“انتبهوا إلى ما يجري في الميدان، لا إلى ما نقوله”، هذا ما اقترحه (السيد) حسن نصرالله على سامعيه في إسرائيل، وفي الشرق الأوسط، وفي واشنطن، في ختام خطاب مليء بالآيات القرآنية والعبارات الخطابية المنمقة، كعادته، وكثير من التهجمات على إسرائيل. بعد مرور أسبوع على خطابه السابق، الأول منذ بداية الحرب؛ يبدو أن نصرالله استوعب الانتقادات الموجهة إليه بسبب الإطار المحدود لعمليات الحزب ضد إسرائيل، وبشأن التزاماته الضئيلة حيال “وحدة الساحات”، وخيبة أمل “حماس”.
هذه المرة، ومن موقعه كمُعلّق، خصص جزءاً مهماً للمصطلح الجديد الذي وضعه “جبهة المساندة”. فأثنى على قرار الحوثيين، استخدام صواريخ ومسيّرات ضد إسرائيل، وفي نظره، يكمن الإنجاز السياسي في أنه للمرة الأولى، تقوم دولة من خارج “محور المقاومة” في المشاركة فعلياً في المعركة ضد إسرائيل. سوريا، “على الرغم من وضعها ’الصعب’، فإنها شاركت من خلال السماح لقوات الحزب بالعمل من أراضيها ضد إسرائيل”، والميليشيات الشيعية التي تهاجم أهدافاً أميركية توضح من هو العدو الحقيقي، وطبعاً، إيران “التي من دونها، لا وجود للمقاومة”، فهي التي تموّل وتسلّح المقاومة “في الماضي، كنا نخفي ذلك، لكن اليوم، نتحدث عن ذلك بالفم الملآن”.
كل هذه الأمور تخلق معاً ما يسميه “جبهة المساندة”، هو مصطلح أقل من “التعاطف”، سبق أن استخدمه في خطابه السابق، لكن من دون تدخّل عسكري كامل. لكن الفلسطينيين في غزة لم يحصلوا على تعهدات، أو شعروا بأن نصرالله ينوي تغيير المعادلة التي وضعها حتى الآن، والتي بحسبها، يتحرك الحزب ويردّ على أي اعتداء على المدنيين اللبنانيين. ونصرالله الذي بدا أنه بصدد تقديم حسابات أمام لجنة انتقادية، دخل في التفاصيل، وذكر أنه للمرة الأولى، أُدخل إلى الساحة صاروخ بركان؛ وقال “عدنا إلى استخدام الكاتيوشا” والحوامات، ومسيّرات الحزب دخلت إلى الأراضي الإسرائيلية أكثر من مرة في اليوم.
تحاول السعودية لجم التهديد الإيراني التقليدي الذي يمكن أن يشعل حرباً إقليمية. والقمة العربية الإسلامية الطارئة التي عُقدت في الرياض أمس، كان لها دور مهم في الدفع قدماً بهذا المسعى. بالنسبة إلى الفلسطينيين، القمة عديمة الفائدة، سبق أن عُقد العشرات مثلها في الماضي، وكانت عرضةً لانتقادات حادة بسبب “العجز العربي”
في يوم الجمعة، حذّر وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، هاتفياً، نظيره القطري محمد بن عبد الرحمن الثاني من أنه “في ضوء كثافة الهجمات الإسرائيلية على غزة، فإن اتساع رقعة الحرب سيكون أمراً لا مفر منه”. وجرى تفسير كلامه بأنه تهديد بانضمام إيران بصورة مباشرة إلى المعركة. بعد وقت قصير، أتى التوضيح من السفير الإيراني في الأمم المتحدة، في مقابلة مع الـ”سي أن أن”، أوضح فيها أن إيران ليست هي التي ستوسع الحرب، وأن “توسُّعها، ببساطة، غير مستبعد”.
يبدو أنه حتى الآن، هذه هي التوجيهات التي توجّه حزب الله، المواجهة بين إسرائيل والحزب يجب أن تحافظ على “حدود منطقة محددة”، لا تجبر إيران على الدخول بنفسها في المعركة، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة. هذا خط فاصل دقيق وهش يفرض على إسرائيل وحزب الله خوض معركة ردود متبادلة دقيقة ومحسوبة. وليست إيران وحدها التي تريد المحافظة على موقف معلن بأنها ليست مَن يملي على حزب الله، أو على “حماس”، خطواتهما، بل الولايات المتحدة أيضاً تريد البقاء في “جبهة المساندة” والإمساك بيد إسرائيل بقوة كي لا تجرها إلى مواجهة إقليمية.
