صدر قرار الأمين العام المساعد لحزب البعث إبراهيم حديد بتشكيل لجنة (الحوار الوطني) من عدد من البعثيين لإجراء “حوارات وطنية مع مكونات الدولة المركزية وشرائح المجتمع المدني والأهلي..”. وعلى الرغم من أهمية إطلاق أي شكل من أشكال الحوار الوطني، وعلى أي مستوى من المستويات، إلا أن شوائب متعددة تشوب هذه الدعوة للحوار، حتى ولو كان المقصود بساحة إجراء هذا الحوار هو الجغرافيا التي تسيطر عليها الحكومة المركزية فقط.
لقد عكس هذا القرار الأسلوب القديم ذاته لحزب البعث عندما كان “قائدا للدولة والمجتمع”، وكان يتعامل بتعال واضح مع الدولة والمجتمع في الآن ذاته. فالقرار أولا صادر عن “حزب حاكم” ذي أغلبية راهنة، ويمكن أن يخسر أغلبيته هذه في أية انتخابات قادمة، إلا إذا كان حزب البعث يعتقد أنه سيبقى حزباً حاكماً للأبد!
كما أن اللجنة التي شكلها القرار تتكون من بعثيين عاملين دون أية صفة قيادية ضمن حزب البعث ذاته، ولو كان لهم صفة قيادية لجرى ذكر هذه الصفات في القرار ذاته.
أول شرط من شروط هذا الحوار هو المبادرة إلى إطلاق سراح أعداد كبيرة من المعتقلين والمعتقلات، وأن يُطلق الحوار رئيس الجمهورية، وأن يشمل كل الداخل والخارج، بما في ذلك أماكن تواجد اللاجئات واللاجئين السوريين، ويُمكن للسفارات أن تلعب دوراً كبيراً في تسهيل هذا الحوار إذا جرى إصدار عفو عام عن المعارضين والمعارضات
حدّد القرار مهمات اللجنة كالآتي: الارتباط ورفع التقارير ومحاضر الاجتماعات لمكتب الإعداد المركزي، والمفترض أن مهمات مكتب الإعداد المركزي تتعلق بتثقيف الحزبيين، وربما، بتطوير أدبيات الحزب، فما شأن “مكونات الدولة المركزية وشرائح المجتمع المدني والأهلي” بهذه المهمات؟
لم يُحدّد القرار المذكور المواضيع التي ستكون محور هذا (الحوار الوطني)، فهل هذا يعني أن المواضيع ستكون مفتوحة على إطلاقها بما يوصل إلى مناقشة نظام الحكم والمأساة الوطنية التي نعيشها منذ أكثر من ثلاث عشرة سنة؟ أم أن اللجنة ستحدد مواضيع بعينها؟ وغالبا ما ستكون بسيطة ولا تصل إلى العمق المطلوب في التحدي الوطني الذي نعيشه، طالما أن أعضاء اللجنة ليسوا من صانعي القرار في الحزب.
وعلى الرغم من الاعتراف بـ”المجتمع المدني” للمرة الأولى في قرار بعثي، إلا أننا نتساءل عن ماهية هذا المجتمع المدني؟ فهل ستكون الأحزاب جزءاً من هذا المجتمع؟ أم أن المقصود هو النقابات والمنظمات الشعبية التي يسيطر عليها البعث؟ وعندها سيكون الحوار حواراً داخلياً بحتاً.
لم يكن غريباً أن لا يتضمن القرار تسمية أية سيدة بعثية ضمن اللجنة، فلقد عجز حزب البعث تاريخياً عن رفع نسبة مشاركة النساء في مواقع صنع القرار في الدولة والمجالس المنتخبة، مع أنه هو صاحب الإرادة السياسية في الدولة، وكذلك في صياغة قوائم “الجبهة الوطنية التقدمية”، وبعدها قوائم الوحدة الوطنية، قبل تجربة الاستئناس الحزبي وبعدها.
لن يُقلّل أحد من أهمية فكرة الحوار الوطني، بل الحوارات الوطنية، حول جميع المسائل الملحة في السياسة والاقتصاد والمجتمع، إلا أننا نعتقد أن الحوار الوطني الأهم الذي نحتاجه أولاً هو الحوار الذي يُناقش آليات إنهاء مرحلة النزاع المسلح وتكريس وحدة سوريا، أرضاً وشعباً، وبناء السلام المجتمعي. ويمكن لهذا الحوار أن يكون بوابة من بوابات الحل السياسي في سوريا، مع مسارات التفاوض الراهنة، والتي تحتاج إلى إعادة إطلاق. وإنجاح مثل هذا الحوار يتطلب شروطاً أعمق بكثير من حيثيات الحوار الذي ستطلقه اللجنة البعثية.
ولعل أول شرط من شروط هذا الحوار هو المبادرة إلى إطلاق سراح أعداد كبيرة من المعتقلين والمعتقلات، وأن يُطلق الحوار رئيس الجمهورية، وأن يشمل كل الداخل والخارج، بما في ذلك أماكن تواجد اللاجئات واللاجئين السوريين، ويُمكن للسفارات أن تلعب دوراً كبيراً في تسهيل هذا الحوار إذا جرى إصدار عفو عام عن المعارضين والمعارضات، إلى غير ذلك من الأمور الإجرائية التي يُمكن أن تُسهّل هذا الحوار وتجعله ممكناً.
إن سوريا، بعد كل ما عانته وما زالت تعانيه، تستحق حواراً وطنياً جاداً وحقيقياً ومثمراً، وبناتها وأبناؤها الذين دفعوا حيواتهم وأحلامهم وأمنهم وأمانهم وهجرة شاباتهم وشبانهن، يستحقونه أيضاً. فلسنا أول دولة جرى فيها نزاع مسلح، ولن نكون آخر دولة تُجري مصالحة وطنية يكون الحوار الوطني فاتحةً له.