إسرائيل و”الخيمتان”.. إحتواء بلا حرب مع لبنان!
GHAJAR, LEBANON - JANUARY 29: Silence overtakes Ghajar region of Lebanon after the Hezbollah's attack on Israeli security forces during their patrol in Shebaa Farms region, on January 29, 2015. (Photo by Bilal Jawich/Anadolu Agency/Getty Images)

Avatar18019/07/2023
نشر "معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي" مقالة لكل من أورنا مزراحي ويورام شفايتسر، ترجمتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية من العبرية إلى العربية، تتناول الأحداث الأخيرة على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية ولا سيما "حادثة الخيمتين" وتقترح خطوات يجب أن يبادر إليها الجيش الإسرائيلي لكي يثبت لحزب الله خطأ تقديراته بشأن ضعف قوة إسرائيل العسكرية.

“خلال الأشهر الماضية، وفي الوقت الذي يبذل الجيش جهوداً للانتهاء من بناء الحاجز على طول الحدود مع لبنان، نشهد ارتفاعاً جدياً في حجم الاستفزازات التي يقوم بها حزب الله على طول الحدود، وأبعد من الحدود أيضاً. هذه التطورات تزيد في التوتر بين الجيش والحزب، وكذلك التخوف من الانجرار إلى مواجهة عسكرية. والمقصود تعزيز وجود نشطاء حزب الله على طول الحدود، حيث يشغل بعضهم أيضاً أبراج مراقبة تكاثرت تحت ذريعة منظمة “أخضر بلا حدود”؛ ومحاولات بارزة يقوم بها نشطاء حزب الله والداعمون لهم لعبور الخط الأزرق (الذي حددته الأمم المتحدة على أنه خط الانسحاب الإسرائيلي من لبنان في سنة 2000)؛ ومحاولات لإلحاق الضرر بالعائق الإسرائيلي، و/أو إزعاج أعمال الجيش لاستكماله.

في 6 تموز/يوليو، تم إطلاق صاروخ مضاد للدروع في اتجاه قرية الغجر، وإن لم يكن على يد نشطاء حزب الله، فأغلب الظن أنه جرى بمصادقتهم. هذا بالإضافة إلى أنه تم الكشف في الإعلام الإسرائيلي في منتصف حزيران/يونيو عن إقامة خيمتين منذ نيسان/أبريل – أيار/مايو، في منطقة مقابلة لـ”مزارع شبعا” وداخل الأراضي الإسرائيلية، ويتواجد فيهما مسلحون من التنظيم. وفي إسرائيل، تم التعامل مع نصب الخيام كخرق صارخ للخط الأزرق، لكن القرار في المرحلة الأولى كان الامتناع من إزالتهما بالقوة، واستنفاد القنوات الدبلوماسية والتوجه إلى الأمم المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا، بهدف إقناع اللبنانيين بالعمل على إزالتهما. صحيح أن هذه الجهود أدت إلى إزالة واحدة من الخيمتين، لكن حزب الله – الذي يبدو أن قيادته لم تبادر إلى إقامة الخيمتين – تعامل مع الموضوع كفرصة، ويرفض إزالة الخيمة الثانية. حتى أن (السيد حسن) نصرالله ذهب أبعد من ذلك في 12 تموز/يوليو خلال خطاب ألقاه بمناسبة الذكرى الـ17 لبدء حرب لبنان الثانية، وهدد بصورة واضحة بأن أي خطوة إسرائيلية لإزالة الخيمة ستدفع إلى رد من طرف الحزب، وربط ما بين تفكيك الخيمة والطلب اللبناني بانسحاب إسرائيل من الجزء الشمالي في قرية الغجر، الذي يقع وراء الخط الأزرق، في محاولة لفرض معادلة جديدة.

ما قامت به إسرائيل صائب، إذ توجهت أولاً إلى القنوات الدبلوماسية لكشف أفعال حزب الله والحصول على شرعية دولية، وعليها المحافظة على التدخل الدولي من أجل تهدئة حزب الله، ومنع مواجهة عسكرية يمكنها أن تؤدي إلى ضرر هدام للبنان وضرر أيضاً لإسرائيل

الاحتكاكات التي يبادر إليها حزب الله على طول الحدود، وتصعيد التهديدات من طرفه ضد إسرائيل يعكس إحباطه إزاء الاستمرار في بناء العائق الإسرائيلي على طول الحدود، إلى جانب زيادة ثقة الحزب الواضحة بنفسه منذ تهديدات نصرالله لمنصة الغاز “كاريش”، وأيضاً بسبب حادثتين استثنائيتين: العملية في مفرق “مجدو” عبر “مخرب” اخترق الحدود الشمالية يوم 13 آذار/مارس، وإطلاق القذائف الصاروخية من لبنان، والذي نُسب إلى جهات فلسطينية، خلال عيد الفصح (6 نيسان/أبريل).

