غروسي في طهران.. هل تكون فرصة رابحة للجميع؟

يصل المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي، اليوم (الجمعة)، إلى طهران في مهمة يأتي توقيتها قبيل بدء موعد إنعقاد مجلس محافظي الوكالة الدولية في السادس من آذار/مارس في فيينا، في إجتماع سيناقش ملف تخصيب اليورانيوم الإيراني بدرجة تصل إلى 84%.

لا أحد يستطيع أن يُقدّم جواباً قاطعاً عن سر إشاعة مناخات إيجابية مع كل زيارة يقوم بها وفد من الوكالة الدولية للطاقة أو من الوسطاء الإقليميين والدوليين إلى طهران، وهل أن تعمد الضيوف أو من يستضيفونهم بضخ هذه الأجواء التفاؤلية هو مجرد قنابل دخانية بالمعنى الإيجابي للكلمة بينما تكمن الحقيقة في مكان آخر لا أحد يريد أن يقاربه بوضوح؟

لم يأتِ المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي إلى طهران من فراغ. سبقه إليها وفد من الوكالة منذ الحادي والعشرين من شباط/فبراير المنصرم أجرى حوارات مع المسؤولين الايرانيين المعنيين بالملفات الشائكة بين ايران والوكالة الدولية كالأسئلة التي وجهتها الوكالة لإيران في إطار إتفاقية الضمانات الشاملة الدولية وقضية المواقع النووية الايرانية الثلاثة (ورامين وتورقوز آباد في جنوب طهران ومريوان في محافظة كردستان) وأيضاً ملف العثور على ذرات يورانيوم بدرجة تخصيب تصل إلى أربعة وثمانين بالمئة في منشأة فوردو.

وقد نفذ وفد الوكالة عمليات تفتيش دقيقة فتحت الباب أمام زيارة غروسي، أي أن النتيجة التي توصل إليها خبراء الوفد بدّدت الشكوك الدولية، فتم الإعلان عن توجيه دعوة رسمية إلى غروسي لزيارة طهران، على أن تشمل محادثاته يوم غد السبت رئيس المنظمة الايرانية للطاقة النووية محمد إسلامي، فيما كثر الحديث في الإعلام الإيراني عن إحتمال عقد لقاء أيضاً بين الرئيس الايراني إبراهيم رئيسي ومدير الوكالة الدولية، وسط تعويل إيراني على نجاح هذه الزيارة وإمكانية التوصل إلى حلول للقضايا التقنية العالقة منذ سنوات بين ايران والوكالة الدولية للطاقة بما فيها قضية المواقع الثلاثة التي كانت من بين أسباب أخرى لتعثر مسار مفاوضات فيينا في مطلع العام 2022.

وإذا نجحت زيارة غروسي، وهو ما ستتضح معالمه مع الإجتماعات التي سيبدأها مجلس محافظي الوكالة خلال أيام قليلة، فإن الإشارات التي تلقتها طهران من جهات دولية عديدة، تفتح الباب أمام إعادة إستئناف مفاوضات فيينا، خاصة وأن الصينيين أعطوا الرئاسة الإيرانية، أثناء زيارة إبراهيم رئيسي، إلى بكين مؤخراً، إشارات تصب في خانة تشجيع طهران على إبرام الإتفاق مع الغرب، كمقدمة ضرورية لأي إندفاعة محتملة للشركات الصينية من أجل الإستثمار في إيران في المرحلة المقبلة.

في هذا السياق، شدّد أكثر من مسؤول ايراني خلال الأسابيع الأخيرة على ضرورة وأهمية الحفاظ على العلاقات بين المنظمة الايرانية للطاقة النووية والوكالة الدولية وأكدوا أنهم فتحوا أبواب المنشآت النووية الايرانية أمام مفتشي الوكالة الدولية وقدموا للوكالة تقريراً كاملاً ومفصلاً حول النشاطات النووية الايرانية والأهم من ذلك ما تم الإعلان عنه على لسان محمد إسلامي رئيس المنظمة الإيرانية، بأن الوكالة الدولية أكدت أن ايران لم تبدأ بتخصيب اليورانيوم بدرجة أربعة وثمانين بالمئة كما أنها لم تتخذ خطوات عملية لبدء تخصيب اليورانيوم بدرجة أعلى من ستين بالمئة، وبالتالي أجابت إيران، بحسب اسلامي، على كل الإستفسارات التي طرحتها الوكالة الدولية في الفترة الماضية بكل شفافية، حتى أن إسلامي إعتبر أن زيارة غروسي إلى طهران من شأنها حل العقبات التي تعيق إحياء الإتفاق النووي، وقال ان بلاده اغلقت الملفات الخلافية مع الوكالة الذرية، على حد تعبيره.

إذا نجحت زيارة غروسي، فإن الإشارات التي تلقتها طهران من جهات دولية عديدة، تفتح الباب أمام إعادة إستئناف مفاوضات فيينا، خاصة وأن الصينيين أعطوا الرئاسة الإيرانية، أثناء زيارة إبراهيم رئيسي، إلى بكين مؤخراً، إشارات تصب في خانة تشجيع طهران على إبرام الإتفاق مع الغرب

وكان لافتاً للإنتباه قول كبير المفاوضين الأوروبيين أنريكي مورا أن الإتحاد الأوروبي يبقي قنوات الحوار مفتوحة مع طهران، معرباً عن إعتقاده بأن فرصة التوصل الى اتفاق نووي مع إيران “هو الحل الوحيد لمشكلة برنامجها النووي”. هذا الموقف عكس ترحيباً أوروبياً بزيارة غروسي إلى طهران وإمكان فتح الباب أمام إعادة إحياء الإتفاق النووي وبالتالي عدم تأثر موقف الدول الأوروبية بقضية طرد الديبلوماسيين المتبادل بين ايران وألمانيا في الآونة الأخيرة.

 بدوره، عبّر مدير وكالة الإستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) ويليام بيرنز في مقابلة مع شبكة “سي بي إس” عن قلقه الشديد من التقدم التقني الإيراني، وقال إن إيران تحتاج إلى أسابيع عدة لبلوغ نسبة الـ 90% إذا رغبت في ذلك، إلا أنه توجد عتبات أخرى يتعين عليها إجتيازها قبل أن تعد إيران دولة نووية، وأشار إلى أن الولايات المتحدة لا تظن أن المرشد الخامنئي إتخذ قرار إعادة عسكرة البرنامج النووي الإيراني المتوقف منذ العام 2003.

وكانت العلاقات بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية قد توترت خلال العام الماضي بسبب الخلاف بين الجانبين حول الأسئلة التي وجهتها الوكالة الدولية لايران في إطار اتفاقية الضمانات الشاملة الدولية (معاهدة منع انتشار اسلحة الدمار الشاملة). وتعتقد السلطات الإيرانية أنها استجابت وتعاونت على النحو الواجب مع الوكالة فيما يتعلق بالأسئلة المذكورة وتتهم الوكالة بممارسة ضغط سياسي لا علاقة له بالأمور التقنية.

إقرأ على موقع 180  "حماس" تضرب.. وصواريخ إسرائيل تُخطىء ياسين والزهّار (110)

وأدى خلاف إيران مع الوكالة إلى إصدار ثلاثة قرارات من قبل مجلس محافظي الوكالة، وفي القرار الأخير لمجلس المحافظين، طُلب من إيران تقديم إجابات “مقنعة” على أسئلة الوكالة حول هذه الأماكن.

وحاولت جهات دولية وإقليمية الدخول على خط الأزمة بين إيران والغرب، وأبرزها قطر التي أوفدت وزير خارجيتها محمد بن عبد الرحمن آل ثاني أكثر من مرة إلى العاصمة الإيرانية في محاولة منها لإعادة تحريك المفاوضات النووية. وتردد إثر الزيارة القطرية الأخيرة أن فرصة التوصل إلى اتفاق نووي جديد باتت مرتفعة قبل تشرين الأول/أكتوبر المقبل، موعد فك الحظر المفروض على إيران في مجال توريد وإستيراد الأسلحة، إستناداً إلى إتفاق العام 2015.

وصرح وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان مؤخراً أن بلاده تأمل بأن يختم رافائيل غروسي زيارته “بالتوافق مع زملائنا في منظمة الطاقة الذرية الايرانية”، وشدّد على أن إيران لن تحاول أبداً امتلاك أسلحة نووية وقنابل ذرية، كما تؤكد فتوى المرشد الأعلى الإمام علي الخامنئي على هذه المسألة، وأبدى ترحيبه بالحوار النووي وبفرصة التوصل إلى اتفاق قوي ومستقر، وقال “في حال فشل المفاوضات نحن مستعدون لاقتراح بديل”.

وقال الكاتب الإيراني هادي محمدي في مقالة له في صحيفة “خراسان” المحافظة إنه يجب أن يكون لتقرير غروسي المرتقب “رسالة إيجابية لطهران لمواصلة إعطاء الدبلوماسية فرصة للتوصل إلى اتفاق نهائي، وهذه لعبة يربح فيها الجميع، ولا تتطلّب سوى الإرادة السياسية والابتعاد عن الأجواء الإعلامية الخيالية المحيطة بإيران وقضاياها الداخلية”.

ورأت صحيفة “آرمان ملى” الإصلاحية أنّ زيارة غروسي “ستكون هامة جداً ومصيرية.. ويمكن أن تحدد اتجاه سياسة إيران الخارجية في الأشهر والسنوات المقبلة، لا سيما أنّ غروسي على وشك إعادة انتخابه في الاجتماع المقبل لمجلس محافظي الوكالة، مما يدفعه لمحاولة استقطاب دعم الدول الغربية من خلال طمأنتها بأنه سيعمل بما يتماشى مع سياساتها”، وختمت الصحيفة: “على الرغم من أنّ الجزء الأكبر من ميزانية الوكالة يتم توفيره من قبل الدول الغربية، لكنّ مصداقية هذه المنظمة الدولية تعتمد على حيادها ومهنيتها واهتمامها برغبات جميع الدول الأعضاء، وليس فقط قلّة من الدول المؤثرة، والتقرير الأخير للوكالة كان مسيّساً ويمكن تفسيره على أكثر من وجه، لذلك يجب على الدول الأعضاء في الوكالة ملاحظة أنّ السلوك غير المهني والسياسي للمدير العام للوكالة لن يقتصر على إيران فقط”.

Print Friendly, PDF & Email
طهران ـ علي منتظري

كاتب وصحافي ايراني مقيم في طهران

Free Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  زيارة قطرية سينمائية إلى لبنان.. وماكرون عالق بين نارين