“هآرتس”: 2024 سنة الجبهات المتعددة في الإقليم

Avatar18013/04/2023
في مقالته الدورية في صحيفة "هآرتس"، يستعرض المحلل السياسي عاموس هرئيل ما يعتبرها عناصر تزيد من إحتمالات الحرب في المنطقة في السنة المقبلة. ماذا جاء في مقالة هرئيل؟

“تزداد احتمالية أن تجد إسرائيل نفسها، السنة القادمة، في حرب حقيقية بدرجة كبيرة في الأشهر الأخيرة. هذا استنتاج شعبة الاستخبارات العسكرية في هيئة الأركان العامة. وهو استنتاج معروف لكبار ضباط الجيش ومتخذي القرارات في المستوى السياسي. لا تتحدث الاستخبارات العسكرية عن احتمالية عالية لحدوث حرب، وحتى الآن تعتقد أن إيران و”حزب الله” و”حماس” غير معنيين بالضرورة بمواجهة مباشرة وشاملة. ولكن يبدو من الواضح أنهم مستعدون للمخاطرة والمقامرة بنشاطات عدائية اكثر جرأة، لأنهم يعتقدون أن إسرائيل ضعفت في أعقاب الأزمة الداخلية الشديدة، التي قللت مجال مناورتها الاستراتيجية.
على هذه الخلفية تُقدّر الاستخبارات العسكرية بأنه قد تعززت احتمالية أن تشتعل سلسلة مواجهات في ساحات مختلفة من شأنها ايضا، وبدون نية مسبقة، وتصل الى حرب واسعة متعددة الجبهات. هذه هي “العاصفة الكاملة” التي يتحدث عنها رجال الاستخبارات منذ بضعة اشهر. هي تتفق مع تداعيات الاختلاف حول محاولة حكومة نتنياهو أن تخرج الانقلاب النظامي الى حيز التنفيذ.

الحرم القدسي
في الخلفية يتحقق جزء كبير من التقديرات بخصوص شهر رمضان الذي سينتهي بعد عشرة ايام. خلال هذا الشهر كان هناك صدامان عنيفان بين الشرطة والمصلين المسلمين في المسجد الأقصى (الصاعق الرئيسي الذي أشعل النار)، وعمليات كان فيها قتل في غور الأردن وفي تل أبيب، وإطلاق الصواريخ من لبنان ومن سوريا ومن قطاع غزة.
سيواصل الحرم وقوفه في مركز الاهتمام أيضا قبل انتهاء شهر رمضان، على خلفية تقاطع أعياد الديانات الثلاث، عيد الفصح لليهود، وعيد الفصح للمسيحيين. اندمج التصعيد في رمضان مع ثلاث عمليات رئيسية أدت الى تغيير المحيط الاستراتيجي لإسرائيل: تقليص الاهتمام الأميركي بما يحدث في الشرق الأوسط، وازدياد الثقة الذاتية الإيرانية التي تتمثل ايضا بمحاولات تحدي إسرائيل بصورة مباشرة، وانعدام استقرار متزايد في الساحة الفلسطينية.

