“من الطبيعي أن تكون أغلبية الأنظار متجهةً نحو الكنيست، ونحو الاحتجاج وعمليات التشريع الأولى للانقلاب على القضاء، والذي تبادر إليه حكومة بنيامين نتنياهو. لكن من الأفضل الانتباه أيضاً إلى تطوّر مهم في المنطقة: ما ورد في تقرير الوكالة الدولية للطاقة النووية بشأن تقدُّم إيران واقترابها من الوصول إلى النوعية المطلوبة لصنع قنبلة نووية. فقد عثر مراقبو الوكالة في الأسبوع الماضي في إيران على يورانيوم مخصّب على درجة 84%، وهي أعلى درجة عُثر عليها حتى الآن (الدرجة المطلوبة لصنع سلاح نووي هي 90%).
إلى جانب تخصيب إيران لليورانيوم، ظهرت مرة أُخرى حدود القرار الأميركي للانسحاب من الاتفاق النووي. جرى هذا في سنة 2018، خلال ولاية دونالد ترامب، وبتشجيع قوي من نتنياهو. بعد 5 أعوام تقريباً، يتضح مجدداً أن القرار لم يردع الإيرانيين، ولم يؤدّ أيضاً إلى توقيع اتفاق جديد يفرض عليهم التزامات أكثر صرامة.
وفي الواقع، ما جرى هو العكس تماماً: بعد تخبُّط، عاد الإيرانيون إلى قناة التخصيب. والآن، المسافة بينهم وبين إنتاج سلاح نووي، هي بالأساس المرحلة الأخيرة، مرحلة الملاءمة بين القنبلة النووية وبين الجهاز الذي سيركَّب كرأس حربي في صاروخ باليستي. في تقدير الأجهزة الاستخباراتية في إسرائيل والغرب، المقصود عملية تستغرق عامين. ومن المعروف أن النظام في طهران لم يتخذ أي قرار في هذا الشأن.
تبدو الخطوة الإيرانية عملية جسّ نبض استفزازية أُخرى من جانب النظام الذي يسعى لاختبار صبر المجتمع الدولي، بينما الدول العظمى مشغولة بالحرب بين روسيا وأوكرانيا، وأقل انشغالاً بإيران، باستثناء المساعدة العسكرية التي تقدمها هذه الأخيرة إلى الروس. عضو الكنيست بني غانتس وصف، عن حق، ما نُشر بأنه جرس إنذار لإسرائيل، وما جرى هو “تخطٍّ للخطوط الحمراء، ويجب أن يواجَه بردّ دولي صارم”.
إذا أقدمت إيران على خطوة أُخرى نحو إنتاج قنبلة، يتعين على إسرائيل والولايات المتحدة التنسيق بينهما لتحديد الخطر وبلورة المراحل وصوغ السياسة المشتركة الواجب انتهاجها. نتنياهو الذي ينتظر منذ شهرين دعوته لزيارة رسمية إلى البيت الأبيض، هل سينجح في التوصل إلى ذلك مع بايدن؟
في الخلفية، تتواصل الحرب السرية بين إسرائيل وإيران. وفي الأسابيع الأخيرة، جرى الحديث عن هجمات إسرائيلية ضد أهداف إيرانية في سوريا، وتفجير منشأة لإنتاج السلاح في إيران، وهجوم مسيّرة إيرانية على ناقلة نفط تملكها شركة إسرائيلية في الخليج الفارسي.
الخبر المزعج من إيران يزيد في الحاجة إلى التنسيق الوثيق بين إسرائيل والولايات المتحدة. حتى بعد تغيُّر الحكومات في القدس، فإن واشنطن توسّع التدريبات العسكرية المشتركة، وتنتهج خطاً صارماً علنياً حيال طهران، بسبب شحنات المسيّرات الإيرانية لروسيا، ورفض إيران العودة إلى الاتفاق النووي. لكن إذا أقدمت إيران على خطوة أُخرى نحو إنتاج قنبلة، يتعين على إسرائيل والولايات المتحدة التنسيق بينهما لتحديد الخطر وبلورة المراحل وصوغ السياسة المشتركة الواجب انتهاجها. نتنياهو الذي ينتظر منذ شهرين دعوته لزيارة رسمية إلى البيت الأبيض، هل سينجح في التوصل إلى ذلك مع الرئيس جو بايدن؟ وهل لديه الحرية اللازمة للقيام بذلك؟
في الأسبوع الماضي، زادت حدة الخلاف بين الحكومة والأميركيين، على خلفية مزدوجة: سياسة الاستيطان في المناطق، والانقلاب على القضاء. نتنياهو الذي رفض مطالب شركائه من اليمين المتطرف بانتهاج عقوبات واسعة في المناطق، رداً على الهجمات الأخيرة، اضطر إلى تعويضهم بقرار المجلس الوزاري المصغر، تشريع 9 بؤر استيطانية غير قانونية، وزيادة آلاف الوحدات السكنية في المستوطنات. الإدارة في واشنطن غير راضية عن ذلك، وفي الوقت عينه، يواصل كبار المسؤولين الأميركيين توجيه النقد إلى هرولة الحكومة نحو إضعاف القضاء.
سفير الولايات المتحدة في إسرائيل توم نيدس، الذي قال علناً إنه يجب توخي الحذر، تعرّض لهجوم شخصي من الوزيرين بتسلئيل سموتريتش وعميت شيكلي، ومن أعضاء الكنيست من الائتلاف. وكشف هذا الكلام جهلاً وقصر نظر ونكراناً للجميل. بعض المنتقدين الإسرائيليين يتصرفون كأن الولايات المتحدة هي التي تحصل منا على مساعدة عسكرية تقدَّر بـ3.8 مليارات دولار في السنة، وليس العكس.
لقد امتنع الأميركيون من الرد على هذه الإهانات الوقحة، لكن الدفتر مفتوح واليد تسجّل، بحسب ما درج رئيس الحكومة السابق ليفي أشكول على القول قبل عقود عديدة. الاعتماد الإسرائيلي على الولايات المتحدة تجسّد هذا الأسبوع بالذات، بعد الجهد المشترك الذي بذله إسرائيليون وأميركيون ومسؤولون كبار في السلطة الفلسطينية، للتوصل إلى تسوية بشأن القرار الذي يدين إسرائيل في المناطق [المحتلة] في مجلس الأمن. ومن أجل الحؤول دون صدور هذا القرار، وفي ضوء عدم حماسة الأميركيين لفرض الفيتو لمصلحة إسرائيل، حظيَ الفلسطينيون بمجموعة بادرات، في إطارها، تعهدت إسرائيل وقف تشريع بؤر استيطانية جديدة مستقبلاً، على الرغم من النفي الكامل من أبواق نتنياهو.
في الساحة الفلسطينية، يجب التطرق إلى ما يجري في القدس الشرقية. صحيح أن المجلس الوزاري المصغر كبح مشروعاً بعيد الأجل لوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، لكن يبدو أن حملة المضايقات التي تقودها شرطة القدس في أحياء شرقي المدينة، بتشجيع من الوزير، كافية لتسخين الأجواء في الأيام الأخيرة. قبل شهر من حلول رمضان، يسجل بن غفير أول إنجاز له: النجاح في تسخين شرقي المدينة، وذلك قبل حدوث أي توتُّر في الحرم القدسي”. (المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية).