في كافة قضاياهم، الكبيرة والصغيرة، بدءاً من رئاسة الجمهورية، ورئاسة الوزراء.. مروراً بالانتخابات النيابية والبلدية والإختيارية.. وصولاً للمشاكل التربوية والاقتصادية والإجتماعية والصحية.. مثلاً لا حصراً، النازحون السوريون، والمشاكل المترتبة على وجودهم، ومسألة عودتهم إلى بلادهم.. وقبلهم بكثير التواجد الفلسطيني، ومشاكل المخيمات، والموقف من منظمة التحرير وخياراتها.. لا حلول وطنية، ولا مواقف وقرارات رسمية حاسمة متوافق عليها.. الخلاف أو الاختلاف هو سيد الموقف دائماً.. حتى في صداقاتنا وعداواتنا، نحن في قمة الاختلاف.. وانتماءاتنا مضطربة ومتعددة، منا من يرى نفسه عربياً، وآخر فينيقياً، والبعض أوروبياً..
الاسرائيلي عدو واضح المعالم، طامع في الأرض والمياه، وحديثاً في النفط.. معتدي ومجرم، اجتاح مراراً، وقتل ودمّر واحتل عاصمتنا وجنوبنا.. فهل اتفقنا على طريقة مقاومته؟ أم هل اتفقنا على أنه عدو أصلاً؟
مرت علينا الذكرى (٢٣) ليوم ٢٥ أيار/مايو المجيد، يوم التحرير من دنس الصهاينة وعملائهم.. يوم فرح عظيم، عشناه بعد سنوات من المقاومة والتحدي والرفض.. سنوات قهر، بُذلت فيها دماء طاهرة لرجال تركوا دفء المنزل، وحضن العائلة، ودعة العيش، ليشاركوا السباع مأواها ونمط حياتها.. رجال زرعوا أجسادهم قطعة بعد قطعة، وجاء آخرون ليرووها بدمائهم قطرة قطرة.. لم يبخلوا، لم يكلوا أو يملوا.. حتى أتانا يوم الحصاد الأكبر، يوم التحرير الأغر، يوم استعاد الوطن ما بُتر منه، فعاد جسداً جميلاً مكتمل الأعضاء.. فهل كان هذا اليوم هو الأحلى والأغلى على قلوب (كل اللبنانيين)؟
من جلس في منزله أمام شاشة تلفازه، يريد استعادة اللحظة، رأى الحقيقة.. هذا يحتفل ويبارك، وهذا يتجاهل الحدث كأنه ما كان، وذاك يسخّف ويستخف، وهناك من نسب الفضل لغير أهله.. إعلام منقسم يغذي الاختلاف، ثم يتغذى عليه.. يلتقط كل شاردة وواردة، يعرضها، يُضخمها، يبث فيها بذور الاختلاف وسمّ الخلاف..
(ساعة رمضان) خير دليل وشاهد.. (ستون دقيقة)، عُلقت عليها كل أزمات البلد، الداخلية منها والخارجية، وأنذرت بحرب وانفصال وفيدرالية..
ومع حلول الصيف جاءتنا من شواطئ صيدا أزمة “البكيني”، ومن بحر البترون وجبيل أزمة “البوركيني”.. هذا مرفوض هنا، وهذا غير مقبول هناك.. واشتعل الفتيل من جديد ليُنذر بانفجار.
هذا حالنا منذ كنا وكانوا.. مع الساسة والزعماء، والأحزاب، وكل أصحاب الشأن والنفوذ، والإعلام ووسائل التواصل من خلفهم جميعاً.. فماذا عن البقية الباقية من الشعوب اللبنانية، المتعددة الطوائف والانتماءات؟ إنهم إما تابعون أو متأثرون أو حياديون.. قد يتفقون في المعاناة والشكوى، لكنهم حتماً يختلفون في الأسباب والحلول..
يقول ميخائيل نعيمة: “ما اختصم اثنان، إلا لأن صدر أحدهم قد ضاق بالآخر..”، وعلى ما يبدو فإن صدور اللبنانيين قد ضاقت إلى حد الانفجار لأتفه سبب..