أميركا تتبدل أولوياتها
يظهر التغيير في مقاربة الولايات المتحدة على طول السنوات الاخيرة، حيث انتقل اهتمام واشنطن من الاهتمام بما يحدث هنا لصالح ساحات اكثر أهمية، أولها المنافسة على النفوذ مع الصين والرغبة في وقف مغامرة روسيا العسكرية ازاء الحرب في أوكرانيا. ثمة أفكار حصلت على الصدى في فترة ولاية باراك اوباما في بداية العقد السابق، وتحولت الآن الى أمور اكثر فعلية. الدلائل على ذلك كثيرة: عدم المبالاة الأميركية الواضحة إزاء الهجمات الجوية التي قامت بها إيران قبل سنة ضد السعودية والإمارات، ونقل طائرات قتالية متطورة من الشرق الأوسط الى ساحة المحيط الهادئ، والحذر الذي ترد فيه الولايات المتحدة على هجمات المليشيات الشيعية بتوجيه إيران ضد قواتها في سوريا.
في الجيش الإسرائيلي يكثرون من التفاخر بتعزيز العلاقات الواضح مع قيادة المنطقة الوسطى للجيش الأميركي في السنتين الاخيرتين. ولكن هنا وهناك تولد الانطباع بأن الأميركيين أقل حماسة للتشارك في المعلومات الاستخبارية والخطط العملياتية مع إسرائيل. ايضا الزيارات الكثيرة لشخصيات رفيعة في ادارة جو بايدن وضباط في القيادة الوسطى في البلاد يمكن رؤيتها بشكل مختلف. في جزء منها هذه ليست فقط تصريحات صداقة ومحبة، بل تعبير عن رغبة براغماتية لاستيضاح أن إسرائيل لا تقوم بأمور تافهة، ولن تشعل للأميركيين الشرق الاوسط.

إتفاق بكين
هناك برودة معينة في النظرة الأميركية الى إسرائيل، حتى في المستويات المهنية في واشنطن. عبّر الرئيس الأميركي، جو بايدن، الشهر الماضي، بشدة عن قلقه على الديموقراطية الإسرائيلية، بعد يومين على قرار رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، اقالة وزير الدفاع، يوآف غالانت، وهو القرار الذي تم تجميده في الوقت الحالي. ولكن الأميركيين يقلقون ايضا من احتمالية أن تتصرف إسرائيل بعدم مسؤولية في “المناطق”، أو أن تجرهم الى تبادل اللكمات مع إيران. كشف الخطط الإيرانية للمس بشخصيات في المؤسسة الامنية الأميركية أثار القلق في واشنطن.
تغيير المقاربة الأميركية في المنطقة يسرع خطوات المصالحة بين إيران وبين الدول العربية السنية. المثال الاكثر وضوحا على ذلك يكمن في اتفاق المصالحة بين إيران والسعودية، ولكن المنطقة تملكتها، مؤخراً، حمى زيارات متبادلة، في إطارها تبددت ايضا المقاطعة السنية الطويلة لسوريا إزاء الأعمال الفظيعة التي قام بها النظام هناك أثناء الحرب الأهلية في سوريا.

العداء الإستراتيجي
في الوقت ذاته في جهاز الأمن يلاحظون تغييرا تدريجيا في مقاربة طهران تجاه إسرائيل. انتقلت إيران الى وضع عداء استراتيجي تجاه إسرائيل. وتحتل الرغبة في المس بها اليوم مكانا اكثر أهمية بكثير في سلم الأولويات الاستراتيجية. الفرضية في جهاز الأمن هي أنه قبل بضع سنوات أُعطي توجيه مباشر من الزعيم الروحي، علي خامنئي، لزيادة الجهود للمس بأهداف إسرائيل داخل حدود الخط الاخضر وفي “المناطق” وتعزيز الدعم للتنظيمات “الارهابية” الفلسطينية التي تنشغل بذلك.
“قوة القدس”، التابعة للحرس الثوري الإيراني، والاجهزة الاستخبارية في إيران و”حزب الله”، جميعهم سرعوا الجهود للمس بإسرائيل طبقا لتوجيهات الزعيم. تضع إيران سياسة عامة وتحول الاموال، لكن على الاغلب لا تنزل الى التفاصيل التكتيكية للهجمات نفسها. تغيير موقف إيران هو رد مباشر على توجهات بعيدة المدى يعزوها النظام لإسرائيل: ازدياد الهجمات على الاراضي الإيرانية نفسها (نشاطات تخريبية في منشآت نووية واغتيال علماء ذرة وضباط في الحرس الثوري)، وهجمات جوية ضد قوافل السلاح وقواعد لإيران موجودة في سوريا.

