نتنياهو.. عليَّ وعلى أعدائي!

هي الحرب الشاملة إذن. هذا ما يسعى إليه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.. وخطة المطاردة والاغتيالات التي أطلقها تمثل الحلقة الأخطر من سيناريو حرب لن تتوقف ولن تنتهي إلا بانتهاء أحد طرفيها، وهو ما يصعب تصوّره منطقياً.

أن يجري اغتيال قائدين في حزب الله وحماس في غضون ست ساعات، ليس بالحدث العادي الذي يُمكن أن تستمر الأمور بعده على وتيرتها السابقة، فما جرى يحمل في طياته إشارات خطيرة، ويُهدّد بالدفع نحو توسعة الحرب وتفاقم الصراع بما يؤدي إلى تداعيات كبيرة على الاستقرار الإقليمي والدولي، وبالتالي إلى تغيير المعادلة في المنطقة بشكل جذري.

فؤاد شكر (السيد محسن)، حسب الإعلام الإسرائيلي، أكبر قائد عسكري في حزب الله، ويعتبره العدو “اليد اليمنى” للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ومستشاره الأبرز لشؤون التخطيط وإدارة الحرب. ولا شك أن استهدافه في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت يُعبّر عن استماتة العدو للنيل منه “مهما كلّف الأمر”.

أما إسماعيل هنية، فهو رئيس المكتب السياسي في حركة حماس ومهندس شؤونها السياسية وقائدها التاريخي المعني مباشرة بمفصل تاريخي يُرمز إليه بالسابع من أكتوبر/تشرين الأول أو “طوفان الأقصى”. واستهدافه في طهران بالذات بعد ساعات من اجتماعه بالمرشد السيد علي خامنئي ومشاركته في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان يُؤشر إلى مدى تعطّش العدو لاصطياده بصرف النظر عن العواقب المترتبة على هكذا جريمة.

المعنى أن ما عجزت إسرائيل عن تحقيقه بالحرب مباشرة، تتوسل لتحقيقه بالاغتيالات، معتمدة على أذرعها الأمنية الطويلة.. وسلاح جوها المتطور.

والملاحظ بعد خطابي السيد نصرالله الأول الثقيل المغلّف بالكثير من التوقعات الاستثنائية والثاني الذي كان قوياً وردعياً ومُطمئناً لجمهوره إلى حد كبير، أن أبرز ردود الفعل على الاغتيالين جاءت من داخل الكيان ذاته، لا سيما وقد ألقى العدو قفّازيه تحدّياً ومغامرة في وجه قوى يُعتدّ بها، تتمثل بحزب الله في لبنان وحركة حماس في فلسطين ومعهما قوة وهيبة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ذاتها التي أصابها اغتيال ضيفها الفلسطيني الكبير في عقر دارها، ما لا يترك مجالاً للشك في أن الوضع مقبلٌ على ترددات كبيرة.

فهل العدو في جهوزية كافية لمواجهة نتائج جرائمه في قابل الأيام؟

الانتحار

كان الجنرال الإسرائيلي في الاحتياط يتسحاق بريك (خدم برتبة قائد لواء في سلاح المدرعات وقائداً للكلّيات العسكرية) سبّاقاً في الإعلان عن انتقاداته ومخاوفه. فقد هاجم بشدة كلاً من نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي، على خلفية التصعيد الأخير. وقال في مقالة له نشرها موقع قناة N12 إنه لا توجد قدرة لدى الجيش الإسرائيلي على التعامل مع حرب إقليمية، لا في الدفاع عن البنى الوطنية المختلفة، ولا قدرة على الانتصار على حماس وحزب الله ومَن يدور في فلكهما.

اضاف بريك: “هناك مَن سيقول إن الوضع، في جميع الأحوال، يمكن أن يتطور إلى حرب إقليمية، بعد ردّ إيران وحزب الله، وستكون ضربتنا الاستباقية تفوّقاً مهماً في حرب إقليمية. أقول لهؤلاء الأشخاص إن الضربة الاستباقية ستدفعنا بشكل مؤكد إلى حرب إقليمية، أمّا في حال كانت ضربات إيران وحزب الله صغيرة- فمن غير المؤكد أن هذا سيقود إلى حرب إقليمية. وفي جميع الأحوال، لا يوجد لدى الجيش وحده القدرة على التعامل مع حرب إقليمية، إذا اندلعت، بعد أن نضرب ضربة استباقية، لذلك، فإنه يحتاج إلى مساعدة الولايات المتحدة”.