ويبدو أن نصرالله مستعد للمخاطرة في أعقاب رؤيته أن الأزمة الداخلية الإسرائيلية الحادة في إسرائيل منذ إقامة الحكومة الحالية تؤدي إلى الضعف والتراجع العسكري، وفي اعتقاده، لا توجد نية لدى حكومة إسرائيل، ولا رغبة، أو قدرة في هذا الوقت لخوض عملية عسكرية استثنائية ضد الحزب، وبصورة خاصة معركة ضده. هذا بالإضافة إلى أن التوتر الآخذ بالتصاعد بين إسرائيل والولايات المتحدة يعزز هذه الرؤية والاستنتاج أن إسرائيل ستقوم باحتواء استفزازاته الآن أكثر مما كان عليه الأمر سابقاً، للامتناع من الانجرار إلى حرب.

ولكن، حزب الله أيضاً غير معنيّ بالوصول إلى معركة عسكرية واسعة، حتى لو كان من الممكن أن تخدمه بضعة أيام قتال في جهوده لتعزيز صورته كدرع لبنان، وتعزز مكانته الداخلية الآخذة بالتراجع. وهذا من دون أن يخاطر بردّ إسرائيلي يؤدي إلى حرب. لذلك، فإن الأحداث الأخيرة، بالنسبة إليه، تشكل فرصة لتحسين صورته وموقفه الصلب في مقابل إسرائيل، وإزاء الجمهور اللبناني أيضاً. مقابل إسرائيل، هناك هدف مزدوج لحزب الله: على الصعيد الاستراتيجي، هو معنيّ بتغيير ميزان الردع في مقابل الجيش لمصلحته، كما أوضح نصرالله نفسه خلال خطابه الأخير (12 تموز/يوليو)، الذي كان جزءاً من المعركة المنهجية على الوعي التي يديرها إزاء إسرائيل، وفيه تفاخر بأن قوة الردع لدى حزب الله تتعزز منذ حرب لبنان الثانية، في الوقت الذي تتراجع قدرة الردع لدى إسرائيل. أمّا ميدانياً، فإن حزب الله يعمل على توسيع سيطرته على الحدود، ليخلق لنفسه نقاطاً استهلالية أفضل إذا قرّر تنفيذ خطته بالدخول إلى الأراضي الإسرائيلية، عبر قوة “الرضوان” – قوة الكوماندوس الخاصة بالحزب. هذا السيناريو عُرض أمام جمهور واسع من الصحافيين خلال التدريب العلني لنشطاء حزب الله، والذي أُجريَ في أيار/مايو الأخير.

وفي المقابل، فإن نصرالله يريد استغلال ما يبدو أنه ضعف إسرائيلي، في نظره، لتقوية مكانته بأنه “درع لبنان” أمام معارضيه الداخليين: المعارضة في النظام السياسي، والجمهور اللبناني عموماً. يتعرض الحزب لانتقادات مستمرة وآخذة بالتوسع في لبنان بسبب مسؤوليته عن الأزمة الاقتصادية الصعبة في الدولة، وأيضاً بسبب مسؤوليته عن الجمود السياسي، وتمسُّكه بمرشحه لرئاسة الجمهورية – سليمان فرنجية الابن – على الرغم من عدم حصوله على الدعم المطلوب من البرلمان. في نظر الكثيرين من اللبنانيين، أن تصميم نصرالله هو الذي يمنع اختيار رئيس جديد يدفع قدماً بخطوات لتحسين الوضع في الدولة. تحدٍّ إضافي يواجهه الحزب، هو مطالبة معارضيه الآخذة بالتوسع أيضاً داخلياً بالتنازل عن مكانته كميليشيات مستقلة والتنازل عن سلاحه. في خطاب ألقاه في 12 حزيران/يونيو، تطرّق نصرالله إلى ذلك، وادّعى أن سلاح المقاومة موجود فقط للدفاع عن لبنان، والهجوم على هذا السلاح يخدم العدو.

إقرأ على موقع 180  ميقاتي عندما يُرضي "المحور" ولا يُغضب.. أمريكا!

خلال الحوارات مع الجهات الدولية التي حاولت حل قضية الخيمة في “مزارع شبعا”، طرح الجانب اللبناني قضية وجود اختراقات إسرائيلية إلى المناطق اللبنانية، تستوجب التصحيح، مع التشديد على الخرق المركزي – وبلُغتهم “احتلال” قرية الغجر التي يقسمها الخط الأزرق. وفي هذا السياق، طرحت الجهات اللبنانية الحاجة إلى الوصول إلى اتفاق على ترسيم الحدود البرية كلها بين إسرائيل ولبنان، وحتى أنهم كشفوا عن ذلك علناً. رئيس الحكومة نجيب ميقاتي قال إن لبنان أعلمَ الأمم المتحدة بنيته الدفع قدماً بترسيم كامل للحدود البرية (نداء الوطن، والقدس العربي، 11 حزيران/يونيو). أما وزير الخارجية اللبناني (عبدالله بو حبيب) فأوضح أن اقتراح ترسيم الحدود جديّ، وأن الحديث لا يدور حول تطبيع مع إسرائيل (النشرة، 11 حزيران/يونيو). هذا بالإضافة إلى مصادر إعلامية أشارت إلى وصول المبعوث الأميركي الخاص عاموس هوكشتاين إلى المنطقة، وهو الذي أدار المفاوضات التي أدت إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية.

احتمالات استكمال المفاوضات السياسية بين إسرائيل ولبنان ضعيفة بسبب الخلافات العميقة بين الطرفين بشأن 13 نقطة على طول الحدود، وفي استطاعة حزب الله تخريب هذه المفاوضات في كل مرحلة يريدها

بالنسبة إلى حزب الله، إن إمكانية المفاوضات بشأن ترسيم الحدود البرية برمتها تخلق معضلة. فالدخول في مفاوضات سياسية مع إسرائيل يتعارض جوهرياً مع رؤيته، ومع توجُّه الراعية له، إيران، بشأن شرعية وجود إسرائيل عموماً، والمفاوضات معها خصوصاً. لذلك، حتى الآن، نصرالله، الذي لا يريد أن يبدو أنه الجهة الرافضة، ولا يرغب في الكشف عن الفجوة بين مواقفه ومواقف متّخذي القرار الآخرين في لبنان الذين يفضلون المفاوضات على المواجهة العسكرية، لا يزال يسمح بالدفع بالمفاوضات في الوقت الذي يحافظ على لعب دور “الحارس” كما جرى خلال حادثة منصة استخراج الغاز. لكن نصرالله لا يزال يربط بين إزالة الخيمة التي لا تزال منصوبة في “مزارع شبعا” وبين الطلب اللبناني من إسرائيل الانسحاب من قرية الغجر، حيث هناك اختراق إسرائيلي نابع من الأخذ بعين الاعتبار سكان القرية.

وفي خطابه يوم 12 حزيران/يونيو، أراد نصرالله أن يوضح أن الحديث لا يدور حول محادثات لترسيم الحدود، فبحسبه، الحدود مرسومة قبل إقامة دولة إسرائيل، إلا إن الخطوة جاءت بهدف إعادة أراضٍ محتلة من لبنان. وفي جميع الأحوال، فإن احتمالات استكمال المفاوضات السياسية بين إسرائيل ولبنان ضعيفة بسبب الخلافات العميقة بين الطرفين بشأن 13 نقطة على طول الحدود، وفي استطاعة حزب الله تخريب هذه المفاوضات في كل مرحلة يريدها.

هذه الظروف تخلق معضلة معروفة من الماضي لإسرائيل أيضاً: في البداية، كيف يمكن وقف التراجع في صورة ردعها في نظر حزب الله، وكيف توضح لنصرالله ثمن استمرار “الاستفزازات” والأعمال العسكرية التي يخطط لها ضدها على طول الحدود اللبنانية، وفي سوريا، وتعيد الاستقرار إلى الوضع الأمني، من دون الانجرار إلى حرب.

على إسرائيل أن تتبنى سياسة تدمج بين الخطوة السياسية والعمل العسكري. ما قامت به إسرائيل صائب، إذ توجهت أولاً إلى القنوات الدبلوماسية لكشف أفعال حزب الله والحصول على شرعية دولية، وعليها المحافظة على التدخل الدولي من أجل تهدئة حزب الله، ومنع مواجهة عسكرية يمكنها أن تؤدي إلى ضرر هدام للبنان وضرر أيضاً لإسرائيل. لذلك، على إسرائيل إعلان موافقتها على المشاركة في المفاوضات لترسيم الحدود الثابتة المتفق عليها. وفي المقابل، على إسرائيل الاستمرار في بناء العائق على طول الحدود، وعدم الاكتفاء بخطوات تحذيرية اتخذتها حتى الآن، وعليها الإشارة إلى أنها بلغت حدود صبرها، وتفعيل أدوات غير قاتلة بهدف إبعاد نشطاء حزب الله الذين اقتربوا من الجدار، أو حاولوا عبوره في 12 و15 حزيران/يونيو. على الجيش أن يجهز سلسلة من الردود العسكرية المحدودة (ومن ضمنها عمليات غير علنية) ليوضح لحزب الله أن إسرائيل جاهزة لزيادة حدة ردها، وأن نصرالله على خطأ بشأن تقدير الضعف في قوتها العسكرية، وأنها قادرة على تدفيعه ثمناً كبيراً. وهذا، في الوقت الذي لا تخلو هذه العملية من مخاطر زيادة التصعيد، وعلى الجيش أن يكون جاهزاً لذلك” (المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية).

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  الإخوة في "حماس".. وجب النقد ولو في عز المعركة