توجد لإيران اسباب اخرى لتكون راضية، مؤخرا، اضافة الى التراجع الأميركي والمشكلات الداخلية التي تغرق فيها إسرائيل. يبدو أنه بعد أشهر كثيرة يظهر هناك تباطؤ في احتجاج الحجاب، وحقق النظام سيطرة اكبر في الجبهة الداخلية بفضل استخدامه وسائل قمع عنيفة. التحالف مع روسيا يقوي إيران، وهي تأمل بأن تحصل على منظومات دفاع جوية متقدمة وطائرات حربية مقابل المسيرات الهجومية التي قدمتها لروسيا لصالح الحرب في اوكرانيا.

إقرأ على موقع 180  روسيا – بيلاروسيا.. لا أخوة ولا أعداء

في الخلفية تترسخ إيران كدولة عتبة على بعد مسافة من اتخاذ قرار التقدم في انتاج القنبلة: تحتاج فقط 12 يوماً حسب تقدير الإدارة الأميركية الى أن تحصل على اليورانيوم المخصب بمستوى 90 في المئة وبكمية تكفي لإنتاج قنبلة نووية واحدة، وبحاجة الى سنتين أو أقل الى أن يتم إنتاج سلاح نووي (لم تقم إسرائيل بتبني التقدير الأميركي الذي يقول بأن إيران ستفحص تقصير هذه الفترة عن طريق انتاج سلاح نووي بمستوى مهني أقل).

غليان فلسطيني
يتلاقى التغيير الإيراني مع ساحة فلسطينية تغلي. ما زالت “حماس” تتجنب مواجهة عسكرية في غزة، لكنها طموحة أكثر بكثير في مناطق اخرى. القدس والضفة الغربية في البؤرة من خلال تشجيع حثيث لـ”حماس” على القيام بعمليات فيهما. في الخلفية السلطة الفلسطينية ليست فقط ضعيفة وفاسدة وتتجنب القضاء على “الارهاب”، بل غارقة في صراع وراثة متزايد تقوم جهات خارجية، من بينها الأميركيون، بتأجيجه. احباط الجيل الشاب الفلسطيني في الضفة الغربية اندلع قبل سنة مع زيادة قوة العمليات. الآن التوفر الكثير للسلاح الى جانب الاستعداد للقتال تُحول كل عملية اعتقال للجيش الإسرائيلي في مدن شمال الضفة الى اقتحام عنيف لمنطقة مأهولة ومكتظة، وتزيد عدد المصابين. وبرغم أن معظم القتلى الفلسطينيين متورطون في محاولات تنفيذ عمليات أو استخدام السلاح الناري، فان عددهم المتزايد يشعل النار الدائمة للمواجهة.
اصبع في عين إسرائيل
إذا كان العنف الزائد في الضفة اصبح روتيناً فان التطورات الاستثنائية في الفترة الأخيرة جاءت من لبنان: إطلاق الصواريخ في 7 نيسان/ابريل، وقبل ذلك العملية في مجدو في 13 آذار/مارس. “المخرب”، الذي اجتاز الحدود من لبنان ووضع عبوة ناسفة قرب مفترق مجدو، تقريبا 70 كم جنوب الجدار، وصل من هناك من قبل “حزب الله”. إطلاق الصواريخ قصة مختلفة. برغم تقدير معظم الخبراء، على الفور بعد الإطلاق من جنوب لبنان، بأن عملية كهذه لا يمكن أن تحدث بدون موافقة “حزب الله”، لكن الاستخبارات تصمم على أن الأمور ليست هكذا.
وزراء الكابينت قيل لهم بأن الأمر يتعلق بمبادرة لـ”حماس”. يبدو أن كبار شخصيات التنظيم في الخارج، صالح العاروري وخالد مشعل، صادقوا على هذه العملية. يبدو أن رئيس “حزب الله”، (السيد) حسن نصرالله، لم يكن في الصورة مسبقاً. من المشكوك فيه أيضاً اذا كانت القيادة في غزة وعلى رأسها يحيى السنوار ومحمد ضيف كانت تعرف عن الخطة.
التقى نصرالله، هذا الأسبوع، في بيروت مع إسماعيل هنية، احد رؤساء “حماس”، استمرارا للقاءات أجراها مع شخصيات إيرانية رفيعة وقادة تنظيمات إرهابية فلسطينية. ربما أراد أن يرسخ بذلك تفاهمات مفصلة اكثر حول إدارة المواجهة مع إسرائيل. ولكن من غير المستبعد أن نصرالله أيضاً استمتع بأن يغرس بذلك اصبعاً في عين إسرائيل، بالذات بعد تصعيد الهجمات.

تفادي مواجهة حزب الله
على أي حال، القاسم المشترك بين الأحداث الأخيرة من لبنان هو الاستعداد للانحراف عن معادلات الرد السابقة، والاستعداد للمخاطرة بخطوات جدية اكثر، برغم أن احتمالية ذلك ستؤدي الى رد شديد من قبل إسرائيل. عمليا، كانت ردود إسرائيل محدودة. بعد “عملية مجدو”، نشر في وسائل الإعلام العربية عن ازدياد الهجمات الجوية الإسرائيلية في سوريا، والتي قتل فيها اثنان من ضباط الحرس الثوري. بعد إطلاق الصواريخ تم عقد الكابينت للمرة الأولى بعد شهرين، وتمت المصادقة بتوصية من الجيش على رد محدود، والمس المقلص بأهداف “حماس” في لبنان، وهجوم اوسع قليلا على أهداف لـ”حماس” في القطاع.
وافق نتنياهو على موقف الجيش الذي تمت صياغته بصورة ملونة: من يعاني من النوبة القلبية لا يشارك في سباق الماراثون. أي أنه بالنظر الى الوضع العام في المنطقة وخطورة الأزمة الداخلية، من الأفضل عدم البدء في مواجهة مع “حزب الله”. واكثر من ذلك أن الاستخبارات تؤكد على أن هذا التنظيم الشيعي لم يكن متورطاً في إطلاق النار أبدا. بصورة مهمة ايضا فان وزراء اليمين المتطرف في الكابنيت، إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، صوتوا مع الخط المنضبط نسبيا الذي قاده نتنياهو. ايضا هم مثل بعض وزراء “الليكود” الجدد بدأوا يعترفون بحدود القوة. ليس كل ما تحب عمله للعدو ممكناً، عندما تجلس في غرفة يتم فيها اتخاذ القرارات.
حتى لو كانت البيانات الدراماتيكية لاستطلاع المقاعد في الكنيست، الذي نشرته القناة 13، هي بيانات غير متفق عليها، فانه يصعب تجاهل التوجه الواضح والمتواصل لانخفاض ثقة الجمهور بالحكومة إزاء الأداء المخيف لها. خرجت خيبة أمل أعضاء الائتلاف الى الخارج بطرق أخرى، أساسها اتهام اليسار ووسائل الإعلام ورؤساء أجهزة الأمن بالمسؤولية عن الوضع.
أحد الوزراء المجهولين في قائمة ايتمار بن غفير ذهب بعيدا عندما قال، هذا الأسبوع، إن كبار اذرع الأمن يقودون عصياناً ضد الحكومة. أعضاء كنيست في الائتلاف قالوا إن رئيس الأركان، هرتسي هليفي، هو “موظف يمكن استبداله عند الحاجة”، أو أوضحوا بأن قصف سلاح الجو في غزة وفي سوريا وفي لبنان تثبت بأنه “ممكن من دون الطيارين الرافضين”. عمليا استجاب رجال الاحتياط للدعوة وشاركوا، كالعادة، في جميع الهجمات”. (المصدر: جريدة “الأيام” الفلسطينية).

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Download WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  كتاب بيرغمان: "إنقلاب الشين بيت".. وتحطيم جماجم الفدائيين (50)