الهند أو بلاد “البهارات”.. هل تُغيّر إسمها؟
Indian Prime Minister Narendra Modi greets the crowd after addressing the nation during Independence Day celebrations at the historic Red Fort in Delhi, India, August 15, 2022. REUTERS/Adnan Abidi

في التاسع من هذا الشهر، وخلال انعقاد "قمة العشرين" في العاصمة الهندية نيودلهي، تلقى القادة المشاركون في القمة دعوة للعشاء من رئيسة الهند دروبادي مورمو، باعتبارها "رئيسة بهارات" وليست رئيسة الهند، مما أثار جدلاً هندياً ما انفكت تداعياته السجالية قائمة، فالمحتجون على ذلك رأوا في الأمر عودة إلى ماضٍ تليد يحمل في تربته أوبئة النزاعات والصراعات.

في واقع الحال، إن الإسم الوطني للهند هو “بهارات” وليس الهند كما هو شائع وسائد، وتنص المادة الأولى من الدستور الهندي على أن “الهند هي بهارات ويجب أن تكون اتحاد ولايات”.

وليس في الأمر غرابة حين يقال إن حزباً هندياً، حتى لو كان موسوماً بالتعصب والتزمت كما هي حال حزب “بهاراتيا جاناتا” الذي يتزعمه ناريندرا مودي رئيس وزراء الهند الحالي، يبتغي التخلي عن اسم الهند واستعادة الإسم الوطني “بهارات” فالأخير ليس مُسقطاً من مزاج سياسي أو هوى، فالهنود يعرفون جيداً إنهم ليسوا “هنوداً” بل “بهاراتيون”، وما الهند إلا إسم أطلقه الخارج عليهم من فارس القديمة إلى اليونان العتيقة، كما سيأتي شرح ذلك بعد حين.

قبل ذلك.. ماذا في تاريخ الهند؟

في كتاب “الهند وجيرانها” يقول صاحب موسوعة “قصة الحضارة” العلامة وول ديورانت “كان المؤرخون يفترضون أن التاريخ قد بدأ سيره في اليونان وأن الهند كانت مباءة وحشية حتى هاجر إليها الآريون أبناء أعمام الأوروبيين من شطآن بحر آزوف ليحملوا معهم الفنون والعلوم إلى شبه جزيرة وحشية يكتنفها ظلام الليل، لكن الأبحاث الحديثة أفسدت هذه الصورة، ففي الهند كما في سائر أقطار الأرض، بدايات المدنية دفينة تحت الثرى”.

وأولئك الآريون كما يؤرخ همايون كبير في “تراث الهند” راحوا يتدفقون على “الهند ابتداءً من العام 2000 قبل الميلاد، وعملية العبور استغرقت عشرات السنين إن لم تكن قروناً طوال، ولعل الآريين إذا ما قيسوا بمعايير الحضارة كانوا دون سكان منطقة موهنجو دارو ـ أرض المدنية الهندية الأصلية ـ غير أن ما عُرف عن الآريين من شدة البأس والمران في الشؤون الحربية، أتاح لهم النصر والغلبة على خصومهم”، وحين غزا الآريون الهند بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر قبل الميلاد “حاربوا السكان الأصليين وحاولوا التخلص من جميع آثارهم الدينية والعقائدية إلا انهم تشربوا من حضارة وادي الهند واقتبسوا معظم مزاياها الدينية”، كما كتب محمد الندوي الهندي الجنسية في “الهند القديمة”.

إن مصطلح “بهارات” كإسم مرادف للهند موجود في الدستور الهندي الموضوع عام 1949 ولم يعترض المحتجون على ذلك منذ تاريخ وضعه ومع كل مراحل تعديله لغاية عام 2012

ما هي تلك المدنية؟ هي مدنية “مهابهاراتا” المؤلفة من كلمتين “مها”/ عظيم أو عظمى، و”بهاراتا” وتعني المسكن/ الموطن/أو الأرض.

جذور إسم الهند: بحسب وول ديورانت يجب “ملاحظة أن حرف السين في السنسكرينية القديمة ينقلب حرف هاء في الفارسية ومن هنا اصبحت سندو ـ السند ـ هندو في الفارسية”.

ولا يبتعد المؤرخ المصري عبد الله حسين في كتابه “المسألة الهندية” الصادر عام 1948 عن وجهة النظر تلك “فإسم الهند مشتق من إسم نهر هندوس، وقد كان في الأصل يُطلق على بلاد السند وجزء من البنجاب وسندهو باللغة السنسكريتية، أما هندو بالفارسية فهو إسم لنهر، أما هندوستان فمعناها بلاد النهر”.

وعلى ذلك قد يكون من المحتمل أن إسم الهند قد عرفه العالم عن طريق الفُرس ولكن عبر الإغريق اليونانيين، فالأخيرون كانوا أبكروا بالإتصال مع الفرس عبر حروب متواصلة، وفي تاريخ هيرودوتس يرد إسم الهند والهنود مرات عدة ومن خلاله انتشر اسم الهند عالمياً مع المؤرخين شرقاً وغرباً ليسود مع حقبة الإمبراطورية الإنكليزية التي لم تكن تغيب الشمس عنها.

وعربياً، ليس من المنطق إغفال أن العرب استخدموا باكراً إسم الهند، وعلى الأرجح عن طريق اتصالهم بالثقافة الفارسية، وهذا الإبكار العربي نجده في واحد من ألمع المراجع التاريخية التي تناولت الهند، وهو كتاب “تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة” للإمام أبو الريحاني البيروني المتوفي حوالي عام 1050 للميلاد.

ـ مهابهاراتا: ومنها يأتي إسم “بهارات” وهي ملحمة أدبية تاريخية شعرية دينية اجتماعية، تشكل المنظومة التراثية والأخلاقية والدينية للهندوس وبما فيها أعرافهم وتقاليدهم الحالية وكذلك أسماء “آلهتهم” وأسماء أعلامهم من ذكور وإناث حتى يومنا هذا، ويسبق زمنها وتاريخها “الإلياذة” اليونانية وتفوق أعداد أبياتها الشعرية تلك الموجودة في “الإلياذة” وحولها كتب المؤرخ وعالم الإجتماع الفرنسي غوستاف لوبون في “حضارة الهند” ما يتوجب التمعن به:

“قصائد مهابهاراتا العظيمة من أضخم آثار العالم الأدبية، فضلاً عن آثار الهند القديمة، وهي تشتمل على 215 ألف بيت شعر، والإلياذة لا تحتوي على أكثر من 15 ألف بيت، ولا تحتوي الأوديسة على أكثر من 12 ألف بيت، وتتألف مهابهاراتا من خمسة عشر مجلداً عادياً يبلغ مجموع صفحاتها 75 ألف صفحة، وللمهابهاراتا عظيم أهمية لدى الهندوس، ومما نُصّ عليه أن قراءة ما تيسر منها يمحو الذنوب”.

وفي مقالة كتبها (1ـ 10 ـ1967) محمد اسماعيل الندوي في مجلة “تراث الإنسانية” المصرية أن ملحمة “المهابهاراتا” تعود أصولها الأولى إلى القرن الرابع عشر قبل الميلاد وجرت وقائعها بالقرب من مدينة دلهي عاصمة الهند الحالية وفي استعراضه لهذه الملحمة:

“لم تكن المهابهاراتا من تأليف شاعر أو شاعرين، بل شارك في إعدادها الشعراء على مر العصور والأزمنة، تحكي الأساطير إن الإله حانيسا هو الذي ألّف هذه الملحمة التي أملاها عليه الإله فياسا هذا الإله الذي يحب العلوم والمعارف، وقد ساهم الشعراء والمفكرون منذ أجيال ساحقة في إضافة آرائهم واتجاهاتهم إلى المهابهاراتا، وهذه الملحمة سُجلت فيها القوانين واللوائح التي سنتها الأمة الهندوكية على مدى العصور، كما دُوّنت فيها الأحداث التاريخية والوقائع والتقاليد لجميع الأمم والطوائف التي عاشت في الهند على مرّ الأجيال حتى ظهور هذه الملحمة، وبهذا تتجلى الحياة الهندوكية كلها وعلى حقيقتها بين دفتي هذه الملحمة”.

إقرأ على موقع 180  حقان فيدان.. "رجل تركيا الأخطر"

وللمفكر الهندي محمد مجيب ما يقوله أيضا عن “مهابهاراتا” في كتابه “تاريخ حضارة الهند” فهي “نصوص دينية مقدسة، لكن هدفها الأصلي لم يكن هداية المتدينين بل استنهاض العسكريين، ولم يكن لها مؤلف واحد ولم تُكتب جميها في زمن واحد، ومن الغالب أن هذه القصص لم تكن مترابطة الأجزاء، وكانت المجموعة مختصرة ثم أضيفت لها قصص كثيرة بعد 300 قبل الميلاد، وثم خرجت من أيدي الجنود ووصلت إلى أيدي البراهمة ـ طبقة الكهنة ـ فجعلوها وسيلة للتعليم الديني والأخلاقي”.

أكثر من ذلك، يُلفت عبد العزيز الزكي في دراسة (تشرين الأول/اكتوبر 1970) عن “نشأة الفكر الهندي” نشرتها فصلية “عالم الفكر” الكويتية إلى الجروح النفسية التي خلفها الغزاة الآريون في وعي السكان الأصليين (الدراوديون) ذوي البشرة السوداء، فملحمة “المهابهاراتا” تتضمن “إشارات عميقة لم تُمح من الوعي الهندي عن النفي والطرد من البلاد إلى الغابات والجبال، وكيف أن الذي يُنفى عادة هم الأبطال السُمر، وكيف أنهم يجاهدون في سبيل العودة، وكيف أنهم ينتصرون في النهاية بالحكمة، وهي إشارات تدل على ما للغزو الآري ومطاردته للسكان الأصليين من أثر غائر في الفكر الهندي”.

يخشى المحتجون كما قيل من استعادة الهند لإسم “بهاراتا” لما ينطوي ذلك على عودة نحو التقاليد الهندية ـ البهاراتية قبل دخول الإسلام إلى تلك البلاد، كما قد ينسحب الأمر على إسقاط تاريخ المغول من وقائع الهند وأيامها كما يقول الخُشاة، مما يعني انزياح إلى جانب من التاريخ وإمالة إلى فئة اجتماعية هندية من دون غيرها، لكن هذه الخشية على ما يجادل “البهاراتيون” ليست في مكانها لأسباب عدة منها:

ـ إن مصطلح “بهارات” كإسم مرادف للهند موجود في الدستور الهندي الموضوع عام 1949 ولم يعترض المحتجون على ذلك منذ تاريخ وضعه ومع كل مراحل تعديله لغاية عام 2012.

ـ من المعروف إن اسم “بهارات” يجري استخدامه في الوثائق الداخلية المكتوبة باللغة الهندية، كما يُستخدم إسم الهند بالوثائق الرسمية المكتوبة باللغة الإنكليزية، وهذا يعني أن إسم “بهارات” بات مألوفاً ومتداولاً ولا يحمل استخدامه جديداً أو انقلاباً في المفاهيم أو تغييراً في جوانب التاريخ وجنباته.

ـ الإحتجاج على إسم “بهارات” يفترض في المقابل الإحتجاج على إسم الهند، فهذا الإسم أيضا سابق لدخول الإسلام إلى أرض الهند، فالفُرس أول من استخدمه في قرون ما قبل الميلاد ولم يكونوا مسلمين، ثم جرى إسم الهند على لسان اليونان فانتشر وشاع في أنحاء المعمورة ولم يلقَ اعتراضاً في الداخل، فلماذا يُقبل بالهند ولماذا يُرفض “بهارات”؟.

ـ المناصرون لإستعادة إسم “بهارات” يقولون إن رئيسة الهند عندما استوصفت نفسها بـ”رئيسة بهارات” لم تكن تعبث أو تلهو، فهي أرادت توجيه رسالة ذات مضمون تاريخي وحضاري عميق إلى القادة الغربيين في “قمة العشرين” وهم من الآريين أو أبناء أعمامهم، بأن الرجال السُمر المضطهدين من قبل الآريين كما في ملحمة “مهابهاراتا” ينتصرون دائما بحكمتهم، وها هي الحكمة “البهاراتية” قد قامت و”بهارات” قد نهضت.

ـ في تاريخ المغول سلطان إسمه “أكبر” امتدت ولايته على معظم أراضي الهند، وكما يقول وول ديورانت “كلما ازداد حكمه استقراراً ورسوخاً في القلوب قلّ اعتماده على القوة، وأنفق كثيراً من وقته لمقاومة الفساد وضبط نفقات حاشيته وأهل أسرته، ومنع استرقاق الأسرى، وفتح المناصب لذوي الكفاءات مهما يكن من أمر عقيدتهم وجنسهم، ولما مات ترك في خزينة الدولة ما يعادل مليار ريال، وأمر أكبر أعوانه من الأدباء أن يترجموا إلى الفارسية الأدب والتاريخ والعلم في الهند، وراجع بنفسه ترجمة الملحمة الخالدة مهابهاراتا”.

من المعروف إن اسم “بهارات” يجري استخدامه في الوثائق الداخلية المكتوبة باللغة الهندية، كما يُستخدم إسم الهند بالوثائق الرسمية المكتوبة باللغة الإنكليزية

عن السلطان المغولي “أكبر” كتب أشرف أبو اليزيد (آذار/مارس 2015) تحقيقاً في مجلة “العربي” الكويتية جاء فيه: “هكذا كان السلطان أكبر مسلماً وهندياً في آن واحد، فهو مسلم يتبع القرآن الكريم وأحاديث الرسول، كما أنه هندي يعرف ترابط تلك الأعراق، ويستلزم منه أن يكون عادلاً في سياسته الدينية التسامحية ودليلاً يهدي إلى حرية التعبد والتسامح بين أصحاب الديانات وأتباعها من مواطنيه”.

أخيراً؛ من أشعار الهند القديمة:

يبقى الكائن الأعلى بعد فناء كل شيء 

كما كان قبل خلق كل شيء 

ولكن من يعرف هذه الأسرار؟

من يستطيع أن يكتشفها؟

وفي قصيدة أخرى:

أيها الخالق غير المخلوق 

صدر عنك كل متحرك وساكن 

قسًمت الزمان إلى ليل ونهار 

لا أول لك ولا آخر 

كنت قبل الخلق ولم يكن شيء من قبلك.

Print Friendly, PDF & Email
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  منظمة شنغهاي تتمدد.. نحو عالم متعدد الإقطاب!