جمهورية الفساد اللبناني.. نموذج “تهشيل” الشركات العالمية!

"لبنان" بلد المفارقات الجميلة والحزينة. هنالك سبب يدفع أيُّ ثريّ من "لندن" إلى "برشلونة" إلى "دبي" للاحتفال والسهر في "بيروت". لا أحد يُجيد الاستمتاع بالحياة كاللبنانيين. قُدرةٌ على التكيف مع كل شيء. تعايشٌ مع الفساد والفوضى. تكيّفٌ مع الآثام والأعطاب. تقبّل النصب والاحتيال بكل أنواعهما. الرضوخ لكلّ فنون السطو بحقّهم. أمّا رجال السياسة، فحدّث ولا حرج من زمن "لبنان الكبير" إلى "لبنان الفوضى"!

قصصُ الطمع في لبنان لا تنتهي. مصرفيون متواطئون. سياسيون أيضاً متورّطون. تجّار من جهتهم مرتبطون. أمنيّون معهم مشاركون. وقضاة بدورهم منغمسون.

غسْل الأموال يعني أخْذ عائدات “الجرائم” وتنظيفها. هذه الجرائم ليست محصورة بتجارة المخدرات والسلاح، أو الإتجار بالبشر. بل هي تشمل كل الأعمال المشبوهة والسّمسرات والتّنفيعات التي عاصرتها الأجيال كافة، وإن بتفاوت؛ بدءاً من ملفات الفيول المضروب؛ البنزين المغشوش؛ الدواء المزوّر، مافيات الاتصالات والأطعمة الملوثة والمياه المُفخخة إلخ.

إن سرقتَ مصرفاً وأصبح لديك مبلغ هائل، فلا مجال أمامك إلاّ السعي إلى غسل ذاك المال، فيبدو وكأنك قد كسبته بطرق شرعية. فكيف هي الحال إذا نهبتَ خيرات وطن؟

الفساد في لبنان، مهما كانت درجته، ملاصقٌ لغسل الأموال. لذا كان أصحاب السلطة والنفوذ، وعلى مدى عقود، يستغلّون شركات عالمية لمآرب خاصة. هكذا؛ أساء لبنان الى سمعة “شركات” حتى أصبح مدرجاً على اللائحة السوداء لأي استثمار “نظيف”. من هذا المنطلق، يكون تحقيق الإصلاح المرجوّ في كلّ القطاعات خصوصاً الخدماتية كالاتصالات والطاقة تحديداً مِن سابع المستحيلات.

سوناطراك متهمة أم بريئة؟

عندما فُضح ملف الفيول غير المطابق للمواصفات، تسرّع القضاء في “بعض” استنتاجاته. واتُّهم بعدم التخصّص والإلمام في القضايا النفطية. أما مجلس الوزراء، فضرب عرض الحائط بالقرارات القضائية. يومذاك قرّر استكمال العقد مع شركة سوناطراك “Sonatrach” لحين انتهائه برغم عدم حلّ الملفّ قضائياً. في تلك الفترة، راسلت “Sonatrach Petroleum Company” وزارة الطاقة بكتاب شديد اللهجة، أبلغتها فيه بعدم رغبة الشركة الجزائرية الاستمرار بتنفيذ العقد مع الدولة اللبنانية لمصلحة مؤسسة “كهرباء لبنان”، وذلك بسبب فشل “الوزارة” في اتّخاذ أي إجراء للحفاظ على سمعة “Sonatrach” خصوصاً بعد الحملة التي طالتها.. المهمّ، لم يُفهم كيف بدأت الحملة ولا كيف انتهت.

توازياً، انكشفت في الجزائر ممارسات تجارية من قِبل “مسؤولين” في “Sonatrach” بالتواطؤ مع “تجّار” وسماسرة لبنانيين. فتحت الشركة تحقيقاً. تتبّعت مسار الأموال المنهوبة. إلا أن القضاء اللبناني لم يتجاوب معها.. وفي المحصلة تم تمييع الملفّ في لبنان لا بل تجنيس أحد المتورطين من حاملي إحدى الجنسيات العربية!

هكذا، وبعد كلّ الهفوات القضائية والإعلامية المرتكَبة بحقّ شركة دولية، (بغضّ النظر عن مدى تورّط الشركة من عدمه)، لم ينجح لبنان في استقطاب أي شركة جديدة بسبب التخوّف من تسييس ملفّ ما في أية لحظة. وبحسب مصادر وزارة الطاقة، تُهدّد “Sonatrach” باللجوء إلى التحكيم الدولي إذا استمر الملفّ عالقاً قضائياً.

أبرز ثغرة في العقد مع شركتي “Zain” و”Orascom” تتمثّل في فسخ العقد مع “Libancell” و”Celis” قبل انتهاء مدّته، ما أنتج سمسرة لهاتين الشركتين بدل عطل وضرر. ثم حُوّل العقد من “BOT” إلى عقد تشغيل ليصبح هذا النموذج هو الأسوأ وشوّه بالتالي الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتمّ التعاقد مع “Zain” و”Orascom” لإدارة “Touch” و”Alfa”!

المحروقات.. ملف الملفات!

على خطّ آخر، تقدّمت المديرية العامة للنفط في العام 2022، بإخبار لدى النيابة العامة المالية، للتحقيق بفقدان كميات من المواد النفطية في منشأة طرابلس. هذه المرّة أيضاً، كثيرة كانت الاعتراضات على الاستنسابية و”التخبيص” في طريقة إدارة التحقيق قضائياً. ووِفقاً لمصدر مطّلع على المسار القضائي الذي دخل عامه الثاني، كانت التحقيقات بدائية ومبنيّة على عنصر الاعترافات قسراً، من دون أي دلائل حسّية مرتكزة على البيانات العلميّة والتقنية. كذلك، لم تتعمّق التحقيقات في درجة تورّط موظفي التعبئة في المنشآت في عمليات التلاعب بالكميات المتواجدة في خزّانات منشأة طرابلس، علماً أنّ المعلومات المتوفّرة في عهدة القضاء تُوجّه أصابع الاتّهام وبوضوح تام إلى (ج. ع.) صاحب شركة “OJM”. في هذا السياق، علم موقع “180Post ” أنّ “بعض” الشركات الموزّعة، ذات العلاقة المباشرة بعدد من عمال المنشآت تقوم باستبدال دفاتر كَيل صهاريج كبيرة بأخرى صغيرة، ما يعني عملياً أن الأنصبة من الفروقات في الكميات تُوزّع بين الشركات المتورّطة والموظفين المتواطئين، الأمر الذي يُنتج فقدان كلّ هذه الكميات. وللمفارقة أيضاً، أنّ الغالبية الساحقة من الكميات المفقودة قد اختفت خلال الأيام التي جاءت فيها شركة “OJM” لاستلام كميات الديزل أويل لزوم شركات “Alfa” و”Touch” و”Ogero”. هنا فُقدت كميات من المخزون من دون أية مبرّرات. ومن ثمّ ظهرت الفوارق دفترياً. وبرغم ذلك، لم يتمّ استدعاء (ج. ع.) (المتورط أيضاً بملف تهريب المواد النفطية إلى سوريا في زمن حكومة الرئيس حسّان دياب). وهنا لبّ الموضوع: بحسب الأرقام، كانت شركة “OJM”، تُسلّم قطاع الاتصالات ديزل أويل بفاتورة سنوية (3.6 مليون ليتر شهرياً) تتخطّى الـ30 مليون دولار سنوياً كالآتي:

– 1.1 مليون ليتر شهرياً لـ”Touch”.

– 1.1 مليون ليتر شهرياً لـ”Alfa”.

– 1.4 مليون ليتر لـ”Ogero”.

نظرياً، (عملاً ببنود العقود) بقي الوضع هكذا لأكثر من 10 أعوام. وبحسبة بسيطة تكون شركة “OJM” قد تعاملت بـ 300 مليون دولار من جرّاء تأدية دور الوسيط. فهي كانت تستلم الديزل من منشأتَي طرابلس والزهراني بالسعر المدعوم، وتُسلّمه إلى “Alfa” و”Touch” و”Ogero” بسعر السوق من دون أية مناقصة أو دفتر شروط.

إقرأ على موقع 180  مئوية الصيغة المحتضرة..  ومئوية الدولة المرجوة

لم تلتزم الشركة قطّ ببنود العقود الموقّعة مع الشركتين المشغّلتين للخليوي وكذلك مع”Ogero”. وكانت شركة “OJM” تُسلّم قطاع الاتصالات كميات أقلّ من تلك المتّفق عليها بحوالى النصف، وتتقاضى الثمن كاملاً.

ماذا كان يحصل؟

إذا كان لمحطّة إرسال خزان بسعة 5000 ليتر، كانت الشركة الموزّعة أي “OJM” تُعبّئ 2500 ليتر وتتقاضى ثمن الـ5000.

“يسهل إثبات وتوثيق هذه التلاعبات إذا احتُسبت ساعات استهلاك المولّدات الخاصة بمحطات الإرسال، مقارنة بكمية الاستهلاك. هكذا تظهر الفوارق”، يقول مصدر قانوني متابع لملف الاتصالات لـ”180Post”، ويضيف: بهذه البساطة، كانت شركة “OJM” تسرق الشركات المشغّلة لقطاع الخليوي، ومعها الدولة اللبنانيّة ومنشآت النفط، إذ أنها كانت الحسيب والرقيب والمُورّد في آن واحد”.

