“يديعوت”: أية إحتمالات تنتظر حماس في غزة؟

Avatar18002/11/2023
مُنيت إسرائيل في عمليتها العدوانية البرية على أرض غزة بخسارة كبيرة، ويقول الصحافي في "يديعوت أحرونوت" ناحوم برنياع إن حرب استنزاف في ضواحي غزة، هي آخر ما يرغب الإسرائيليون في تجربته.

“في ختام اليوم الرابع للعملية البرية في شمالي القطاع، تبدّد غبار المعركة بالتدريج. محاصرة، أو بالأحرى تقطيع أوصال غزة، هما المصطلحان اللذان يلخصان هذه المرحلة من القتال. غزة وضواحيها محاصرة فعلاً، وأُقيم حولها قطاع أمني من المفروض أن يمنع دخول الأفراد والإمدادات من الخارج، ويسمح بالخروج فقط عبر ممرات يحددها الجيش الإسرائيلي. هذا هو “غلاف غزة” الجديد، المُحكم والمضغوط.

تحول الحصار في جنوبي مدينة غزة إلى تقطيع أوصال: منطقة ناحل عوز تفصل بين شمالي القطاع ووسطه، ولا مجال للدخول إليه، أو الخروج منه. خطة تقطيع أوصال غزة طُرحت في جولات القتال السابقة في القطاع، ولأسباب مختلفة لم تُنفَّذ، وها هي تُنفَّذ الآن.

بخلاف الجولات السابقة، المقصود توغُّل عميق، ليس فقط في المناطق الزراعية وأطراف المنطقة المبنية، بل أيضاً في الأحياء السكنية. الثمن الذي يُدفع من حياة المقاتلين باهظ جداً. والمجتمع الإسرائيلي قادر على تحمُّله، لكنه سيتحمّله فقط إذا علِم بأن هناك فائدة من هذا الثمن، وأن وراء الجهد العسكري ودم المقاتلين، توجد خطة متينة وعملية وقابلة للتحقيق.

سيطرة الجيش الإسرائيلي تخلق وضعاً جديداً على الأرض، وتفتح الباب أمام عدة احتمالات، كلٌّ منها على حدة، وفي آن معاً.

الاحتمال الأول؛ أن تفقد “حماس” سيطرتها وتنهار، وترفع الرايات البيضاء فوق المنازل التي بقيت في مدينة غزة، والفوضى تسود الشوارع. الجانب الإيجابي في هذا سيكون، إن كان في الإمكان القول، إن الهدف المركزي للحرب قد تحقق. الجانب السلبي أن 240 مخطوفاً إسرائيلياً سيُترَكون لمصيرهم. هذا السيناريو لا يزال بعيداً، و”حماس” لم تنهَر بعد. بناءً على ذلك، في الجيش يدركون الخطر ويستعدون له.

الاحتمال الثاني؛ القضاء على يحيى السنوار ورفاقه في قيادة “حماس”. واحتمال ثالث؛ أن تتحول غزة إلى منطقة منكوبة إنسانياً، وقيام الإدارة الأميركية والمجتمع الدولي بالضغط على المستوى السياسي، وهو ما سيؤدي إلى توقُّف العملية.

الاحتمال الرابع؛ بعد الانتهاء من السيطرة على “غلاف غزة”، تبقى القوة الأساسية موجودة فيه. وبحسب التجربة، سيكون من الصعب على إسرائيل خوض حرب استنزاف من هذا النوع. وسيسيطر مصطلح “المراوحة”، ويبدأ المقاتلون بالتذمر، وسيكون من الصعب على الجمهور في الجبهة الداخلية سماع أخبار عن سقوط مزيد من الجنود.

لقد بدأت الحرب من نقطة لم نشهد مثيلاً لها في الحروب الإسرائيلية كلها: نصف الجمهور فقط يثق بقيادة الجيش الإسرائيلي؛ وفقط 7% يثقون بقيادة رئيس الحكومة. وحرب استنزاف في ضواحي غزة، هي آخر ما يرغب الإسرائيليون في تجربته.

ربما يجب أن نقول شيئاً عن المساعدة الإنسانية. “المذبحة” في الغلاف لم تترك في قيادة الجيش شيئاً من الأم تيريزا، وهذا مفهوم تماماً. الاستعداد لفتح ممرات للمساعدة الإنسانية لا يعود إلى الحساسية إزاء وضع الفلسطينيين في القطاع، بل إلى الحاجة الجوهرية إلى الوقت والشرعية الدولية وتأييد البيت الأبيض؛ بالمواد الغذائية، نربح الوقت، وبالمياه والمواد الطبية، نربح الوقت.

سياسيون فاسدون، مثل إيتمار بن غفير، غير قادرين على استيعاب ذلك، لا يهمهم تعريض مصلحة إسرائيل الوطنية للخطر من أجل احتلال العنوان الأول. الإمدادات الإنسانية الحالية ليست كافية. وهي تتعرقل لأسباب عملية مختلفة، والقدرة على التنفيذ. من مصلحة إسرائيل زيادتها، وبسرعة. وهي تُجري اتصالات بفرنسا ومصر من أجل إقامة مستشفى ميداني بالقرب من الحدود، يتسع لمئة سرير، وسفينة مستشفى تقدّم 200 سرير آخر. ثمة شك في أن هذا سيدفع إدارة مستشفى “الشفاء” إلى نقل المستشفى إلى الجنوب، لكنه سيمنح إسرائيل وقتاً وشرعية.

ليس هناك تضارُب في المصالح بين الولايات المتحدة وإسرائيل فيما يخص المسألة الإنسانية، باستثناء موضوع الوقود. عندما تحدّث الناطق بلسان الجيش دانيال هاغري بالإنكليزية عن الوقود الذي خزّنته “حماس” في أنفاقها، كان يتوجه إلى عنوان آخر، هو البيت الأبيض. لقد أراد أن يثبت للأميركيين عدم وجود مشكلة وقود في غزة.

لكن توجد ضغوط سياسية على الأميركيين والإسرائيليين. التأييد القاطع من بايدن لإسرائيل جعله – موقتاً – من أكثر الرؤساء المحبوبين هنا، لكن أضرّته استطلاعات الرأي في أميركا. الجناح التقدمي في الحزب الديمقراطي لا يحب الحضن الكبير الذي قدمه للإسرائيليين والمساعدة السخية التي وعدهم بها. وكانت النتيجة تصاعُد حساسية الإدارة حيال حقوق الإنسان في غزة؛ وزيادة حدة الردود على الاعتداءات التي يقوم بها “شبان التلال” ضد الفلسطينيين في الضفة. كما ازدادت حدة الضغوط الأميركية من أجل إجراء صفقة تبادُل للمخطوفين: وهم يضغطون على قطر، وعلى إسرائيل أيضاً.

إسرائيل اليوم بحاجة إلى أميركا أكثر من السابق. وهذا له ثمن. على سبيل المثال، البيت الأبيض هو الذي فرض على إسرائيل إعادة الاتصالات والإنترنت إلى غزة. الإنترنت ليس دواءً، وأحياناً هو عكس ذلك. لكن وسائل الإعلام الأميركية صرّحت بأنها غير قادرة على العمل، والبيت الأبيض بحاجة إلى وسائل الإعلام.

إقرأ على موقع 180  فلسطين، إنتفاضات أولى وثانية.. وثالثة؟

بالنسبة إلى الاتصالات مع “حماس” بشأن المخطوفين، تعمل وساطتان، القطرية والمصرية. كلٌّ منهما تعمل بالتعاون مع الثانية، وكذلك على حِدة. ولكلٍّ منهما مصلحتها الخاصة. المصلحة القطرية واضحة، وهي الاستمرار، بقدر الممكن، في مساعدة “حماس” والبيت الأبيض، وتعزيز مكانتها في الشارعين العربي والإسلامي، وتحصين نفسها في مواجهة الانتقادات.

مصر ليست مستعدة لاستيعاب اللاجئين على أراضيها، وهي على حق. الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اقترح إرسال آلاف الفلسطينيين إلى النقب. إسرائيل رفضت الفكرة رفضاً قاطعاً، وهي أيضاً على حق. لن تقيم إسرائيل الآن سجناً لآلاف الفلسطينيين. لكنها بحاجة إلى التعاون مع دول أُخرى لإقامة مدينة كبيرة من الخيام في غوش قطيف سابقاً.

هكذا تجري الاتصالات: الموفد الأميركي يضغط بقوة على رئيس الحكومة القطري، الذي يضغط بدوره على “حماس” الموجودة خارج قطر، والتي تضغط على “حماس” الموجودة في داخل غزة. وعندما يصل الضغط إلى السنوار، يصبح أقل شدة. مجال التوصل إلى اتفاق ضيق. ربما أبدت “حماس” مرونة معينة نتيجة العملية البرية. كما أبدى الجانب الإسرائيلي استعداده لإبداء مرونة. وحتى الآن، لا توجد صفقة، هناك كلام عن صفقة جزئية حتى الأمس. لكن في النهاية، لم ينضج شيء.

لقد ذهب ديفيد برنيع لمحاورة القطريين في قطر. وهو جزء من طاقم عسكري مسؤول عن معالجة موضوع المخطوفين. كما وصل إلى قطر يوسي كوهين بصورة منفردة. في قطر، أفرحهم ذلك، لكن في الجيش الإسرائيلي استشاطوا غضباً. مرة أُخرى، يستخدم نتنياهو سياسية فرّق تسُد. كوهين هو عضو في كابينيت من المستشارين، شكّله نتنياهو في موازاة كابينيت الطوارىء. ادّعى كوهين أنه ذهب إلى قطر، مكلّفاً مهمة مع صلاحيات. ومن أجل تهدئة العاصفة، قال نتنياهو للجيش إن كوهين مكلّف التحدث باسم الحكومة بشأن موضوع المخطوفين.

في هذه الأثناء، تخسر إسرائيل في ثلاثة أطُر مهمة: الوقت والمال والشرعية. كان المطلوب في المرحلة الأولى من الحرب التخلص من صدمة الكارثة، وتوجيه النيران إلى غزة من الجو والبر والبحر، والعملية البرية كانت المرحلة الثانية؛ ومن المفترض أن تشكل تسوية السيطرة على غزة المرحلة الثالثة. وبحسب علمي، ليس لدى الحكومة خطة متبلورة في هذا الشأن، وليس لديها وسيلة كي تفسّر كيف ستؤدي المرحلة الثانية إلى الثالثة.

ومن بين الموضوعات الأساسية التي تُقلق الأميركيين هو تعهُّد إسرائيل عدم إحباط العملية السياسية التي ستلي استقرار الوضع، وألّا تُقحم نفسها في مغامرات عسكرية في هذه الأثناء.

يحب نتنياهو النقاشات الطويلة والمحاضر المكثفة، لكنْ الضئيلة، من حيث القرارات خلال العمليات العسكرية. هذا ما حدث في الماضي، وما يحدث الآن. وعلى خلفية أزمة الثقة بالقيادة، أقام غالانت طاقماً خاصاً. ورئيس الأركان ينتقل من جلسة نقاش إلى أُخرى، بدلاً من إجراء نقاشات عملانية، بصمت وبرأس نظيف. ومثله نظراؤه في قيادة الجيش الإسرائيلي.

عندما دعا نتنياهو إلى مؤتمر صحافي مشترك مع غالانت وغانتس، طلب مكتب رئيس الحكومة من رئيس الأركان هرتسي هليفي الجلوس وراء الطاولة، وظهره إلى الإعلام، الجيش رفض ذلك. ولم يقبل رئيس الأركان التنازل عن احترامه. وأظن أنه لم يندم على رفضه”.

(*) ترجمة رندة حيدر، مؤسسة الدراسات الفلسطينية

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Download WordPress Themes Free
Download Premium WordPress Themes Free
Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  الصحافة الإسرائيلية: إنها المتاهة.. والهدف هو الوقت!