جون بولتون: “الصقر” الذي عشق الحروب… منذ فيتنام
WASHINGTON, UNITED STATES: Activists gather on the west side of the US Capitol Building on Capitol Hill 07 June, 2005 in Washington, DC, to protest the nomination of John Bolton as US ambassador to the United Nations. US President George W. Bush has condemned "stall tactics" used by opposition Democrats to hold up a Senate vote on the confirmation of Bolton, who has been accused of bullying staff and putting pressure on analysts to change intelligence to fit his political agenda. AFP PHOTO/Brendan SMIALOWSKI (Photo credit should read BRENDAN SMIALOWSKI/AFP/Getty Images)

"صقورية" جون بولتون عبارة عن تراكمات  تعود الى بدايات مسيرته السياسية في الستينيات كناشط شاب في الحملة الانتخابية لباري غولدووتر، وفي مطلع السبعينيات كطالب معارض لحملات مناهضة حرب فيتنام التي عمّت الجامعات الأميركية، وتبلورت بشكل أكبر منذ دخوله دوائر البيت الأبيض في عهد رونالد ريغن، لتبلغ ذروتها حين تقاطع مع جورج بوش الابن حول نهج "الحروب الاستباقية".

منذ دخول جون بولتون، المحامي البالغ من العمر 69 عاماً، والشهير بنظارته الرقيقة وشاربه الأبيض السميك، دائرة صانعي القرار في إدارة دونالد ترامب، غداة تعيينه مستشاراً للأمن القومي في آذار عام 2018، برز السؤال حول ما إذا كان هذا “الصقر” سيقدر على مواكبة الملياردير الجمهوري، بتحركاته البعيدة عن كل التوقعات في السياسة الخارجية، لا سيما في الملفات الأكثر ارتباطاً بالأمن القومي الأميركي، بدءاً بأفغانستان وايران وسوريا، وصولاً إلى روسيا والصين وكوريا الشمالية.
مردّ السؤال هو التناقض بين الرئيس ومستشار أمنه القومي في الخيارات الدبلوماسية والسياسية.
بالنسبة إلى الأول، ثمة عنصر ثابت في كل الخطوات المتذبذبة التي خطاها دونالد ترامب في السنوات الأربع من ولايته الأولى، وهو السعي قدر الإمكان الى الابتعاد عن التدخلات العسكرية المباشرة، أو بالحد الأدنى تجنب المغامرات الحربية، أو بالأحرى الخسائر السياسية والاقتصادية، وهو ما تبدى في الكثير من المحطات الحساسة الأخيرة، ابتداءاً من الضربات “المحدودة” ضد سوريا على خلفية المزاعم الغربية بشأن استخدام السلاح الكيميائي، وصولاً إلى القرار المفاجئ بالتخلي عن توجيه ضربة عسكرية لإيران، على خلفية إسقاط طائرة التجسس الأميركية.
أما بالنسبة إلى الثاني، فالأمر مختلف تماماً، فجون بولتون مؤيد ثابت لسياسة رونالد ريغن الخارجية القاسية والقائمة على فكرة “ترسيخ السلام بالقوة”، حسبما قال بنفسه في الكثير من المقابلات الصحافية، كما أنه من أشد المدافعين عن فكرة الحروب الوقائية.
هو يعتقد أن التدخل العسكري في العراق في العام 2003 كان ضرورياً، بالرغم من اتضاح بطلان المعلومات الاستخباراتية حول امتلاك بغداد لأسلحة الدمار الشامل، والتي أصبحت أساسا للغزو.
في العام 2011، دعم العملية العسكرية لحلف “الناتو” في ليبيا، داعياً إلى تصفية معمر القذافي.
وفي العام 2015، عارض إبرام اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني.
وخلال تصاعد النزاع بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية في العام 2017 دعا إلى توجيه ضربة وقائية.
وفي العام 2018، دعا إلى “رد حاسم” في ما يتعلق بقضية الجاسوس الروسي السابق سيرغي سكريبال عبر فرض عقوبات أشد على روسيا، التي تدخلت، برأيه، في انتخابات الولايات المتحدة في العام 2016.
على هذا الأساس، كان لا بد من “فك ارتباط” بين ترامب وبولتون، وهو ما برزت مؤشراته بشكل مباشر قبل أسابيع، حين لم يخف الرئيس الأميركي اختلافاته مع الكثير من آراء مستشاره، إلى أن جاء قرار الإقالة، بعدما أظهرت الأيام الخمسمئة والعشرين التي قضاها مستشار الامن القومي في منصبه، أن الرجلين لم يستطيعا تكوين رؤية موحدة، ولو بالحد الأدنى.
وبانتظار تحديد هوية الشخص الذي سيخلفه في البيت الأبيض، والذي تردد أنه قد يكون نائبه تشارلي كابرمان، سيكون من المبكر القول إن دور بولتون قد انتهى، ذلك مسيرته السياسية منذ عهد دونالد ريغن، تدل على أن الرجل كان، وقد يبقى، محط الاهتمام لدى كل ادارة اميركية، خصوصاً اذا ما اختار هذا الرئيس أو ذاك الجنوح نحو التشدد، بما يتطلب ذلك من استعانة بأشد “الصقور” ضراوة.

