زيارة أمير قطر لأنقرة.. الاستعداد لـ”اليوم التالي” إقليمياً!

حطّ أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في أنقرة للقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في زيارة وصفت بأنها من خارج جدول الزيارات الرسمية للرجلين.

هذه الزيارة تأتي في سياق الزيارات المتبادلة سنوياً (بمعدل أكثر من مرتين) ويتخللها عقد اجتماعات المجلس الأعلى التركي – القطري، كما تأتي في ظل تطورات متسارعة تشهدها المنطقة منذ أسابيع وتبدو مآلاتها غير محددة الإتجاه في ظل ترقب ثقيل للرد المنتظر من “المحور” على اغتيال كل من رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية (أبو العبد) في قلب طهران والقيادي الكبير في حزب الله فؤاد شكر (السيد محسن) في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، وما بينهما من ضربات شملت مدينة الحديدة اليمنية وجرف الصخر في محافظة بابل جنوب العاصمة العراقية بغداد.

هذه الزيارة، وفقاً للمتابعين، تأتي لتكريس مجموعة من الثوابت التي لا يمكن التغاضي عنها أو القفز فوقها وهي الآتية:

أولاً؛ يُدرك الجانبان القطري والتركي منذ اليوم الأول لمعركة “طوفان الأقصى” في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 أن حرب غزة ستُعيد تظهير أوزان الأطراف الفاعلة في المنطقة وبينها قطر وتركيا الدولتان اللتان تتمتعان بعلاقات وازنة مع أطراف الصراع، أي واشنطن وطهران وموسكو والغرب وحماس وحزب الله، لذا باتت هواجس “اليوم التالي”، فلسطينياً ولبنانياً وإقليمياً، تشغل بال معظم العواصم وبينها أنقرة والدوحة، في ظل حماسة تُعبّر عنها كل من الامارات وإسرائيل والسلطة الفلسطينية لاستثناء حماس من “اليوم التالي”، غزّاوياً وفلسطينياً.

ثانياً؛ مع انتقال قيادة المكتب السياسي في حركة حماس إلى يحيى السنوار، ثمة من يعتقد أن دائرة التأثير المباشر وغير المباشر على حماس باتت بحاجة للنقاش، بخاصة أن انتخاب السنوار أتى عقب سلسلة من الضغوط مورست على كل المرشحين المحتملين من أجل إفساح المجال أمام وصول الرجل الذي يُوصف بأنه الأكثر تشدداً وعناداً في التعامل مع ملف مفاوضات الأسرى و”اليوم التالي” وبالتالي توجيه رسائل حازمة للجانبين الإسرائيلي والأميركي بأن قتل المفاوض الفلسطيني الرئيسي سينقل المعادلة باتجاه مفاوضة “القاتل” مباشرة (حسب التعبير الإسرائيلي). وهذا الأمر سيكون مثار بحث في لقاء أمير قطر ورئيس تركيا.

القطريون يملكون مقاربة مفادها أن قدرة القيادتين التركية والسورية في هذه اللحظة الفارقة، على التوصل إلى تفاهم على المبادئ العامة للتطبيع بين البلدين مرهونة بالدور الذي ستلعبه إيران في سوريا مستقبلاً وبحجم التأثير الذي سيتعين على موسكو ممارسته لأجل التوصل إلى تسوية سياسية في سوريا

ثالثاً؛ ثمة نظرة لدى الجانبين القطري والتركي ترتكز إلى العمل على خلق أرضية لوقف التصعيد والتوتر الإقليمي، فالدوحة المنخرطة في مفاوضات مع مصر والولايات المتحدة والتي تستضيف اجتماعات التفاوض على أرضها منذ نحو عشرة أشهر، باتت تدرك أن رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو يمارس سياسة اللعب على الوقت ريثما ينجلي غبار المعركة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة بين الديموقراطيين والجمهوريين، وهو يُعوّل على وصول صديقه دونالد ترامب، لذا يبدو ظاهراً أن نشاط أنقرة يتقاطع مع الرغبة القطرية في محاصرة رغبات الجانب الإسرائيلي عبر الدفع باتجاه عدم إعطاء أي ذريعة لنتنياهو في تصعيد الموقف إقليمياً.

رابعاً؛ على الرغم من عدم ظهور أي دور تركي فاعل في الملف اللبناني لأسباب تعني السياسة الخارجية التركية، إلا أن التصريحات الأخيرة لأردوغان حول الوقوف مع لبنان والتلويح بالتدخل في حال حصل عدوان إسرائيلي واسع على لبنان، تنطوي في عمقها على مسارين، الأول، الوفود الأمنية والدبلوماسية التركية التي باتت تحج إلى بيروت في أعقاب “طوفان الأقصى”، والثاني، الجهد القطري الحاصل منذ حوالي السنتين في ملف رئاسة الجمهورية ولاحقاً في ملف التفاوض على “اليوم التالي” في جنوب لبنان وكيفية تنفيذ القرار الدولي الرقم 1701، في ظل ما يحكى عن زيارة مرتقبة لرئيس جهاز الاستخبارات التركية إبراهيم كالن لبيروت خلال الأيام القليلة المقبلة.

خامساً؛ تترافق اللقاءات القطرية – التركية مع أخرى تجري بين مسؤولين من أنقرة والدوحة وآخرين من موسكو وطهران، والزيارة التي أجراها سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي سيرغي شويغو لطهران، والتي سبقه إليها مسؤولون أتراك وقطريون، كلها جزء من حراك إقليمي ودولي هدفه تجنب الحرب الإقليمية الشاملة، وذلك في ظل ما يحكى عن تقاطع مصلحي بين الأميركيين والإسرائيليين لرفع سقف المواجهة لفرض وقائع تؤدي إلى تدخل عسكري أميركي مباشر في البحر المتوسط والشرق الأوسط بعد ما كان البحث متمحوراً قبل “طوفان الأقصى” حول كيفية تقليص الوجود العسكري الأميركي في كل من سوريا والعراق، وثمة ما نقله وزير الخارجية التركي هاكان فيدان للإيرانيين حول الحشود البحرية الأميركية في المنطقة، ووضعها في إطار التموضع تحسباً لأي “زلة قدم” قد يستخدمها نتنياهو ذريعة للذهاب نحو مغامرة من شأنها أن تُشعل المنطقة.

إقرأ على موقع 180  في أن تنتصر وتصفح

سادساً؛ في ضوء المحاولات المستمرة للتطبيع السوري – التركي، ودخول السعودية ومصر إلى جانب روسيا تعزيزاً لهذا المسار، من اللافت للانتباه أن يضع الجانب التركي حليفه القطري في تطورات السير في هذا الطريق المتشعب، وبخاصة أن موسكو التي استقبلت بشار الأسد منذ حوالي الأسبوعين تعمل على تحقيق هذه الخطوة مهما بدت صعبة، بالمقابل، فإن القطريين يملكون مقاربة مفادها أن قدرة القيادتين التركية والسورية في هذه اللحظة الفارقة، على التوصل إلى تفاهم على المبادئ العامة للتطبيع بين البلدين مرهونة بالدور الذي ستلعبه إيران في سوريا مستقبلاً وبحجم التأثير الذي سيتعين على موسكو ممارسته لأجل التوصل إلى تسوية سياسية في سوريا ترضي جميع الأطراف الداخلية. كما من غير المتصور أن يُعقد لقاء بين أردوغان والأسد قبل التوصل إلى تفاهم على مبادئ التطبيع ودور الأطراف الأخرى في المشهد السوري.

وعليه فإن زيارة أمير قطر إلى أنقرة تحمل في طياتها تفاهمات يجري تثبيتها في هذه اللحظة الصعبة والخطرة التي تُزنّر المنطقة وتبدو أنها مستمرة بالحد الأدنى حتى مطلع العام 2025، فنحن أمام مشهدية مغايرة بعد اغتيال هنية في طهران وضرب الضاحية الجنوبية لبيروت وها هو العالم يترقب متى وكيف سيرد كلٌ من حزب الله والإيرانيون، من هنا فإن التحالف القطري – التركي من شأنه أن يخلق توازناً في المرحلة التي ستلي انتهاء الحرب في غزة، خصوصاً وأنهما الدولتان الأكثر “مونة” إلى جانب طهران، على القيادة الحمساوية الجديدة منها أو القديمة!

Print Friendly, PDF & Email
صهيب جوهر

صحافي لبناني وباحث مقيم في مركز "أبعاد" للدراسات الإستراتيجية في لندن

Download WordPress Themes Free
Download Best WordPress Themes Free Download
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
download udemy paid course for free
إقرأ على موقع 180  حزب الله "التهديد المركزي" لإسرائيل.. والعقوبات الأميركية ستشتد