الشهر الأول لـ”الطوفان”.. فشل إسرائيلي كبير
Palestinians wave their national flag and celebrate by a destroyed Israeli tank at the Gaza Strip fence east of Khan Younis southern Saturday, Oct. 7, 2023. The militant Hamas rulers of the Gaza Strip carried out an unprecedented, multi-front attack on Israel at daybreak Saturday, firing thousands of rockets as dozens of Hamas fighters infiltrated the heavily fortified border in several locations by air, land, and sea and catching the country off-guard on a major holiday. (AP Photo/Yousef Masoud)

يُسطّر الشعب الفلسطيني، يوماً بعد يوم، فصلاً خالداً في ملحمته الأسطورية المستمرة منذ 75 عاماً، ويُواجه بالصدر العاري آلة الحرب الصهيونية المدعومة من الرجعيات العربية والترسانة العسكرية الإمبريالية. في هذه المقالة، أقارب آفاق القضية الفلسطينية في المرحلة المقبلة وما يُمكن أن تتعرض له ـ ومعها حركة التحرر الوطني العربية ـ من مجزرة جديدة يُراد لها أن تكون الأخيرة.

في 7 أكتوبر/تشرين الأول، سقطت نظرية الأمن الإسرائيلي، أي الكيان الصهيوني الذي تأسس بذريعة توفير ملاذ آمن لليهود. طُعنت تلك النظرية في مقتل حين استطاعت المقاومة الفلسطينية اختراق السياج الحدودي الفاصل بين غزة وبقية الأرض المحتلة ومهاجمة مستوطنات “الغلاف” وقتل ما يزيد عن 1400 صهيوني والعودة بما يزيد عن 250 أسيراً وأسيرةً، في أكبر ضربة يتعرض لها الكيان الصهيوني في يوم واحد منذ 75 عاماً.

أنتجت عملية طوفان الأقصى موجات ارتدادية في العالم كله، واستشعر الكيان الدم ينزف ساخناً من جنبه، حيث لم تكتف المقاومة الفلسطينية بهجومٍ بري، بل شنّت مئات الهجمات الصاروخية بدءاً من الغلاف وانتهاءً بتل أبيب وحيفا لتضع أمن الكيان الصهيوني كله في حالة تهديد غير مسبوق ولتُهدّد بنيامين نتنياهو بإنهاء دوره السياسي بما يليق بسفاح دموي مرّغت المقاومة اسمه في التراب.

وُوجِهت إسرائيل بمشاكل عدة، أولها أنها عادت قاعدة ومحمية عسكرية أميركية، كما كانت تاريخياً، تحتاج إلى حماية وليست قادرة أن تكون حامية لأنظمة التطبيع، وهذا ما يُفسّر تهافت المسؤولين الأميركيين، السياسيين والعسكريين والأمنيين إليها، من جو بايدن إلى لويد أوستن وأنتوني بلينكن (ثلاث زيارات) وقيادة المنطقة الوسطى ومعظم أركان مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض.

ثاني المشاكل هو العدد الضخم من الرهائن بيد حماس وحلفائها في فصائل المقاومة، الأمر الذي يجعل الحكومة الصهيونية عرضة لضغوط يومية كبيرة من عوائل هؤلاء الرهائن، ويجعلها أيضاً في أي تفاوض في موقف ضعف لم تعتده الصهيونية عبر تاريخها، وقد حتَّم ذلك أن تسعى إسرائيل لتحرير الرهائن عبر القصف الجوي المركز والمنهجي بكنس القطاع من شماله إلى جنوبه لإجبار المقاومة على تسليم رهائنها، هذا القصف استهدف أيضا محاولة تهجير الشعب الفلسطيني من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، ثم الضغط على مصر لاستقبال النازحين في سيناء تزامناً مع حصار خانق على القطاع حرم الفلسطينيين من الماء والغذاء والأدوية والوقود في محاولة لكسر إرادة الفلسطينيين ليقبلوا التقسيم أو أن تنقلب الحاضنة الشعبية للمقاومة ضد المقاومة، وتمادياً في المخطط، قصف الصهاينة مسارات القوافل الفلسطينية النازحة من الشمال للجنوب، وتعمدوا قصف المنشآت الصحية لأجل خلق أرض محروقة غير صالحة لحياة المقاومة ولا حاضنتها الشعبية.

المقاومة لا بد أنها تعي جيداً الدرس التاريخي، حين سعت كل الأطراف الإقليمية لتقليم أظافر الثورة الفلسطينية وضمها لجعبة أوراق مساوماتها، مرة بالعنف المسلح ومرة بالتمويل الواسع. إن المقاومة هي من تحمل دمها ورايتها الآن، في مواجهة خطر العزل والالتفاف والإبادة

ومع إقتراب نهاية الشهر الأول من القتال، فشلت إسرائيل في تحقيق أي من أهدافها. الرهائن في قبضة المقاومة. منظومة المقاومة الصاروخية تدك مستوطنات الغلاف وصولاً إلى تل أبيب. عمليات تسلل المقاومين تستمر في زيكيم وكيسوفيم وعسقلان وأسدود وأريتز، وقد شاهدنا عبر الفيديوهات كيف أن جرأة المقاومين بلغت حد الخروج من الأنفاق وخوض اشتباكات من مسافة صفرية وزرع عبوة ناسفة في برج دبابة ميركافا وهي تتقدم في شمال القطاع. وفوق ذلك، تشهد جبهة الشمال اشتباكات يومية وتبادلاً للقصف الصاروخي بين المقاومة اللبنانية وجيش الاحتلال الصهيوني، وهذا الإشغال اليومي يُعمّق أزمة بنيامين نتنياهو.

الحكومة الصهيونية مطالبة باستعادة قوة الردع وثقة الجمهور، وليس لدى نتنياهو إلا خيار توجيه ضربة من خلال عملية عسكرية برية، مستفيداً من مظلة التفويض الأميركي برفض كل مشاريع وقف إطلاق النار حتى الآن، في انتظار أن يُحقّق نتنياهو خرقاً نوعياً لا يبدو أنه قادر على تحقيقه لا عبر عربدة سلاح الجو الصهيوني ليس في أجواء غزة بل في سموات ثلاث بلدان عربية وعربدة دباباته في بلد عربي رابع بقصف الجانب المصري من معبر رفح. نعم، نتنياهو غير قادر على تحقيق هذا الاختراق؛ لذلك، كان لا بد من تنفيذ عملية برية داخل القطاع في محاولة لفصل الشمال عن الجنوب من الوسط وبالتالي تضييق الخناق على مدينة غزة بسبب ما ترمز إليه على صعيد قيادة المقاومة.

في هذه الأثناء، وفيما تُرتكب مجزرة صهيونية تلو الأخرى، يستمر الصمت الرسمي العربي وتظلّ حركة الجماهير العربية خجولة، برغم التظاهرات التي شهدتها بضعة عواصم عربية. وفي الوقت نفسه، يستمر اشتباك المقاومة اللبنانية مع جيش الإحتلال، وتُقصف مطارات دمشق وحلب واللاذقية بشكل دوري، فيما تتعرض القواعد الأمريكية لهجمات في سوريا والعراق ونشهد انخراطاً يمنياً شمالياً من خلال اطلاق صواريخ بالستية بعيدة المدى نحو جنوب اسرائيل..

إن فشل إسرائيل في تحقيق أي مكسب استراتيجي، في الشهر الأول، سوى القتل والتدمير، يجعل نتنياهو أكثر اندفاعا للمضي في فخ الغزو البري، وهو فخ لسببين، أولهما خوض حرب الشوارع حيث تفقد السيادة الجوية كل معنى، وثانيهما هو أن الغزو البري يُهدّد بتوسيع نطاق المواجهة لتصبح حرباً إقليمية، سواء في تدحرج محسوب أو غير محسوب.

إقرأ على موقع 180  لو لم يوجد ترامب.. لأوجدناه

واذا كان هناك من يراهن على انقلاب الحاضنة الشعبية على المقاومة، يتبدى الشعب الفلسطيني كما عهدناه شعباً بطلاً يزداد تمسكه بالأرض، لا عبر التصريحات بل عبر الممارسة الفعلية على أرض تلقي عليها الصهيونية يومياً أطناناً من المتفجرات المحرمة دولياً وتحصد في مقابلها أرواح آلاف الشهداء.

إن خطر التصفية ماثل لكن ليس من الداخل، إنما من تأخر فتح الجبهات الأخرى، جبهة الشمال ليس بمعنى الإشغال بل الإنخراط الأوسع، وجبهة الضفة التي لم تنهض بعد إلى مستوى المعركة، المعركة التي يجب أن تستهدف ليس فقط العدو الصهيوني وإنما أيضاً سلطة أوسلو التي باتت بحكم الميتة، أما حل الدولتين فليس سوى الوهم الذي كان يُراد من خلاله تصفية القضية الفلسطينية وتكبيل الضفة، الجريمة الكاملة التي تتبدى بكامل ملامحها الآن. نعم، مات أوسلو ومعه السلطة الفلسطينية، والآن تبدو غزة نتفة من فلسطين، فقد استطاعت السلطة بجهاز أمنها وإعلامها الترويج للاجدوى الكفاح المسلح لا لشيء إلا لأنه يسحب البساط من تحت أقدامها.

ثم أن المقاومة لا بد أنها تعي جيداً الدرس التاريخي، حين سعت كل الأطراف الإقليمية لتقليم أظافر الثورة الفلسطينية وضمها لجعبة أوراق مساوماتها، مرة بالعنف المسلح ومرة بالتمويل الواسع. إن المقاومة هي من تحمل دمها ورايتها الآن، في مواجهة خطر العزل والالتفاف والإبادة..

لقد ترسّخ أكثر فأكثر في العقلية الصهيونية بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول أن بقاء غزة على قيد الحياة يعني استمرار التهديد الفلسطيني لمشروع تأسيس أمة يهودية ليست حتى الآن سوى وهماً في رحم التاريخ.

إن شطب غزة، لن يعني سوى الدمار الشامل للمنطقة، وبداية نهاية موجة المقاومة التي نشأت بعد خروج الثورة الفلسطينية من بيروت عام 1982.

إن شعوبنا تواجه مصير الهنود الحُمر، ولن تجدي تضرعاتنا للعالم، العالم الذي أنشأ الكيان الصهيوني ويشهد مجازره يومياً، هذا العالم الذي يصفعنا يومياً لن يلتفت إلى دموعنا، بل سيلتفت فقط إلى صوت الرصاص، ولعلعة الهاون، وهدير المُسيرات الصامت.

فلسطين تعني كل فلسطين وليس إمارة أو مقاطعة أو بضع عقارات.

Print Friendly, PDF & Email
راجي مهدي

كاتب مصري

Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  حكومة حزب الله.. بأكثر من ثلث أميركي معطل