واتهم بريك نتنياهو وغالانت وهاليفي بأنّهم “قرّروا الانتحار والموت ويتسبّبون في انهيار إسرائيل ويعيشون أوهام البحث عن المغامرة إذ لم يبق لديهم ما يخسرونه، وباتوا مستعدين للمقامرة على مصير البلاد”، ووصفهم بأنهم “منغلقون تماماً ولا يستمعون إلى أي شخص، وهم عالقون في فقّاعة”، معتبراً أن قادة الجيش الإسرائيلي “فقدوا الثقة بالقيادة السياسية ورئيس الأركان ويطالبونه بالاستقالة”.

وفي كلام وجد أصداء واسعة داخل الكيان وفي صفوف الجيش، قال بريك إن القادة الثلاثة “لم يعد لديهم ما يخسرونه بعد فشلهم الذريع أمام هجوم السابع من تشرين الأول/أكتوبر”.. وأنه “لا يُمكننا أن نتجاهل إخفاقاتهم المستمرة في تحقيق أهداف الحرب: هزيمة حماس وعودة المختطفين إلى منازلهم، وفشلهم أمام حزب الله في مستوطنات الشمال، والحرائق الهائلة التي تلتهم الغابات والمراعي هناك”.

وفي تعليقه على تهديد الجيش بشنّ الحرب على لبنان قال الجنرال بريك ساخراً: “لقد فشل الجيش مع حماس، فماذا يريد من مهاجمة حزب الله، الأقوى بمئات آلاف المرّات من حماس؟ كل ما يمكنه هو التسبب بحرب إقليمية ليس مستعداً لها”. وأضاف أن هجوماً للجيش الإسرائيلي ضد حزب الله بكامل قوته “يُمكن أن يجلب دماراً رهيباً للبلاد بأكملها والمشكلة أن غالانت وهاليفي ليسا مستعدين للاعتراف بضعف الجيش وعجزه، ويُفضّلان الرهان على مصيره..”.

لم يكن الجنرال بريك الصوت الوحيد المعارض لسلوك حكومة نتنياهو المُدمّر. ففي مقابلة أجراها العقيد في الإحتياط حيزي نيحيما مع مراسل شؤون الجيش والأمن بصحيفة “يديعوت أحرونوت” الصحافي يوسي يهوشع، قال الأول إن “الاتجاهات التي يسير فيها الجيش الإسرائيلي لن تُحقق النصر ومهاجمة حزب الله جواً وبراً ستكون قراراً قاتلاً بالنسبة لنا، وستسبب كارثة وطنية. والطريقة الوحيدة الممكنة هي قبول صفقة (الرئيس الأميركي) جو بايدن، التي من المرجح أن تجلب الهدوء للشمال، مما سيتيح الوقت لإعادة ترتيب الجيش”.

إقرأ على موقع 180  أيها الجائع: بالإنتفاضة تنتصر.. بالتوسل تنكسر

الانتقام

إلى أين يمكن أن يصل التصعيد وبخاصة بين حزب الله وإسرائيل؟

كثيرون استبعدوا فتح إسرائيل جبهة حرب ثانية مع حزب الله اللبناني بالتزامن مع حربها في قطاع غزة، لكن كثيرين أيضاً حذّروا من سوء حسابات اليمين الإسرائيلي بترك الأمور تتدحرج، لا سيما وأن الأزمة تشتد على خناقه.

فهل يكون وصول نتنياهو إلى طريق مسدود دافعاً كافياً يضطره للهروب إلى الأمام على طريقته، فيبادر إلى قبول الصفقة مستفيداً من عطلة الكنيست الإسرائيلي التي تستمر حتى منتصف تشرين الأول/أكتوبر المقبل تمهيداً للتعامل مع خطة بايدن؟ وهل بوسعه القيام بذلك بينما صواريخ الانتقام الدقيقة تحيط بكيانه ولا يعرف متى تنهال عليه؟

لعل مشكلة نتنياهو الأساسية إدراكه أنه متى تراجع.. إنتهى.

لذا يستعيد العدو بتصرّفاته العدوانية الخرقاء المقولة المنسوبة لهرقل: “عليَّ وعلى أعدائي”.

Print Friendly, PDF & Email
محمود محمد بري

كاتب لبناني

Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  17 نيسان.. يوم الوفاء لستة آلاف إنتظار