تحاول إسرائيل في تلك الحملات أن تُظهر نفسها بصورة وردية، عبر المبالغة في استخدام شعارات التعايش والسلام والحريات والديموقراطية وغيرها من المفردات الرنانة.. إلا أن هذه الحملات الإعلانية الإسرائيلية، وبرغم ما يُرصد لها من ميزانيات مالية هائلة، تعاني من إزدواجية في التعبير عما تريد إيصاله، وكان لـ”طوفان الأقصى”، الأثر الكبير في إيضاح هذا الشرخ في “البروباغندا” الخاصة بالعدو الإسرائيلي، خاصة أن الجهات التي عمل ويعمل الإحتلال على توجيه حملاته الإعلامية إليها إختلفت في ظل ما أحدثته عملية “طوفان الأقصى”، حيث كان الرأي العام العربي من أهم الجهات التي يتوجه إليها العدو، قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول، بينما تقدم الرأي العام الغربي على العربي بعد إندلاع حرب غزة المستمرة.
ويحق لنا، خاصة في ظل الجرائم التي ترتكب في غزة، للشهر الرابع على التوالي، أن نواجه العالم وبشكل خاص الدول الليبيرالية، بالتناقضات التي برزت بشكل واضح – أمام العالم الغربي بالتحديد – بين ما عمل الاحتلال على ترويجه، وبين ما ما يقوم به في الحرب من جرائم أفدحها الإبادة الجماعية.
قبل 7 تشرين الأول/أكتوبر.. وبعده
في تقرير لصفحة “إسرائيل تتكلم بالعربية” نشر قبل سنوات، تكلم يوسف حداد، وهو من العرب الذين يعيشون في المناطق المحتلة عام 1948، عن التعايش بين اليهود والعرب، لكن إلى ماذا استند حداد؟ وهل كانت الدراسات الإسرائيلية مرجعه الأبرز؟
في العام 2017، أجرى “المعهد الإسرائيلي للديموقراطية” استطلاعًا للرأي حول العلاقات بين المستوطنين اليهود وبين العرب الذين يعيشون في المناطق المحتلة منذ العام 1948، وكانت إحدى أهم النتائج التي خلص إليها أن 58% من اليهود، أكدوا ضرورة حرمان كل من لا يعترف بأن “الدولة الإسرائيلية” هي دولة قومية لليهود، من حق الانتخاب. وفي الدراسة ذاتها، عبر 51.5% من المستوطنين اليهود أنه للمحافظة على يهودية “الدولة” يجب فصل العرب عن اليهود حتى يعيشوا في مناطق معزولة ومنفصلة!
في سياق آخر، ومن أجل فهم حملات الدعاية الإسرائيلية، لا بد من معرفة المصافي التي ترسو بها تلك المعلومات المضللة. هنا تجدر الإشارة إلى أن المرحلة التي سبقت “طوفان الأقصى” مباشرة كانت حقبة تطبيع بين الاحتلال وعدد كبير من الدول العربية، لذا كان الرأي العام العربي أحد أبرز الجهات التي عمل الاحتلال على التأثير فيها، وهذا ما يُبرّر تركيز الفرق الإعلامية على الرأي العام العربي.
في العام 2021، وبحسب “رويترز”، كان فريق من وزارة الخارجية الإسرائيلية يركز عمله على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لإقناع العرب بتقبل الدولة العبرية. وقد قاد ذلك الفريق على منصات التواصل الاجتماعي، حملات باللغة العربية، حيث صرّح المتحدث باسم رئيس الوزراء آنداك، أوفير جندلمان، أنه “مع اتساع نطاق السلام الإقليمي تزداد أهمية مخاطبة جيراننا بلغتهم”.
وإذا كان العرب يحظون بنسبة كبيرة من إهتمام العدو في تلك الفترة، وكانت مشاعر هذه الشعوب تجاه فلسطين تواجه بلين إسرائيلي الغرض الأساسي منه التقرب من الرأي العام العربي، لكن بعد فجر السابع من تشرين الأول/أكتوبر، أدت تصريحات المسؤولين الإسرائيليين إلى تعرية المشاعر الزائفة تجاه العرب وذلك بعد إعلانهم بشكل مباشر عن ضرورة إستخدام أبشع الأساليب في محاربة الفلسطينيين وجعل هؤلاء عبرة للعرب وخاصة لكل عربي يمكن أن يتجرأ مستقبلاً على تكرار فعلة التحدي التي فعلتها حركة “حماس” في قطاع غزة.
إسرائيل تتكلم الإنجليزية!
بعد اندلاع الحرب الحالية على أهل قطاع غزة، ومع حصول القفزة النوعية في التأييد لفلسطين والتي عبّر عنها جمهور مليوني في الدول الغربية، تحاول إسرائيل إعادة ترميم صورتها من خلال بث حجج وبراهين لإعادة جذب الشعوب الغربية. من هنا كان لافتاً للإنتباه تعمد المتحدث باسم جيش الإحتلال، دانيال هاغاري، التحدث باللغة الإنجليزية في معظم المرات التي يعلن فيها العدو عن عمليات يعتبرها كبيرة. فعندما اقتحم جيش العدو مستشفى الشفاء، سارع هاغاري إلى تصوير فيديوهات داخل المستشفى وأخرى في مركز للجيش أمام الخرائط التوضيحية، وكان يتحدث في تلك الفيديوهات باللغة الإنجليزية فقط.
إلى جانب هاغاري، تجدر الإشارة إلى قيام المتحدث باسم الجيش للإعلام الغربي، جوناثان كونكريس، بتصوير فيديو، وباللغة الإنجليزية أيضا، وهو يدخل إلى المستشفى نفسه لإظهار ما اعتبرها أدلة على تواجد المقاومة في المنشآت المدنية!
إستمر الإحتلال بنشر المعلومات التي حاول من خلالها خلق صورة تتنافى مع واقعه، ولكن ما بدا مستغربا هو خفوت صوت المؤسسات الغربية المنادية بالشفافية والدقة في المعلومات المنشورة، والجدير ذكره أن التكنولوجيا الغربية المنشأ، تمنح أصحابها القدرة الكافية للتحقق من صحة الأفكار المنشورة.
وإن كان توجهها نحو العرب أو الغرب، دائماً ما كانت دعاية الاحتلال الإسرائيلي تعتمد على معلومات مضللة لا تمت للواقع بصلة، ولا تُعبّر عما يعيشه الفلسطينيون، وحتى من دون حدوث “طوفان الأقصى”، كانت الوقائع وحدها كفيلة بتكذيب كل ما يُروّج له الاحتلال، لكن مع اندلاعها، وإعادة تصويب بوصلة انتباه العالم نحو الظروف التي يواجهها الفلسطينيون، باتت البراهين أكثر وضوحاً أمام الرأي العام الغربي، فهل ما يحصل كافٍ لإثبات صحة الرواية الفلسطينية وهل سنشهد في المرحلة المقبلة صحوة لدى الجيل الجديد الذي سيحكم العالم الغربي في العقود المقبلة؟
المصادر:
-دراسة بعنوان شرخ واسع في التعايش بين العرب واليهود في إسرائيل
-مقالة بعنوان حملة إسرائيلية على وسائل التواصل لاستمالة العقول في الشرق الأوسط
-مقالة بعنوان لماذا لا تزال الرسالة الإعلامية الإسرائيلية فاشلة المحتوى؟
-مقالة بعنوان أزمة العلاقات بين المواطنين اليهود والعرب في إسرائيل