قبل حوالي السنة، وخلال زيارته إلى مسقط، وقّع الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي مع الحكومة العُمانية 12 صفقة تجارية وإقتصادية وسياسية، ويشي المسار الذي أعقب تلك الزيارة بتطور العلاقات الثنائية ضمن وتيرة ملائمة للطرفين. فما هو الجديد الذي فرض هذا التوقيت لزيارة سلطان عمان إلى طهران؟
أولاً؛ تأتي الزيارة بعد حوالي الثلاثة أشهر على توقيع الإتفاق السعودي الإيراني في بكين، وقد لعبت سلطنة عُمان (وكذلك بغداد) دوراً في تسهيل المفاوضات بين طهران والرياض، سواء من خلال نقل الرسائل أو إستضافة بعض الجلسات على أراضيها، وبالتالي هي صاحبة مصلحة واضحة في نجاح هذا المسار.
ثانياً؛ تأتي الزيارة غداة سلسلة من المبادرات التي قام بها سلطان عمان وآخرها الوساطة بين إيران وبلجيكا والتي أفضت في الساعات الأخيرة إلى الإفراج عن الدبلوماسي الإيراني أسد الله أسدي الموقوف منذ العام 2021، مقابل الإفراج عن عامل الإغاثة البلجيكي أوليفييه فانديكاستيل.
ثالثاً؛ تأتي الزيارة بالتزامن مع تجدد الحديث عن إمكان إستئناف الوساطة العمانية بين طهران وواشنطن.. وصولاً إلى إعادة إستئناف المفاوضات غير المباشرة بين الجانبين.
رابعاً؛ تأتي هذه الزيارة في ظل مناخ دولي غير مسبوق منذ أكثر من ثلاثة عقود، يعيد التذكير بحقبة الحرب الباردة، كما تأتي في ظل إستمرار الحرب الروسية الأوكرانية وما تثيره من إلتباسات بشأن مواقف عواصم عدة منها ولا سيما طهران التي يتهمها الأميركيون والأوروبيون بتزويد روسيا بالمسيرات والصواريخ في حربها ضد أوكرانيا.
هنا يُصبح السؤال: ماذا يحمل سلطان عمان في جعبته؟
تعيد الزيارة التذكير بالرحلة التي قام بها سُلطان عمان الراحل قابوس إلى طهران في العام 2013 ونقل خلالها رسائل من الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى القيادة الإيرانية، وهي الزيارة التي أسّست لإنطلاق المفاوضات التي توّجت في العام 2015 بتوقيع بخطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، أو ما يُعرف بالإتفاق النووي.
هل سيتمكن هيثم بن طارق من فتح قنوات الحوار مجدداً بين ايران وأميركا حتى من باب ملف تبادل السجناء الأمر الذي إن تحقق سوف يفتح نافذة جديدة للمفاوضات ويعيد ممثلي الدولتين إلى فيينا بعد إنقطاع طويل؟
يحمل السلطان العماني في جعبته أيضاً ملف الحرب اليمنية.. وفي لقاءاته مع المسؤولين الايرانيين سوف يطلب منهم أن يأخذوا موضوع إنهاء الحرب اليمنية على محمل الجد في مفاوضاتهم مع الجانب السعودي، لأن السلام في اليمن هو المفتاح الأساسي لحل العديد من أزمات المنطقة كما سيؤدي إلى إبرام إتفاقيات سياسية راسخة مع الجانب السعودي.. وبالتالي أي إتفاق لا يؤدي إلى إنهاء الحرب اليمنية سوف يبقى ناقصاً.
ولطالما ارتبط اسم سلطنة عمان بالصفقات والوساطات من خلف الستار، ولذلك يعتقد خبراء إيرانيون أن زيارة سلطان عمان إلى ايران سوف تحرك المياه الراكدة في المفاوضات بين ايران وأميركا فيما يتعلق بالعمل على إعادة إحياء الإتفاق النووي.
الخبراء المقربون من فريق المحافظين يعتبرون أنه من دون رفع العقوبات الدولية لن يتم تحرير موارد إيران المالية وأموالها في البنوك الأجنبية، أي لن تُحَل مشاكل إيران من خلال اتفاق إقليمي.. وهذا هو السبب في أن مثل هذا الاقتراح غير واقعي ولا يخدم مصالح إيران العليا
وعشية زيارة سلطان عُمان، قام عدد من الخبراء في مجال السياسة الخارجية والقضايا الدولية مؤخراً، باقتراح جديد يتمحور حول التوصل إلى اتفاق إقليمي واستبداله بخطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA) وذلك في مقالة مشتركة نشروها في مجلة “فورين أفيرز”، ومفاده بأنه لم يعد من الممكن إحياء الإتفاق النووي، ومن الأفضل أن تنتهي عملية خفض التصعيد الإقليمي، التي بدأت بتوقيع اتفاقية بكين، باتفاق إقليمي أوسع في الشرق الأوسط يحل محل خطة العمل الشاملة المشتركة.