كان لا بد من “فك ارتباط” بين ترامب وبولتون برزت مؤشراته بشكل مباشر قبل أسابيع

ومع أن بولتون اكتسب سمعة سيئة خلال فترة رئاسة جورج دبليو بوش، حيث قضى فترة مضطربة لمدة 18 شهراً كسفير للولايات المتحدة في الأمم المتحدة في الفترة 2005-2006، إلا أن ذلك لم يمنع من ضلوعه في أدوار عديدة، الى أن اختار دونالد ترامب ادخاله البيت الأبيض كمستشار للأمن القومي، بالرغم من كونه يمثل “أسوأ المغامرات في السياسة الخارجية الأميركية”، حسبما عبّر أحد الدبلوماسيين الأميركيين المخضرمين حينها.
في الواقع، تبدو “صقورية” بولتون عبارة عن تراكمات تعود الى بدايات مسيرته السياسية، التي انطلق فيها في العام  1964، من بوابة الانتخابات الرئاسية، حين كان ناشطاً في حملة المرشح الجمهوري باري غولدووتر، الذي عُرف بآرائه المعادية للشيوعية.
بعد إكمال دراسته في كلية ماكدونوغ في ماريلاند، حصل بولتون، المولود في 20 تشرين الثاني العام 1948، في مدينة بالتيمور في ماريلاند، ، على منحة للدراسة في جامعة يل، حيث تخرج من كلية الحقوق في العام 1974.
منذ تلك الأيام، بدأت تتكون رؤية بولتون تجاه الحرب والسلم، والتي رسمت على ما يبدو خياراته السياسية اللاحقة، ففي تلك السنوات عارض شباب الجامعات بنشاط حرب فيتنام، لكن بولتون رفض بشدة الانضمام إلى الحملات المناهضة للحرب، وقرر، على ما يبدو، الخروج من جلباب أبيه الذي كان يعمل أطفائياً.
بعد تخرجه من الجامعة، أصبح بولتون موظفاً في شركة المحاماة Covington & Burling في واشنطن (1974-1981).
في العام 1981 ، بدأ جون بولتون العمل في إدارة الرئيس الجمهوري رونالد ريغان (1981-1989) ، لأول مرة كمستشار عام، وفي العامين 1982 و1983 كان نائب مدير البرنامج والتخطيط الاستراتيجي في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية.
في العام 1983، عاد بولتون إلى Covington & Burling ولكن هذه المرة كشريك، حتى العام 1985. وفي الوقت ذاته، كان المدير التنفيذي للجنة تطوير المنصات الانتخابية للحزب الجمهوري قبل الانتخابات الرئاسية للعام 1984.
بين العامين 1985 و1989 شغل بولتون منصب وكيل وزارة العدل في إدارة رونالد ريغان، وتولى مهمة التعيينات في النظام القانوني في الولايات المتحدة.
وفي عهد الرئيس الجمهوري جورج بوش الأب (1989-1993)، شغل منصب مساعد وزيرة الخارجية لشؤون المنظمات الدولية. وبهذه الصفة، دعا إلى إلغاء قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3379 لسنة 1975، الذي يساوي الصهيونية بالعنصرية. في كانون الأول من العام 1991، وتحت ضغط من الولايات المتحدة، صوتت الجمعية العامة لصالح إلغاء هذا القرار.
بعد هزيمة بوش في انتخابات العام 1992، خرج جون بولتون من البيت الأبيض، وعاد لممارسة مهنة المحاماة، ليصبح شريكاً في شركة “ليرنر ريد – بولتون ومكمانوس” (1993-1999).
وفي العام 1997 تم تعيينه نائب الرئيس الأول في معهد American Enterprise، وهو مركز أبحاث محافظ قريب من الحزب الجمهوري، حيث عارض سياسة الرئيس الديموقراطي بيل كلينتون (1993-2001)، ولا سيما قراره بشأن انضمام الولايات المتحدة إلى المحكمة الجنائية الدولية.