 وهنا لا بدّ من استذكار ماذا حصل في العام 2013 خلال عهد رئيس لجنة إدارة المنشآت سركيس حليس. وقتذاك، ولأجل تخفيف وطأة أسعار الطاقة على المواطنين، تقرّر إعفاء مادة المازوت الأحمر المستوردة من قِبل منشآت النفط في طرابلس والزهراني من رسم الضريبة على القيمة المضافة “TVA”، وذلك في ضوء الارتفاع العالمي الكبير لأسعار النفط وتأثيره سلباً على القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، لا سيّما وأن مادة المازوت الأحمر تُعتبر سلعة أساسية استراتيجية للقطاعات الإنتاجية والصناعية والزراعية وتأمين التدفئة.

حينذاك، عادت الحكومة وقرّرت إلغاء هذا الدعم الذي أثبت عدم جدواه لأن الدعم المباشر الموسمي، أصبح يُشكّل تجارة موسمية يستفيد منها تجار المادة ويُحرم منها المواطن.

عشية بدء العمل بالتسعيرة الجديدة الخاضعة لضريبة الـTVA، فتحت المنشآت أبوابها لساعات متأخرة من الليل لتسليم البضاعة، وكان أكبر المستفيدين هو (ج. ع.).

هكذا استمرّت السرقات من حساب المنشآت والشركات المشغّلة في قطاع الاتصالات، بعشرات ملايين الدولارات، حتى اليوم.

من جهتهما، كانت شركتا “Zain” و”Orascom” عاجزتَين عن الاعتراض. أما “Ogero” والمنشآت، فحدّث ولا حرج.

منذ العام 2004 يتمّ تجديد العقد الخلوي علماً أنه يقضم الكثير من الأموال المفترض أن تكون للدولة، ليس من قِبل الشركتين المشغّلتين، بل من قِبل الدولة نفسها التي تفرض سمسرات لجهات ثالثة، أمثال”OJM”

عقدان من التجديد التلقائي!

في هذا السياق، مِن المُفيد التذكير أنّ “Alfa” و”Touch” حازتا على مناقصة العقد التشغيلي للخلوي في 29 آذار/مارس 2004. كان ذلك على أساس قرار مجلس الوزراء المتخذ بتاريخ 26 شباط/فبراير 2004. ومنذ العام 2004 يتمّ تجديد العقد الخلوي علماً أنه يقضم الكثير من الأموال المفترض أن تكون للدولة، ليس من قِبل الشركتين المشغّلتين، بل من قِبل الدولة نفسها التي تفرض سمسرات لجهات ثالثة، أمثال”OJM”.

ولعل أبرز ثغرة في العقد مع شركتي “Zain” و”Orascom” تتمثّل في فسخ العقد مع “Libancell” و”Celis” قبل انتهاء مدّته، ما أنتج سمسرة لهاتين الشركتين كبدل عن العطل والضرر. ثم حُوّل العقد من “BOT” إلى عقد تشغيل ليُصبح هذا النموذج هو الأسوأ وشوّه بالتالي الشراكة بين القطاعين العام والخاص بقرار وزاري. ثم تمّ التعاقد مع “Zain” و”Orascom” لإدارة “Touch” و”Alfa”. عملياً، كانت وزارة الاتصالات هي الآمر الناهي. فقد عُدّلت العقود بعد العام 2012، ولم يعد من سقف مالي للنفقات التشغيلية. ولم تكن الشركتان تُديران عملية إنفاقهما، التي حُوّلت إلى وزير الاتصالات. هكذا لم يعُد للشركتين أي قرار. منذ ذاك الوقت والإيرادات في تناقص، أما النفقات فإلى ارتفاع غب المحسوبيات والزبائنية السياسية.

أما المسؤوليات، فكانت تتحمّل أكبادها إعلامياً الشركتان بدلاً من الوزراء الّذين لم يُنتجوا سوى تضخيم الإنفاقات الرأسماليّة والتشغيليّة والتنفيعيّة. كلّ ذلك، من دون أن ننسى طبعاً الكتاب الذي أرسلته “Zain” الى وزارة الاتصالات في العام 2019. في هذا الكتاب، أعربت الشركة عن عدم رغبتها في تجديد العقد إذا لم تقم الوزارة بإعداد دفتر شروط شفّاف وواضح تحضيراً لإجراء مناقصة، والسبب هو الضرر الذي أُلحق بسمعة الشركة العالمية التي تعمل في قطاع الاتصالات في أكثر من ثماني دول جراء عملها في السوق اللبنانية.

بالنتيجة، وبدءاً من “سوناطراك” إلى “زين” و”أوراسكوم”.. واللائحة تطول عن شركات لم تعُد ترى لبنان موجوداً. لذا، فإنّ الحلّ لن يكون أبداً بصبّ اللوم على هذه الشركات وحدها، فيما المنتفعون بلا محاسبة ولا مساءلة، وهؤلاء ينتظرون عند مفترقات الطرق والمناقصات أي شركة دولية تحط رحالها في لبنان من أجل اخضاعها لبروتوكولات الفساد اللبناني.

Print Friendly, PDF & Email
إيڤون أنور صعيبي

كاتبة وصحافية لبنانية

Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
free download udemy paid course
إقرأ على موقع 180  كنْ شُجاعاً.. واكفر بما عدا الإنسان!