“ما يبدو سلسلة استفزازات من حزب الله في الفترة الأخيرة ليس ناجماً فقط عن خسارة الردع بسبب الأزمة السياسية في إسرائيل. ينحو حزب الله وزعيمه (السيد حسن) نصرالله نحو تفسير السلوك الإسرائيلي في الفترة الأخيرة بأنه ضعف، ولذلك يسمحون لأنفسهم بالقيام باستفزازات ازدادت تصاعداً مؤخراً، ويبدو أن هدفها زيادة عدم ثقة الجمهور الإسرائيلي بالحكومة الحالية. وطبعاً، كل هذا بتشجيع الإيرانيين وبالتنسيق معهم.
لكن نصب “موقع” لحزب الله على مسافة عشرات الأمتار داخل الأراضي الإسرائيلية قبل شهرَين – والاستفزازات التي بادر إليها حزب الله على طول الحدود اللبنانية – لها على ما يبدو أهداف عسكرية.
في تقدير الإسرائيليين، هناك عدة اعتبارات داخلية لبنانية – انسداد الأفق السياسي والأزمة الاقتصادية المستمرة في لبنان – تجعل نصرالله مهتماً بنشوب قتال يدوم لعدة أيام مع الجيش الإسرائيلي، ويريد بواسطة ذلك تحسين مكانته في الساحة اللبنانية. ولاعتبارات متعددة، ليست لدى إسرائيل مصلحة في أن يحقق نصرالله مراده في بداية الصيف الحالي. يقول مصدر رفيع المستوى لـ”يديعوت أحرونوت”: “ساعته قد حانت وليس في المستقبل البعيد”.
بالإضافة إلى ذلك، فإن هدف نصرالله هو تخريب وتعطيل مشروع “حجر متشابك” الذي تبنيه إسرائيل على طول الحدود مع لبنان لمنع أو إبطاء تسلل القوات الخاصة لحزب الله إلى الأراضي الإسرائيلية في أثناء مواجهة كبيرة مستقبلية.
والمقصود هنا نوايا تحدّث عنها حزب الله ونصرالله علناً عدة مرات – تسلل وحدات قوة الرضوان إلى داخل الأراضي الإسرائيلية بهدف السيطرة على مستوطنات قريبة من السياج الحدودي مع لبنان وعلى مواقع عسكرية وتقاطعات طُرُق أساسية في الشمال. والهدف من احتلال حزب الله المستوطنات هو خطف شباب ومدنيين وجنود والاحتفاظ بهم من أجل تحقيق فوز على صعيد الوعي. أمّا الهدف من السيطرة على مفارق الطرق والمواقع العسكرية التي ستحاول قوة الرضوان، المؤلفة من 8000 شخص، الاستيلاء عليها، فهو منع وصول التعزيزات إلى هذه المستوطنات، وإيقاع خسائر بين صفوف جنود الجيش الإسرائيلي.
لقد سبق أن قال حزب الله هذا الأمر علناً، ونشر خريطة تُظهر كيف ينوي التسلل عبر 6 محاور هجومية إلى داخل إسرائيل – بين المطلة ورأس الناقورة. مؤخراً، استولت قوة الرضوان على مواقع بالقرب من الحدود تحت غطاء “حراس الغابات”، ومن دون أن تخفي أن جزءاً من هذا الحرس مسلح. كما أجرت قوة الرضوان قبل شهرَين تدريباً كبيراً حاكى هذه الخطة الهجومية.
بحسب معادلة الردع التي صاغها نصر الله، فإن كل قتيل لبناني، سيُرد عليه بأيام قتال، سيجعل خلالها حزب الله إسرائيل تدفع الثمن عن طريق إطلاق صواريخ وقذائف على المستوطنات في الشمال، وصواريخ مضادة للدروع على قوات الجيش الإسرائيلي على الحدود مع لبنان
ما لا يقوله نصرالله ولا ينشره حزب الله هو أن المشروع الهندسي “حجر متشابك” الذي يقيمه الجيش يقلقهما كثيراً. هذا المشروع، الذي يتضمن سياجاً عالياً من الفولاذ وسوراً في أجزاء معينة ووسائل إنذار ومراقبة متطورة، يمكن أن يحبط تماماً هجوم حزب الله، ولأنه يشمل عوائق عالية جداً، سيحتاج حزب الله إلى ساعات طويلة لتجاوزها إذا أراد الاقتراب من المستوطنات ومن المواقع. وسيستغل الجيش الإسرائيلي هذا الوقت للاستعداد لإحباط الهجوم أو لشن هجوم مضاد.
