لم تعترف الولايات المتحدة بالحكومة الصينية إلا فى بداية سبعينيات القرن الماضى، لكنها تمسكت بعلاقات قوية واستراتيجية بتايوان فى الوقت ذاته.
ونظرا لضعف الصين خلال النصف الثانى من القرن العشرين، لم يكن هناك مخاوف من غزو عسكرى صينى لضم الجزيرة، إلا أن الأوضاع تغيرت منذ بدء الألفية الثالثة، وبداية نهوض الصين وتقدمها المذهل فى المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، وزادت نبرة وحدة القيادة الصينية المُكررة لنية بكين ضم جزيرة تايوان إلى الوطن الأم بكل الوسائل الممكنة بما فيها الأدوات العسكرية.
يتكرر الجدل فى العاصمة الأمريكية حول جدوى الحفاظ على علاقات خاصة واستراتيجية مع تايوان، وهل سيتم الدفاع عنها حال إقدام الصين على غزوها؟ بعض الأصوات ترى استحالة خوض الولايات المتحدة حرباً كونية عالمية بسبب تايوان.
***
تتعامل الصين مع تايوان كمقاطعة، كما تُظهر الخرائط الصينية مدن وقرى وشوارع تايوان على هذا النحو، وتعتبر بكين عودة تايوان لها حتمية تاريخية.
من جانبه، يؤكد رئيس الصين شى جين بينج أن إعادة التوحيد مع تايوان أمر بالغ الأهمية «لتجديد شباب الصين الوطنى».
تسعى بكين بلا توقف إلى «عزل تايبيه دولياً»، مستخدمة كل الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية، بما فى ذلك حزم الاستثمار ومشاريع البنية التحتية واسعة النطاق لإغراء الدول الصغيرة بالتخلى عن علاقات تجمعها بتايوان.
وضغطت الصين على بقية دول العالم لتلغى علاقاتها الدبلوماسية مع تايوان، ونتج عن ذلك أن تايبيه لديها اليوم علاقات دبلوماسية مع 15 دولة فقط ــ من أصل 193 بلدا تابعا للأمم المتحدة ــ وكلها دول صغيرة وهامشية.
***
رسمياً تتبنى واشنطن مبدأ «صين واحدة»، أى إنها تعترف أن تايوان دولة غير مستقلة، وترفض واشنطن أى إعلان لاستقلال تايوان بشكل دائم عن الصين. فى الوقت ذاته، تؤيد الحل السلمى للخلافات بين تايبيه وبكين، وتعارض أى تغييرات انفرادية فى الوضع الراهن من جانب الصين.
كذلك تبنت واشنطن مبدأ «الغموض الاستراتيجى» حال تعرض تايوان لأى غزو عسكرى صينى، فهى لم تتعهد بالدفاع العسكرى عن تايوان، فى الوقت الذى تبعث فيه إشارات متكررة بنيتها خوض الحرب للدفاع عنها إذا تعرضت لهكذا غزو.
الرئيس جو بايدن قال عدة مرات إن بلاده ستدافع عن تايوان إذا غزتها الصين، وهو ما يمثل تناقضاً مع الموقف الأمريكى الرسمى، والمعروف بسياسة «الغموض الاستراتيجى» بشأن هذه الجزيرة، إلا أن البيت الأبيض يكرر أيضا أن الرئيس لم يقصد ذلك، وأن لا تغيير فى موقف واشنطن من مستقبل تايوان.
يجتهد عدد من العسكريين الأمريكيين من آن لآخر ويصدرون تقديرات لتوقيت غزو الصين عسكريا لتايوان. آخر هذه الاجتهادات صدر منذ أيام على يد الجنرال مايكل مينيهان، قائد قوات النقل الجوى فى مذكرة رسمية أكد البنتاجون صحتها، يطالب فيها قواته بالاستعداد لخوض حرب مع الصين عام 2025 بسبب تايوان
فى الوقت ذاته، أكد بايدن دعم إدارته لسياسة «صين واحدة» التى تعترف بها واشنطن، لكنها فى الوقت نفسه تحتفظ بعلاقات غير رسمية مع تايوان. ألغت الولايات المتحدة اعترافها بتايوان عام 1979، بينما يُلزم قانون «العلاقات مع تايوان»، صدر فى نفس العام 1979، واشنطن بالمساعدة فى تجهيز تايبيه للدفاع عن نفسها. وأقر الكونجرس عدة قوانين سهّلت وسمحت بتسليح تايوان لتدافع عن نفسها، ودعمت التعاون الثنائى معها فى جميع المجالات، على الرغم من قطع العلاقات الدبلوماسية الرسمية بينهما. وتؤكد الولايات المتحدة فى العديد من المناسبات أن تعاونها مع بكين ليس ولن يكون على حساب علاقاتها مع تايبيه.
