أميركا بين “كماشتي” مارينكا.. وغزة!

"مصائب قوم عند قوم فوائد"، أو كما في شرح المتنبي: "هكذا عادة الأيام؛ سرور قوم: مَساءة آخرين، وما حدث في الدنيا حدث إلا سر به قوم وسيء به آخرون".

روى أحد قادة حركة “حماس” في لبنان، أنه بعد عملية “طوفان الأقصى” مباشرةً اتصل أحد القادة الروس مهنئاً بالعملية (أحد ممثلي الرئيس الروسي)، ولا يخفى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما علم بأن حاملات الطائرات الأميركية توجهت نحو سواحلنا قال: “الولايات المتحدة نشرت حاملة الطائرات الأولى في البحر المتوسط، وتعلن الآن عن الثانية، لا أرى أي معنى لهذا، هل سيقصفون لبنان أم ماذا؟”. وتابع قائلاً: “أم أنهم قرّروا فقط تخويف جهة ما؟ لكن هناك أشخاصا لا يخافون من أي شيء”.

ويبدو من مجريات الأحداث منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 ولغاية الآن، تتعرض إدارة الرئيس جو بايدن لانتكاسات متتالية، تجعلها تلهث منقطعة النفس، فانشغالها قبل “طوفان الأقصى” بالأزمة الأوكرانية، ودفع أوروبا والغرب باتجاه دعم أوكرانيا ومساندتها كي تكون سيفاً مصلتاً على روسيا، جعل أوروبا بأكملها قارة مستنزفة مادياً وعسكرياً وإقتصادياً، بدليل رفع الولايات المتحدة سعر الغاز بأربعة أضعاف لأوروبا، بعدما قامت روسيا بإيقاف تصدير الغاز إلى القارة العجوز.

الحرب الروسية – الأوكرانية تكاد تنهي سنتها الثانية في فبراير/شباط 2024، والجيش الروسي ما زال يتمدد في أوكرانيا بعدما سيطر على إقليم دونباس، و”حماية سكانه الذين تعرضوا للاضطهاد والإبادة من قبل نظام كييف، لسنوات”.

يُعتبر هذا الانتصار في مارينكا انتصاراً استراتيجياً بعد السيطرة على مدينة باخموت (وصفها فلاديمير زيلينسكي بـ”قلعة المعنويات” التي تحتوي على مناجم الملح والجبس والمصانع الضخمة)، ويؤمن السيطرة الكاملة على كل المواقع العسكرية المشرفة على كييف

وقد أعلن وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، أمس الأول، أن القوات الروسية حررت مدينة مارينكا، بالكامل، في جمهورية دونيتسك الشعبية. وقال شويغو خلال لقائه مع الرئيس بوتين: “خلال العمليات الهجومية النشطة، حرّرت وحدات الهجوم التابعة لقوات مجموعة “الجنوب”، بالكامل قرية مارينكا جنوب غربي دونيتسك”. ودمّرت القوات الروسية، خلال العملية، الكثير من المعدات التي راهن الغرب عليها، على رأسها دبابات “ليوبارد 2” الألمانية، والكثير من المدرعات الأميركية والبريطانية، بالإضافة إلى دبابات وآليات كثيرة قدمتها دول في حلف “الناتو”، والتي كان مصيرها التدمير على وقع الضربات الروسية، فضلاً عن أن موقع المدينة الإستراتيجي يتيح للقوات الروسية إشرافاً نارياً ينعكس على طرق الإمداد والتعزيزات لقوات كييف.

ويُعتبر هذا الانتصار في مدينة مارينكا انتصاراً استراتيجياً بعد السيطرة على مدينة باخموت (وصفها الرئيس فلاديمير زيلينسكي بـ”قلعة المعنويات” التي تحتوي على مناجم الملح والجبس والمصانع الضخمة)، ويؤمن السيطرة الكاملة على كل المواقع العسكرية المشرفة على كييف.

وبهذا تكون الولايات المتحدة وأوروبا والغرب، خسروا احدى الجولات الأساسية من معاركهم مع روسيا، بالإضافة إلى ما تعانيه من هزائم متلاحقة أمام مقاومة الشعب الفلسطيني ومقاومته بأبشع عملية إبادة جرت في هذا القرن.

فصمود الشعب الفلسطيني في غزة وتصدي المقاومة الباسلة للعدوان الهمجي لقوات “الجيش الصهيوني النازي”، كلّف الإدارة الأميركية خلال أقل من ثلاثة أشهر ما كلّفها على مدى ما يقرب من عامين في جبهة روسيا – أوكرانيا، وما تزال الجسور الجوية لكلا الجبهتين مستمرة، إلا أن التركيز الفعلي الآن على جبهة “قطاع غزة”، لما لها من تأثير على الصعيد العالمي، خاصة وأن منطقة البحر الأبيض المتوسط لا تقل أهمية عن منطقة البحر الأسود والبلطيق بالنسبة إلى الولايات المتحدة وأوروبا.

جو بايدن وإدارته، يعانون الآن من مجموعة مآزق: الحرب الأوكرانية؛ حرب غزة؛ قضية تايوان، وكلها لها إرتداداتها على الانتخابات الرئاسية الأميركية المقررة في الخريف المقبل. السؤال المطروح: هل ستستمر الولايات المتحدة بعنجهيتها المعهودة، وهل ستستمر “القارة العجوز” كما وصفها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب تُستنزف للغايات الأميركية، فلا يخفى على أحد أن شركات النفط والسلاح وجماعات الضغط المالية في وول ستريت توجه صانع القرار الأميركي، وأن السياسيين الأميركيين، من تشريعيين وتنفيذيين، ما هم إلا جهات مساعدة لتمرير إستراتيجيات الشركات الكبرى للسيطرة بجيوشها على الدول الصغرى وخاصة النفطية.

فحرب أوكرانيا، بالإضافة إلى أسبابها الجيوسياسية والاستراتيجية، هي عبارة عن فرصة، اخترعتها الإدارة الأميركية لمصلحة شركات السلاح والنفط والتكنولوجيا لكسب التريليونات من الدولارات، وما يجري الآن من دعم غير محدود لـ”إسرائيل” في حربها على الفلسطينيين ما هو إلا حلقة من حلقات التآمر على الشعوب المستضعفة في العالم ولاحكام السيطرة على ثروات هذه المنطقة.

في الخلاصة، ثمة سؤال مطروح: هل استغلت القوات الروسية إنشغال الولايات المتحدة الاميركية وحلف الناتو، بحرب غزة، وقامت بتحرير مدينة مارينكا في وسط الدونيتسك وهل يعطي ذلك القوات الروسية الأفضلية بالسيطرة والتحكم على الممرات الإستراتيجية باتجاه العاصمة الأوكرانية؟ لننتظر ونرَ.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  كُنّا شهوداً.. مقاومة المُستعمر الأجنبي تُبعثُ من جديد
أكرم بزي

كاتب وباحث لبناني

Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  الشيوعيون الصينيون.. دورات الصعود والإنحدار