هكذا نشأت معادلة ردع جديدة وأكثر اتساعاً. وهي ليست محصورة في الحدود بين إسرائيل ولبنان، وبين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، بل تضع القوة العظمى الأقوى في العالم في مواجهة إيران بشأن مشكلة كان لا يجب قط أن تشغل واشنطن. المواجهة المحتملة كان مخطَّطاً لها، فقط في حال امتلكت إيران سلاحاً نووياً، وليس بسبب تطوّر نزاع محلي، مهما كان مأساوياً وقاسياً.
تحاول السعودية لجم التهديد الإيراني التقليدي الذي يمكن أن يشعل حرباً إقليمية. والقمة العربية الإسلامية الطارئة التي عُقدت في الرياض أمس، كان لها دور مهم في الدفع قدماً بهذا المسعى. بالنسبة إلى الفلسطينيين، القمة عديمة الفائدة، سبق أن عُقد العشرات مثلها في الماضي، وكانت عرضةً لانتقادات حادة بسبب “العجز العربي”.
وحقيقة أن هذه القمة عُقدت بعد شهر من الحرب، تدل على الفجوة بين التضامن الظاهري، وبين الاستعداد لاتخاذ خطوات عملية، وهذا ليس جديداً. في البداية، جرى التخطيط لعقد قمتين، واحدة لدول الجامعة العربية، وبعدها قمة الدول الإسلامية. وفي خطوة حكيمة، قرر ولي العهد السعودي محمد بن سلمان جمع القمتين في قمة واحدة، حضرها للمرة الأولى، منذ استئناف العلاقات بين السعودية وإيران، الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الذي كان خطابه، كما كان منتظراً، مليئاً بالإدانات لإسرائيل والولايات المتحدة، وشمل مطالبات بعيدة المدى، مثل مقاطعة إسرائيل وتسليح “المقاومة”، لكن الرعاية السعودية والموقف الذي قدمه ولي العهد بن سلمان في خطابه القصير، من المفترض أن يُلزما إيران، التي توظف جهوداً دبلوماسية مكثفة من أجل ترميم علاقاتها مع الدول العربية في المنطقة.
القرارات التي اتخذتها القمة تضمنت 31 بنداً، بينها المطالبة بوقف إطلاق نار فوري، ووقف شحنات السلاح إلى إسرائيل، ومطالبة مجلس الأمن بإدانة تدمير المستشفيات في قطاع غزة، ورفع الحصار وفتح قنوات مساعدة إنسانية، والتوجه إلى المجتمع الدولي للعمل من أجل وقف الحرب وإطلاق جميع الأسرى والمحتجزين والمدنيين، وبنود أُخرى تتعلق بالمعالجة القانونية الدولية “لجرائم الحرب” التي ترتكبها إسرائيل.
كما تضمّنت القرارات بندين مهمين يتحدثان عن حل سياسي مستقبلي: البند 28، يشدد على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني، وأن على جميع الفصائل الفلسطينية الأُخرى التوحد ضمن إطارها”، والبند 30، الذي يدعو إلى عقد مؤتمر دولي للسلام في “وقت قريب”. ومعنى ذلك أن “حماس” وحركات المقاومة الأُخرى لا تمثل الفلسطينيين. صحيح أن هذا البند ليس جديداً وسبق أن اتُّخذ قبل 50 عاماً، لكن في الوقت الذي تخوض “حماس” حرباً ضد إسرائيل، فإن هذا البند يبدو مهماً لأنه يتجاهل وجودها.
في جميع الأحوال، بن سلمان، ومعه زعماء مصر وقطر والأردن، نجحوا في منع قرارات عملية مهمة. لا لمقاطعة إسرائيل، ولا لمنع عبور الطائرات الإسرائيلية سماء دول عربية، ولا لدعوة دول عربية وغيرها إلى قطع علاقاتها مع إسرائيل. الطلب الذي سبق أن نوقش في اجتماعات وزراء الخارجية العرب قبل القمة. هذه المطالب لا تسعى فقط للتوفيق بين الأقطاب العربية والإسلامية فحسب، بل بين ما يمكن أن تقبله الولايات المتحدة، وبين المواقف المتشددة التي عرضها زعماء بعض الدول العربية. ستضطر إيران إلى اتخاذ قرارها، هل ستكتفي بالقاسم المشترك الذي قدمته القمة، بإيحاء من بن سلمان، أم ستتحرك بصورة مستقلة، بعد أن سجلت إنجازاً سياسياً من خلال حضورها منتدى عربياً، وليس فقط إسلامياً”.
(*) المصدر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية