مسرحية “النسر الساقط” تعرض على مسارح البلقان وشرق أوروبا

لتفادي تكرار ما التهبت أسنان الأقلام في كتابته، عن شرق أوروبا وأزمات البلقان. قررنا اليوم أن نعرض عليكم مسرحية تستخدم أسلوب السرد التجريدي التصويري الغامض، لكي تترك أكبر مساحة ممكنة لعقل المشاهد للتفكير. مسرحية يعاد تقديمها في صياغة معاصرة بعنوان "النسر الساقط". تعرض حالياً على جميع خشبات مسارح منطقة البلقان وشرق أوروبا. لنستمتع ونفكر سوياً.

الفصل الأول: “نعيق البومة”

مشهد (1)

خشبة مسرح خالية، تكسوها أضواء حمراء خافتة، باستثناء دائرة ضوء ساطعة يميل لونها للزرقة، تسلط التركيز على كلمات نقشت بخط أشعث تقول: “صرب مقرفين”. يُردّد هذه الكلمات بتكرار لا يفتر، صوت سيدة عجوز، بإنجليزية أمريكية مصابة بلكنة تشيكية. يصحب صوتها، أصوات نعيق بومة، ودوي جرس إنذار.

مشهد (2)

يدخل إلى المسرح رجل ستيني، ذو مشية متعجرفة، متجهاً للوقوف خلف منصة، ليلقي على الجماهير خطبة عصماء. لكنه منذ أن بدأ خطابه حتى انتهى منه، لم يسمع منه الجمهور سوى بضع غمغمات، مقاطع كلمات، أشباه جمل متفرقة. غارقة وسط أصوات طلقات المدفعية، رصاصات تتقاطع أصوات أزيزها في جميع الاتجاهات وجنازير دبابات تسحق التربة والألغام معاً. تعود الإضاءة للخفوت ثانية، بعد أن يئس الرجل من أن تُسمع كلمات خطبته. لكن تبقى ذات دائرة الضوء المستمرة منذ المشهد الأول!

مشهد (3)

يفتح الستار ثانية على خلفية ذات ثلاثة ألوان، الأبيض، الأخضر والأحمر. يقبع وسط خشبة المسرح، صندوق اقتراع، وبجانبه صندوق آخر شفاف ممتلىء بأوراق عملة خضراء، تحمل صورة رجل يرتدي زياً غريباً بياقة مكشكشة. يدخل رجل وإمرأة من كلا جانبي المسرح، يتجهان عدواً نحو الصندوقين.

تضع المرأة الورقة المطوية بين يديها في فتحة صندوق الاقتراع. ورقة تتميز بخطوطها الحمراء، مع مربع أزرق ممتلىء بالنجوم الخماسية البيضاء، وقد أضافت المرأة بقلمها علامة “X” على ظهر ورقة التصويت.

بينما يمد الرجل يده في الفتحة الواسعة لصندوق المال، ليغرف ما استطاع من الورق الأخضر.

يتبادل الرجل والمرأة نظرات توحي بالقرف والاشمئزاز. ثم يسيران ثانية متجهين إلى حيث أتيا، بين ثنايا الكواليس المتقابلة لخشبة المسرح!

الفصل الثاني:
“ديجا فو”

مشهد (1)

صراخ يصدُح مع فتح الستارة، لصوت رجل أوروبي، يقول بأعلى صوت: “سلافااااا سلاف”!

يكشف انفتاح الستارة، عن شخصين يجلسان القرفصاء على جانبي المسرح، أحدهما يواجه الجمهور، والآخر يواجه خلفية المسرح. الأول يهز رأسه بحركة النفي يميناً-يساراً، أما الثاني، فتشير مؤخرة رأسه إلى أنه يشير بالعكس، حركة الموافقة من أعلى لأسفل. ثم تكشف بقعة ضوء ساقطة من الأعلى أن شخصاً واقفاً بمنتصف المسرح، يمسك بورقتين، واحدة في كل يد. ورقة صفراء، وورقة زرقاء وتتساقط عليه أوراق بألوان متعددة، من مكان ما بأعلى المسرح. بنما تظهر وتختفي على ديكور خلفية المسرح التي تشبه الخريطة، كلمات متعددة مثل: “قاتل”، “سقف”، “مارق”، “فخ”، “غاز” وغيرها الكثير.

مشهد (2)

“إلى الجهااااااد”، تشق هذه الصرخة صمت القاعة، مع فتح الستارة، لتظهر وراءها فتاة صغيرة. تلقي 4 كلمات على مسامع الجماهير “أنا برستينا، أنا مظلومة”. ليقتحم وحدتها على الخشبة فجاةً، أربعة رجال في زي عسكري مموه، يوجهون أسلحتهم نحو الجمهور، وليس نحو الفتاة الصغيرة. يبدأ الجمهور بالبكاء في هذه اللحظة كرد فعل طبيعي. بينما تختفي الفتاة وكأنها لم تقف منذ البداية، بعد انقشاع بقعة الضوء عنها. لترسم الإضاءة بدلاً عن ذلك ما يشبه القرنين باللون الأحمر. تظهر بقعة ضوء تكشف عن كلمة “وحش”، مكتوبة بما يشبه الحبر الأحمر أو ربما الدماء. ثم تطفأ جميع الأنوار، وتغلق الستارة!

مشهد (3)

تسلط جميع الأضواء الساطعة نحو خشبة المسرح، كاشفة كل جنباتها أمام المتفرجين، الذين يكتشفون أن الستارة لم تغلق بعد نهاية المشهد السابق. بينما يجلس وسط هذه الأضواء الموجعة للأعين، شاب ثلاثيني، ممسكاً بوردة في إحدى يديه، ليقوم بيده الأخرى باقتطاف وريقات الزهرة، الواحدة تلو الأخرى، متمتماً بكلمتين تتناوبان على لسانه مع إلقاء كل وريقة أمامه. الكلمتان هما: “أفهم”، “لا أفهم”. ثم ينطلق من وسط مقاعد المتفرجين إثنان من الكومبارس، يقومان بإغلاق ضفتي الستارة حتى ينطبقا كلياً وتنطفىء كل الأضواء، ليعود الظلام الدامس.

الفصل الثالث: “طائر الرماد”

مشهد (1)

يظل ستار المسرح مغلقاً، بلونه الأحمر الداكن، ثم يتم عرض ظل نسر يحلق فوق الستارة، مع أصوات صفيره التي تصم الآذان. مما يجبر المتفرجين جميعاً في القاعة على وضع كفوفهم فوق آذانهم. ويظهر أمام الستارة المغلقة، رجل في الأربعينيات من عمره ممكساً بميكروفون. يبدو أنه يريد إخبار الجمهور شيئاً. لكن الشاب يسقط فجأة في فتحة مربعة وسط خشبة المسرح، ليختفي بكامله في الأسفل. فيتوقف ظل النسر عن التحليق، ويفتح الستار، ليظهر خلفية ديكور المسرح حاملة كلمة “الحقيقة” بالحجم الكبير. ثم يصدر صفير النسر مرة واحدة بشكل يفاجىء المتفرجين ويزعجهم بشدة، فتنقشع الأضواء عن خلفية المسرح التي تحمل الكلمة، وتسدل الستارة!

مشهد (2)

يبدو لون الستارة وقد صار غريباً، فقد تحول من الأحمر الداكن المعتاد، إلى الأسود. وحينما يفتح، يكشف عن خلفية بيضاء ناصعة. ثم تبدأ ظلال أناس كثيرين في التجوال يميناً ويساراً خلف الخلفية البيضاء الشفافة.

إقرأ على موقع 180  عن فانون و"معذبي الأرض"، المستعمِر والمستعمَر، الفدائي واللاجىء

يبدو أن هؤلاء الناس يتهامسون أو يتحاورون حيال شيء ما يقلقهم. أصوات النقاشات ليست مزعجة، بل مرصعة بالضحكات والصيحات غير المؤذية. وفجأة، يدوي صوت انفجار مهول يثير فزع الجميع، ويصم آذان المتفرجين، ويصرع جميع الظلال التي كانت تتحرك لتوها، ويملأ الدخان خشبة المسرح، فيتعذر على المتفرجين رؤية ماذا يحدث بالضبط على خشبة المسرح. لكن سرعان ما ينقشع الدخان، لتظهر كلمة “النهاية” بخط تقليدي قديم على خلفية الديكور التي تتحول إلى شاشة عرض ضوئية على طريقة دور السينما!

مشهد (3)

يفاجأ الجمهور بالشاب الأربعيني ذاته الذي سقط قبل أن يقول لهم الحقيقة، يصعد من أسفل خشبة المسرح المغطاة بالرماد، ليتجه لفتح الستارة ببطء، كل طرف في اتجاه. ليظهر على المسرح تدريجياً، الكثير من الناس المطروحين أرضاً، بينما لا يقف على الخشبة سوى أربعة أشخاص.

برستينا، الشاب الذي يحمل الوردة، الرجل الأوروبي الهاتف، والشاب الأربعيني نفسه.

وينتهي العرض، والميكروفون بين يدي الشاب. ثم يغلق الستارة، لينضم نصفا كلمة “البداية” المحيكة فوق قماش ضفتيه.

-النهاية-


ملحوظة: هذه مسرحية رمزية من نسج خيال الكاتب. مع كامل الاعتذار على الإبهام المتعمد.

Print Friendly, PDF & Email
تامر منصور

مصمم وكاتب مصري

Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  فيينا في مأزق.. والشرق الأوسط على فوهة أسابيع الغليان