يوشك بناء هذا العائق الهندسي على الانتهاء، ومن الواضح أن هذا يقلق كثيراً الحزب اللبناني الذي تلقت خطته للهجوم على الأراضي الإسرائيلية ضربة قوية في عملية “درع شمالي”، التي جرى خلالها الكشف عن الأنفاق التي حفرها الحزب والتي كان ينوي التسلل عبرها إلى الأراضي الإسرائيلية. مشروع “حجر متشابك” سيحبط إلى حد كبير – بعد الانتهاء منه – الهجوم فوق الأرض الذي ستشنه قوة الرضوان، عن طريق استغلال المنطقة المعقدة والأودية العميقة الموجودة على طول الحدود الشمالية، للوصول سراً وتحت غطاء من القصف المدفعي الكثيف إلى أهدافها داخل إسرائيل.
لهذا السبب، يحاول حزب الله إحباط استكمال بناء هذا العائق وتعطيله بواسطة استفزازات أساسها تخريب السياج الفولاذي والابتزاز السياسي. ويتضح أن إقامة الخيمة داخل أراضي إسرائيل هي محاولة لابتزاز إسرائيل لتغيير مسار الجدار في منطقة الغجر الموجودة على الخط الأزرق تماماً، قسم منها في الجزء الإسرائيلي والقسم الآخر داخل الأراضي التي كانت تابعة سابقاً لسوريا. يدّعي حزب الله أن نصف القرية موجود في الأراضي اللبنانية، وهو يحاول منع إقامة السياج على أطراف القرية الشمالية داخل الأراضي اللبنانية بحجة أن هذه الأعمال تجري في أراضٍ لبنانية.
ما هي النوايا الحقيقة لحزب الله في الغجر؟ نحن نعرفها، حاولت قوات من حزب الله، مرتَين على الأقل، التسلل إلى داخل إسرائيل عبر الغجر. هذه المحاولات التي حدثت قبل سنوات أُحبطت، لكن بقيت الغجر والمستوطنات الإسرائيلية المحاذية للسياج الحدودي نقطة ضعف ينوي حزب الله إدخال قوة الرضوان عبرها.
العائق الذي تبنيه إسرائيل سيعرقل المسعى الهجومي لحزب الله لمدة ساعات كثيرة، وسيمنح الجيش وقتاً ثميناً لمواجهة التسلل ولجمه. ومؤخراً، كشف حزب الله نواياه عندما اشترط عبر الوسيط الأميركي عاموس هوكشتين “خطة تسوية” تقوم إسرائيل فيها بتحويل مسار السياج الحدودي في منطقة الغجر في مقابل إزالة حزب الله “موقع الخيمة”. هذا الشرط هو فعلياً ابتزاز، إذ يدرك نصرالله أن إسرائيل تتخوف من الدخول في مواجهة معه منذ بضع سنوات، بالإضافة إلى أن الجيش الإسرائيلي لم يهاجم عناصر الحزب الذين حاولوا التسلل إلى موقع غلوديولا في مزارع شبعا.
من أجل إحباط استفزازات حزب الله، جرى الكشف مؤخراً عن وضع الجيش الإسرائيلي، للمرة الأولى، وسائل غير فتاكه على السياج، كقنابل صوتيه، بحيث يتأذى كل من يريد تخريب السياج، كما يفعل عناصر حزب الله، لكن لن يُقتل. هذا تحديداً ما جرى في الأمس عند ساعات الظهر؛ عندما اقتربت عناصر من حزب الله في منطقة زرعين تحت غطاء تظاهرات مدنيين أبرياء يحتجون ضد أعمال بناء العائق التي تجري كلها داخل الأراضي الإسرائيلية.
يواصل حزب الله استخدام تظاهرات المدنيين وأعمال الشغب حتى اليوم، والآن، يوجه جهده الأساسي نحو إبطاء أعمال بناء السياج وتعطيلها، وذلك من أجل السماح لقوة الرضوان بالهجوم على الأراضي الإسرائيلية. لم يستخدم الجيش الإسرائيلي حتى الآن القوة ضد هذه الاستفزازات، في الأساس بسبب الردع المتبادل بين إسرائيل ولبنان في السنوات الأخيرة. وبحسب معادلة الردع التي صاغها نصر الله، فإن كل قتيل لبناني، سيُرد عليه بأيام قتال، سيجعل خلالها حزب الله إسرائيل تدفع الثمن عن طريق إطلاق صواريخ وقذائف على المستوطنات في الشمال، وصواريخ مضادة للدروع على قوات الجيش الإسرائيلي على الحدود مع لبنان.
لقد قبلت دولة إسرائيل وجيشها بصمت قوانين لعبة نصرالله، والاستفزازات الأخيرة هي جزء من هذه الظاهرة. لكن هذه المرة، يوجد هدف عسكري، والجيش الإسرائيلي لن يسمح لحزب الله بالاستفادة من ضبط النفس الإسرائيلي لوقت طويل”. (المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية).