
في قلب لاهاي، المدينة الهولندية التي أصبحت اسماً مرادفاً للعدالة الدولية، تقف مؤسستان قضائيتان عظيمتان تحملان رؤيتين متكاملتين لمفهوم القانون: محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.
في قلب لاهاي، المدينة الهولندية التي أصبحت اسماً مرادفاً للعدالة الدولية، تقف مؤسستان قضائيتان عظيمتان تحملان رؤيتين متكاملتين لمفهوم القانون: محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.
كان الانتقام سمة الحرب الإسرائيلية على غزة بعد تهشيم صورة الكيان في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، فأطلقت إسرائيل مدعومةً من الغرب الإمبريالي حربها الأطول منذ تأسيسها، وهي دامت 471 يوماً، إذا احتسبنا نقطة النهاية يوم الأحد في 19 كانون الثاني/يناير الماضي.
شهد الأسبوع الفائت حدثين كبيرين: أولهما؛ الإثنين (20 أيّار/مايو) يوم أعلن المدّعي العام للمحكمة الجنائيّة الدوليّة أنّه طلب من المحكمة إصدار مذكّرتي توقيف بحقّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يؤاف غالانت (وثلاثة من قادة حماس). ثانيهما؛ الجمعة (24 أيّار/مايو) يوم أصدرت محكمة العدل الدوليّة قراراً يأمر إسرائيل بوقف حربها ضد رفح. هل كان أيٌّ من الحدثين ليحصل لولا "مغامرة" حماس؟
نجت ألمانيا من تهمة انتهاك اتفاقية منع الإبادة الجماعية التي رفعتها نيكاراغوا ضدها أمام محكمة العدل الدولية، متهمةً إياها بتزويد دولة الاحتلال الإسرائيلي بأسلحة تستخدمها ضد الشعب الفلسطيني في غزة. وبما أن الدعوى رُفضت شكلاً، يُصبح السؤال: هل وصل المجتمع الدولي إلى هذه الدرجة من استسهال الإبادة حتى ترد المحكمة هكذا دعوى، وبالتالي يستمر المجرمون في غيّهم وجرائمهم؟
إن حالة من الرعب تتملك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، منذ أسابيع، لمجرد التفكير في احتمال اصدار المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية كريم خان مذكرات اعتقال بحقه ومسؤولين سياسيين وعسكريين إسرائيليين آخرين بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة.
كيف يُمكن لحدث مثل 7 تشرين الأول/أكتوبر أن يثير كل تلك التجاذبات وردود الأفعال والتناقضات والمواجهات على جبهات كادت أن تخلخل الإقليم ككل، وليس فقط إسرائيل وغزة؟ ولماذا كان الحدث صادماً إلى تلك الدرجة، ولماذا استدعى كل ذلك العنف والقتل والتدمير من قبل إسرائيل وحلفائها في الغرب والشرق، ممن شاركوا بكيفية، مباشرة أو غير مباشرة، في الانتقام من غزة؟
الهجوم الذي نفذته إيران ضد إسرائيل، ليل السبت-الأحد الماضي، رداً على استهداف قنصليتها في دمشق، يكشف؛ من جملة ما يكشف؛ مدى سوء الإدارة الأميركية في التعامل مع الشرق الأوسط. وإذا لم نشهد تحولاً جوهرياً في السياسة الأميركية ستظل الأخطاء التي أشعلت المنطقة وظلّلت المستقبل بالمآسي والأهوال تتكرر، بحسب ستيف م. والت، في مجلة "فورين بوليسي".
شيءٌ حولنا يشي بأيام وربما سنوات وعقود تسود فيها غلبة العنف وعدم الاستقرار والحاجة إلى التسلح أو زيادته؛ شيءٌ يُنفّرنا من العمل مع مجموعة أشقائنا العرب ويدفعنا لنتعود على العيش ضمن خريطة جديدة. هذه الخريطة جرى رسمها وتلوينها خلال سنوات الإعداد للنكبة الثانية وهي حرب إسرائيل السابعة أو الثامنة ضد جيرانها العرب. يطلقون على هذه الحرب عناوين متعددة، تارة هي الحرب الإقليمية التي ما فتئ يُبشّر بها ويُحذّر منها الطرف الأمريكي، وتارة هي من تتمات النكبة الثانية، وتارة هي أولى حروب العهد الإبراهيمي في مسيرة الشرق الأوسط الجديد، وتارة هي البداية المنطقية الأخرى لحرب عالمية ثالثة؛ حربٌ يتحدث عنها، أو يتوقعها البولنديون وآخرون في أوروبا الملتهبة بالقلق.
تتوافر للقضية الفلسطينية اليوم فرصة ذهبية باتجاه تثبيت موقعيتها وعدالتها وأولويتها على جدول الأعمال العالمي. فرصة تستدعي تجميع أوراق القوة الفلسطينية من جهة والبناء على بداية ترهل الكيان الإسرائيلي داخلياً وخارجياً من جهة ثانية.
في زمن الاستعمار (كولونيالية، إمبريالية، إلخ..) الذي ما زالت له اليد الكبرى في بلادنا، لا يحكم المركز مباشرة بل عن طريق حكومات محلية، إحداها في منطقتنا "دولة" إسرائيل.