ومن وجهة نظر هؤلاء، أنه يمكن لإيران والدول العربية التخلي إلى الأبد عن تخصيب اليورانيوم بنسبة تزيد عن الـ5٪، ووقف إعادة معالجة البلوتونيوم إلى الأبد، والموافقة على البروتوكول الإضافي لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية. بناءً على هذا الاقتراح ومن أجل تلبية متطلبات هذه الاتفاقية الإقليمية، يمكن لإيران أن تدمج احتياطياتها الحالية البالغة 20 و60٪ من المواد الانشطارية إلى أقل من 5٪ أو إرسالها إلى خارج البلاد.
لكن مؤيدي هذا الإقتراح في إيران هم قلة قليلة، فالخبراء المقربون من فريق المحافظين يعتبرون أنه من دون رفع العقوبات الدولية لن يتم تحرير موارد إيران المالية وأموالها في البنوك الأجنبية، أي لن تُحَل مشاكل إيران من خلال اتفاق إقليمي.. وهذا هو السبب في أن مثل هذا الاقتراح غير واقعي ولا يخدم مصالح إيران العليا.
ويذهب هؤلاء إلى حد القول أنه في ظل إتفاق دولي بين إيران ودول “5+1” وبتغطية من مجلس الأمن لم تنفذ كل وعود رفع العقوبات عن إيران؛ “فلماذا يجب الاستسلام لاتفاقية إقليمية طالما أن فوائدها ستكون محدودة”؟
وبرغم ذلك، يبدو أن اقتراح الإتفاق الإقليمي وربطه بالمجال النووي ونفوذ إيران الإقليمي، ثم إلغاء بعض العقوبات المفروضة على إيران، هو نوع من الهندسة العكسية بهدف الوصول إلى نقاط محددة. لذلك يمكن القول بأن هذه الخطة الهجينة تحتوي على ثلاثة مشاكل أساسية:
أولاً؛ تمت مناقشة النسخة الأصلية من خطة العمل الشاملة المشتركة على المستوى الدولي، وإذا قامت طهران الآن بتقليصها إلى المستوى الإقليمي، على قاعدة مناقشة رفع العقوبات في البعد الإقليمي، فسوف ينتهي بها الأمر إلى حصر إيران في المنطقة المحيطة بها.
ثانياً؛ يمكن أن يكون لقضية مثل تطبيع العلاقات بين إيران والسعودية مكاسب طويلة الأمد للرياض في قضايا إقليمية مثل حرب اليمن والأزمة في سوريا ولبنان وما شابه، وتحقيق مكاسب ملموسة، أما بالنسبة لطهران، فلا يمكن اعتباره إنجازاً كبيراً من دون رفع العقوبات الدولية وحل الأزمة الاقتصادية المحلية..
ثالثاً؛ من الخطأ جوهرياً أن تنسحب طهران من اتفاقية دولية لمصلحة الدخول في اتفاقية إقليمية. وترى إيران أن أي اتفاق إقليمي هو تراجع سيفضي إلى الإضرار بها. وإلى أن تحل إيران مشاكلها مع القوى الغربية، فإن تحقيق أي اتفاق على المستوى الإقليمي لن يكون ذا مغزى كبير، وتعتقد طهران أن فكرة التوصل إلى اتفاق إقليمي ليست واقعية وغير مجدية.
تُطرَح هذه التحليلات والاقتراحات في حين تبدو تصرفات ومواقف أميركا وأوروبا تجاه إيران غامضة ومُبهمة وبالطبع تتخذ منحى تصعيدياً. ففي أحدث إجراء ضد طهران، أعلن الاتحاد الأوروبي حزمة ثامنة من العقوبات. وبرغم أن فرض العقوبات على خمسة إيرانيين ومؤسستين إيرانيتين من قبل الأوروبيين جاء بذريعة انتهاكات حقوق الإنسان، إلا أن إيران لم تصل بعد إلى اللحظة التي تعترف فيها بقطع الأمل من السياسة الأوروبية الحالية.
وفي هذا الصدد، يقول وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان إن خطة العمل الشاملة المشتركة، جيدة كانت أم سيئة، لها نقاط ضعف أو قوة، فهي اليوم وثيقة دولية، وطريقنا لإلغاء العقوبات. ويضيف: على مدى أسابيع استمرت الرسائل غير المباشرة لإلغاء العقوبات، كما أن الجهود جارية لتلخيص النص الأولي من قِبل وزراء خارجية بعض الدول. ولكن من أجل الحفاظ على هدوء الناس، لا نقوم بالتصريح دائماً. وقد تم إحراز تقدم جيد ونأمل أن نصل إلى نقاط جيدة.
في غضون ذلك، تواصل إيران، بالتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، خططها في مجال التطوير النووي، تنفيذاً لقانون العمل الاستراتيجي لإلغاء العقوبات وحماية مصالح الشعب الإيراني الذي أقره البرلمان الإيراني الخاضع لسيطرة المحافظين في 2 كانون الأول/ديسمبر 2020، برغم معارضة حكومة الرئيس السابق حسن روحاني له. ويحظى هذا القانون بدعم المرشد السيد علي خامنئي الذي يقول إن قانون العمل الاستراتيجي “أنقذ البلاد من الضياع في الملف النووي”.