترافق ذلك مع العقوبات الأميركية والانخفاض الدراماتيكي في أسعار النفط في أعقاب أزمة الكورونا وتداعيات تفشي الوباء القاسية في إيران. بالاستناد إلى تقديرات حذرة، ربما يوجد في سوريا اليوم نحو 20 ألف مقاتل شيعي، ومئات معدودة من القادة والمستشارين الإيرانيين، ونحو ألفي عنصر من حزب الله.

في المؤسسة الأمنية يرون حالياً أن هناك فرصة لطرد إيران من سوريا. طهران تنقل قواعد من دمشق إلى الشرق، إلى منطقة الحدود مع العراق، لإبعادها عن إسرائيل وهجماتها. علاوة على ذلك، غياب سليماني يمكن الشعور به بقوة، ويبدو أن الجنرال إسماعيل قآاني الذي حل محله في قيادة لواء القدس لم ينجح في أن يكون على مستواه.

إيران دولة تتمتع بصبر كبير، لكنها تقف الآن على مفترق طرق. من المحتمل أنها تنتظر نتائج الانتخابات في الولايات المتحدة، لكن من دون أن تتخلى عن جهودها في التسلح وتحدي إسرائيل. في الشهر الماضي، أطلقت بنجاح قمراً اصطناعياً للتجسس إلى الفضاء، وقبل أسبوعين، بادرت إلى هجوم سيبراني على منشآت للمياه في إسرائيل. يمكن التوقع أن إسرائيل التي تملك قدرة سيبرانية تفوق بكثير قدرة إيران سترد. وفي أي حال، لم تتخل إيران عن استراتيجيتها ورؤيتها وأهدافها الثلاثة العليا: المحافظة على الحكم في طهران، وتحسين الوضع الاقتصادي في الدولة، وتحقيق هيمنة إقليمية، والسعي للحصول على سلاح نووي كـ”بوليصة تأمين” للنظام”.

(*) نقلا عن موقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية: https://digitalprojects.palestine-studies.org/ar/daily/mukhtarat-view

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Download Premium WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
free online course
إقرأ على موقع 180  إيران ما بعد "النووي".. حليفة "الفقراء" أم "الأغنياء"؟