في المصطلح الاجرامي.. والنُخب العربية المُستلبة!

في تونس، وبعد تعيين وزير صهيوني مقرباً من بنيامين نتنياهو في أواسط العقد الثاني من هذا القرن، تأتي محاولة بعض المتصهينين التوانسة المعروفين لأجل فتح فرع لـ"ليكرا" في تونس. حاولوا وفشلوا.. و"ليكرا" هو الاسم المختزل لـ"الرابطة الدولية لمناهضة العنصرية ومعاداة السامية".

ولمن لا يعرف، نقول له إنّ “ليكرا” صهيونية بالكامل. صهيونية النشأة (سنة 1926) والنشاط والهدف. “ليكرا” صهيونية وراء محاربة العنصرية ولك أن تنظر في سجلها في الدفاع عن الفلسطينيين، هي شبيهة “أطباء بلا حدود” و”هيومن رايتس ووتش” مهمتها وأثناء الدفاع عن حقوق الغلابة والمستضعفين في الأرض أن تقوم بعمل أهم وهو ما وجدت من أجله: التغطية على الاجرام الصهيوني، وفي الآن، خدمة أجندات الغرب عندما يريد معاقبة وشيطنة حكومات وطنية من العالم الثالث تعد مارقة في نظره، ما يعني رافضة للهيمنة.. في الحالة الصهيونية، تقوم “ليكرا” بإدانة بعض أعمال الكيان الخفيفة، لنيل المصداقية؛ وهي الطريقة المثلى للتغطية الحقيقية عن جرائمه الحقيقية والكبيرة، والأمر ـ كما يقول المثل الفرنسي ـ القطار الذي يُخفي قطاراً آخر أكثر خطراً.

ثم لماذا إضافة محاربة السامية لاسم هذه الرابطة التي تحارب العنصرية بشكل مطلق، فالإنسانية واحدة ومحاربة العنصرية موقف كوني واحد يتضمن الدفاع عن كل الأعراق والشعوب من أي اعتداء عنصري ومن بينهم اليهود، فلماذا إضافة السامية إلى مناهضة العنصرية؟

إذا اتبعنا هذا المنطق فلا بد أن نبعث منظمات مناهضة العنصرية بعدد الشعوب والأقليات والاثنيات؛ ويصير الأمر كالتالي: الرابطة الدولية لمناهضة العنصرية ومعاداة المسلمين، وأخرى الرابطة الدولية لمناهضة العنصرية ومعاداة السود، وثالثة الرابطة الدولية لمناهضة العنصرية ومعاداة الهنود الحمر، وأخرى لشعب الكاناك وهكذا.. ولا ننسى تأسيس رابطة لها ما يُبرّرها اليوم وهي الرابطة الدولية لمناهضة العنصرية ومعاداة التمييز ضد العرب حيث يُمارس ضدهم في بلدانهم، وأينما كانوا أسوأ أنواع العنصرية؛ بل جعلوا كلمة عربي في كثير من اللغات الأوروبية مرادفة لكل المساوئ والشرور، وكلمة مسلم مرادفة للارهابي. والأمر قديم في أدبيات الغرب وذاكرته الجمعية. فأنت تجد العرب في مسرحيات موليير الذين يطلق عليهم المور (Les maures) أو الموريسك. وهي تسمية وصِفة في الآن تأتي في كل السياقات العنصرية. والفرنسي اليوم إذا ما كان في علاقة طيبة مع مصري، أو جزائري، أو لبناني، نراه يدعوه باسم بلده فيقول المصري وغيره وإذا ما ظهر من هذا المصري أو الجزائري ما يسوء، نَعَتهُ رأساً بالعربي. وتعتبر تلك لدى الفرنسي شتيمة. وهو لا يحتاج لإضافة إهانة أخرى فهي لديه أقصى الإهانات.. يقولون (C’est un arabe) هو عربي ويكفي هذا النعت لإقناع المستمع بأن الشخص المقصود سيء ويمثل كل الشرور.

منذ أكثر من خمس وسبعين سنة هناك حفل قتل يومي متواصل للفلسطيني، ولكن لا تراه في صحافة الغرب.. واليوم يقتل الأطفال في غزة وكامل فلسطين بشكل وحشي لم يشهده التاريخ؛ ولم ينبس أي رئيس أوروبي بكلمة استنكار واحدة

اتباعاً لهذا المنطق أسأل: هل نبعث منظمات بأعداد الأجناس والأعراق البشرية فوق الأرض؟ وإذا كانت محاربة العداء للسامية منصوصة حصرا في اسم هذه المنظمة. فهل يعني ذلك أنه صار مسموحاً العداء للشعوب والأجناس والأقوام الأخرى؟ ثم، هل اليهود فقط هم الساميون؟ ثم، لماذا يفرض الغرب علينا سرديته للتاريخ المعاصر؟ لماذا يورطنا في جرائمه إزاء اليهود، ولا بد لنا من ذرف الدموع ودفع فاتورة أعمال لم نقترفها؟