***
بدأت حدة التوتر بين الصين والولايات المتحدة حول تايوان فى الظهور مع استعراض الصين عضلاتها العسكرية فى منطقة بحر الصين الجنوبى خلال السنوات الأخيرة. فى الوقت ذاته، يكرر الرئيس الصينى بنبرة قومية صارمة نيته إعادة ضم الجزيرة ولو اضطر لاستخدام القوة المسلحة.
خلال كلمته فى افتتاح المؤتمر الــ20 للحزب الشيوعى الصينى قبل أسابيع، تعهد الرئيس الصينى شى جين بينج بتوحيد الصين وتايوان بالقوة إذا لزم الأمر.
وكتب السيناتور كريس ميرفى فى مجلة “الإيكونوميست” أن «الصين تقترب من واقع الغزو، فى عام 1995 كانت ميزانية الدفاع الصينية نحو ضعف حجم ميزانية تايوان، واليوم هى 20 ضعف ميزانية تايبيه، وهو ما يسمح للصين باستعراض عضلاتها العسكرية بشغف وانتظام على أعتاب تايوان».
ترفض الأغلبية الساحقة من سكان تايوان البالغ عددها 40 مليون شخص، الانضمام للصين والوقوع تحت حكم الحزب الشيوعى الصينى. ويستشهد هذا التيار بما جرى مع جزيرة هونج كونج بعد عودتها للوطن الأم، وخسارتها الديمقراطية التى عرفها شعبها لأكثر من مائة عام. تايوان تعرف نظاما سياسيا ديمقراطيا ناجحا ينعم فيه المواطن والمواطِنة بحريات لا يعرفها الشعب الصينى، كما أن تايوان تمثل تجربة اقتصادية ناجحة، ويبلغ دخل المواطنة أو المواطن التايوانى أربعة أضعاف نظيره الصينى.
***
يتجدد نقاش الحرب حول مستقبل تايوان، وهل ستحارب أمريكا من أجلها من حين وآخر، ويدفع لهذه النقاشات عدة عوامل منها، قيام كبار المسئولين الأمريكيين بزيارات لجزيرة تايوان. فعلى سبيل المثال قامت رئيسة مجلس النواب الأمريكى السابقة نانسى بيلوسى بزيارة لتايوان الصيف الماضى، وردت الصين على تلك الزيارة بإجراء أكبر مناورات حربية بالقرب من تايوان، واقتربت كثيراً من مجالها الدولى.
من ناحية أخرى، يجتهد عدد من العسكريين الأمريكيين من آن لآخر ويصدرون تقديرات لتوقيت غزو الصين عسكريا لتايوان. آخر هذه الاجتهادات صدر منذ أيام على يد الجنرال مايكل مينيهان، قائد قوات النقل الجوى فى مذكرة رسمية أكد البنتاجون صحتها، يطالب فيها قواته بالاستعداد لخوض حرب مع الصين عام 2025 بسبب تايوان.
برغم أن الولايات المتحدة ليست ملزمة بموجب معاهدة بالدفاع عن تايوان، فإن الهجوم الصينى سيكون اختبارا للقوة العسكرية الأمريكية وهيمنتها الدبلوماسية والسياسية، فهل تدافع واشنطن عن الجزيرة التى تبعد عنها ما لا يقل عن 13 ألف كيلو متر، أم ستتركها لمصيرها وتتنازل عن هيمنتها العالمية؟
(*) بالتزامن مع “الشروق“