مع جورج بوش الابن، وجد جون بولتون ضالته حيث لا ضلال، فالرجلان جمعتهما أفكار مشتركة حول السلم والحرب، ولا سيما فكرة الحروب الوقائية، والتصنيفات الشهيرة في السياسات الخارجية من قبيل “محور الشر” و”الدول المارقة”.
خلال الانتخابات الرئاسية عام 2000، كان بولتون عضواً في فريق من المحامين في مقر الحملة الانتخابية لجورج دبليو بوش.
وفي خضم معركة الأصوات الشهيرة بين جورج بوش الإبن ومنافسه الديموقراطي آل غور، كان بولتون في عملية إعادة الفرز اليدوي لصناديق الاقتراع في ولاية فلوريدا، حيث فاز بوش بفارق مئات من الأصوات.
في العام 2001 ، استلم بولتون منصب وكيل وزارة الخارجية لمراقبة الأسلحة والأمن الدولي. خلال هذه الفترة، اكتسب سمعة كـ”صقر” داعم لتوسيع النفوذ العسكري والسياسي الأميركي في العالم، والسعي لخط متشدد فيما يتعلق ببلدان مثل كوريا الديمقراطية وإيران وكوبا وروسيا، حيث طالب برفض الولايات المتحدة التصديق على بعض الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها الإدارات السابقة، ولا سيما اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية، وكذلك الانسحاب من معاهدة الحد من التسلح، حيث شارك شخصياً في عمليات إلغاء توقيع واشنطن على بعض منها.
في شهر آب من العام 2005، تم تعيين بولتون مندوباً دائماً في الأمم المتحدة. وبالرغم من معارضة الديموقراطيين، وبعض الجمهوريين، لهذا القرار، مارس بوش حقه الدستوري في تعيين بولتون من دون موافقة مجلس الشيوخ خلال العطلات البرلمانية.
أثناء وجوده في هذا المنصب، لم يخف بولتون موقفه السلبي تجاه المنظمة الدولية، ودعا إلى حلها قائلاً إن “لا وجود للأمم المتحدة” وإنه ينبغي على جميع البلدان أن تتبع الولايات المتحدة بوصفها “زعيم العالم”.
وبعدما ادرك بوش بأن مجلس الشيوخ لن يوافق على تثبيت التعيين، تم طرد بولتون من منصبه في كانون الأول عام 2006.
بين العامين 2007 و2018، عمل جون بولتون في معهد American Enterprise، ومستشاراً لشركة Freedom Capital Investment Management المالية، ومعلقاً على شبكة “فوكس نيوز”، ومستشاراً في شركة المحاماة Kirkland & Ellis، إلى أن تم تعيينه مستشاراً للأمن القومي خلفاً لهربرت ريموند ماكماستر ومايكل فلين اللذين اقالهما ترامب من منصبهما على التوالي في العامين 2017 و2018.
خلال لقاء شهير بين جون بولتون وفلاديمير بوتين في موسكو قبل أشهر، سأل الرئيس الروسي ضيفه “هل أكل نسركم الزيتون وترك السهام؟”، في اشارة الى شعار الولايات المتحدة الذي يصور نسراً يحمل 13 سهماً في يد، وغصناً يحوي 13 حبة زيتون في يد أخرى… أجاب بولتون قائلاً: “انا لا احمل معي زيتوناً”، فرد بوتين: “هذا ما اعتقدته”.
بالأمس أصابت سهام النسر الأميركي جون بولتون شخصياً، ليبقى السؤال: هل سيسمح خلفه لهذا النسر بأن يحمل ولو حبة زيتون واحدة؟!

إقرأ على موقع 180  كامالا هاريس.. الثالثة ثابتة!

Print Friendly, PDF & Email
وسام متى

صحافي لبناني متخصص في الشؤون الدولية

Download WordPress Themes
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  قمة بن سلمان ـ تميم: التجسير مع إدارة بايدن