الرجل الأبيض هو من عادى اليهود في الحرب العالمية الثانية وما قبلها؛ هو من مارس محارق اليهود على امتداد القرون في روسيا والمملكة المتحدة وفرنسا ويوغسلافيا وأخيراً في ألمانيا؛ وهو من يُطالبنا اليوم بدفع فواتيره. معاداة السامية مسألة غربية مسيحية محضة تعود إلى فجر تاريخهم عندما صلب اليهود نبيهم. اليهود عندنا كانوا دائماً أهل ذمة، يعني كما ورد في الأثر في ذمة الله ورسوله أي في عهدة وحماية الله ورسوله. لم نسمع عبر التاريخ العربي الإسلامي أن ملكاً أو حاكماً عربياً أو مسلماً أمر بقتل أو اضطهاد اليهود.

واليوم هم أوهموا رهطاً من حداثيي العرب وكذلك من فرانكوفونيي المغرب العربي (وأقصد بهم تلك الطائفة من المثقفين الذين لا يعرفون ثقافة شعوبهم ولا يعرفون اللغة العربية بل يتكلمون لهجات بلدانهم بنوع من اللكنة أن الذمة هي شكل من معاداة السامية)؛ أوهموا هؤلاء أننا معادون للسامية؛ ولأن هذه النخب العربية مستلبة وتجهل تاريخها ومعاني الذمة والذميين فهي تُردّد مصطلح معاداة السامية في غير سياقها التاريخي.

كان اليهود في المدينة العربية الإسلامية أهل ذمة، ويدفعون الجزية مقابل حمايتهم، لأنهم لا يشاركون في حروب تلك العصور التي كانت دينية، فليس من المنطق أن تفرض على اليهودي أن يُضحي بحياته دفاعاً عن الإسلام؛ كما فعلت البلدان الاستعمارية مثل إنجلترا وفرنسا، عندما جندت الأخيرة عشرات الآلاف من الشباب العرب ودفعت بهم إلى جبهات القتال في فيتنام وسوريا، وقبلها في الحرب العالمية الأولى ثم الثانية ليموتوا فداء جلادي شعوبهم.

إقرأ على موقع 180  الممر الهندي الخليجي الأوروبي.. ماذا إذا تعثر؟ 

واليوم كثير من الصحافيين بل المثقفين العرب ممن يدعي الحداثة يُردّدون مصطلح معاداة السامية كما لو أننا أجرمنا في حق اليهود..

ولكن هذا الغرب الذي يشعر بعقدة الذنب إزاء اليهود نراه اليوم يمارس الصمت الاجرامي حول ما يُقترف من إبادة جماعية في فلسطين. الصمت الذي أتقنوه على مدار العقود الماضية. ومنذ أكثر من خمس وسبعين سنة هناك حفل قتل يومي متواصل للفلسطيني، ولكن لا تراه في صحافة الغرب.. واليوم يقتل الأطفال في غزة وكامل فلسطين بشكل وحشي لم يشهده التاريخ؛ ولم ينبس أي رئيس أوروبي بكلمة استنكار واحدة. قلت لمحدثي الهولندي أفهم أن تكون أوروبا الغربية مناصرة للكيان الصهيوني ولكنني لا أفهم الصمت عن قتل الأطفال الفلسطينيين بهذه الشناعة. أين المبادئ التي قامت عليها ثقافتكم وكياناتكم منذ عصر النهضة؟ ولم يحر صديقي جواباً..

هم أقاموا مناحات طويلة على رجل مثل جمال الخاشقجي الذي لا أدري كم هو عدد ضحاياه عندما كان موظفاً في الجهاز الاستخباراتي السعودي؛ ومن قبله أقاموا مناحة ابتزازية على اغتيال رفيق الحريري وأحدثوا له محكمة خاصة، وأتذكر صورة جلعاد شاليط الجندي الصهيوني الذي أُسِر في الحرب وهي تتصدر صفحات كل الجرائد اليومية من إيطاليا وفرنسا إلى ألمانيا وانجلترا وكندا وبطبيعة الحال الولايات المتحدة الأميركية.. الرجل جندي صهيوني وأسر أثناء القتال فهل هناك من اجرام، حتى تتم كل هذه الإدانة العالمية للفلسطينيين؟ وقصص البروباغندا والزيف الاعلامي حتماً لا تنتهي.

Print Friendly, PDF & Email
خالد النجّار

كاتب، شاعر، مترجم، من تونس

Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  الفوضى العالمية الآتية.. حرب ضد البيئة والبشرية