الصهيونية Archives - 180Post

750-9.jpg

أظن، وبعض الظن في أيامنا الراهنة اجتهاد مستحق وضروري، أظن أن التاريخ، حسب ما وصل منه إلينا وحسب بعض منه نعيشه بأشخاصنا أو بأوهامنا وأحلامنا، ربما لم يشهد أو يعايش بيئة متدهورة محيطة بمواقع صنع السياسات بالشرق الأوسط كالبيئة الراهنة.

gaza-para-mi.jpg

عشتُ معظم سنين عمري المديد أتعامل مع مفاهيم في السياسة وبخاصة الخارجية منها، لأكتشف الآن، أنها، جميعها أو أغلبها، خانت عهودها فتغيّرت، أو لعلها بقيت على حالها فتجمدت، بينما كنا، نحن الفاعلين الدوليين، أفراداً ودولاً ومؤسسات وجمعيات، نتغير أو في واقع الحال كنا بالفعل قد تغيرنا.

800-5.jpg

لكل إبادة تمرحليّة خاصة بها، لا بد أن نتيقن لذلك كما يتيقن الغزيّون وهم يحدّقون في إنزالات المساعدات، أن الأمر بإعدامهم قد أُبرم إبراماً لا رجعة فيه، تحت لهيب شمس الأبيض المتوسّط المحتل.

IMG_3630.jpeg

جاع أبناء شعبي. بعضهم جاع حدّ النسيان. يَصلون إلى المشافي المتهالكة يشكون من احساس بالتيه – وهنٌ يخشون أنه يمس ذاكرتهم. يذهبون بما تبقى فيهم من حولٍ وقوّة لينقذوا ذاكرتَهم! أما نحن ها هنا ففي تيهِنا ممعنين، نُلهي الذاكرة بما يخفف عنا وطأة ضلوعنا في هذه المذبحة.

1212121212121212.jpg

ثمة ما يُحضَّر في الخفاء. جيوش الإعلام والثقافة وصناعة الوعي تحتشد على الجبهة المعادية. الغاية: إعادة إعمار الكيان بعد ارتكابه جريمة الإبادة الجماعية. إعمارٌ ليس على مستوى البنيان، بل على مستوى الصورة. إعادة تأهيل صورة "إسرائيل" حتى تعود كما كانت؛ قاعدة متقدمة لحماية المصالح الجيوسياسية الغربية في المنطقة. بعد أكبر جريمة عرفها التاريخ، يُصبح السؤال: هل أصبحت الإبادة ممكنة في أي وقت وأي مكان، تُشرّعها مؤسسات ونظم وأيديولوجيات تحكم العالم وتتحكم بمصائر الشعوب؟ 

000000.jpg

ذهب المحللون بعيداً في تحليلاتهم حول الانقلاب المفاجئ في الموقف الأوروبي، من لغة مُطبّعة مع فعل العقاب الجماعي، إلى لغة تدين الـ"تمادي" الإسرائيليّ وتبدي قلقاً ازاء مصير الجمع البشري المجوّع في قطاع غزة. يتفاعل الخطاب العام مع هذا التحوّل، تارة بإدانة تأخّره وتارة أخرى بالتصفيق له ودعوة الانظمة العربية أو كما يحب الكثيرون وصفهم بـ"الحكام العرب"، إلى استثمار هذا التغيير من أجل تخفيف بعض من المأسي التي يعيشها الفلسطينيون في ظل المقتلة المستمرة بحق وجودهم ببعديه المادي والوجداني. وبين هذا وذاك يبقى لسان حال الكتابات الصحفية والأكاديمية على حد سواء هو البحث عن معضلة "الحل العادل للقضية الفلسطينية"، بعيداً عن أي تحليل ماديّ أو أيديولوجي لراهنية البنية الفلسطينية من جهة والإسرائيلية من جهةٍ أُخرى.

17.jpg

في واحدة من المفارقات الغريبة في التاريخ السياسي المعاصر، تقصف إيران اليوم الكيبوتسات الإسرائيلية نفسها التي امتدحها جلال آل أحمد، المفكر الإيراني الذي وضع الأسس النظرية لمقاومة "الغربزدكية" أو "غرب‌زدگی" (نزعة التغريب) ومقاومة الهيمنة الثقافية الغربية في مطلع ستينيات القرن المنصرم. هذا التناقض بين الماضي والحاضر يكشف عن تعقيدات عميقة في تطور الفكر السياسي الإيراني عبر أكثر من نصف قرن من الزمن.

3434343.jpg

ضَربَت إيران منشآتٍ ومواقع ذات أهمية يحتلها العدو الإسرائيلي. سَهَر كثير الناس مع الضربات، يطربون لأصوات الانفجارات، ويستعذبون الشَّرر وألسنة اللهب المندلعة هنا وهناك، ويتحمَّسون مُطالبين بالمزيد، متجاوزين ما كان من شِقاق. مَوقِع وثانٍ، ضربة وأخرى؛ ردُّ يشفي بعضَ الغليل ولو أعقبه انتقامٌ واسع مُتعدّد الأقطاب، وقد تأكد للمتفرجين أن بالإمكانِ ما اتحدوا درءَ العدوان، وانتزاعَ الحقوقِ، واستردادَ شيءٍ من الكرامة المُراقَة على صفحة الأرض.

f.jpg

غزةُ فلسطين أعادت الغرب إلى صف الحضانة لتعلّمه من جديد دروس حقوق الإنسان والحرية والعدالة، تعلّمه درساً نسيه منذ زمن، وسط ضجيج "العداء للسامية" الذي يصّم الآذان ويضغط على العقول ويشوش الفكر؛ أيقظت فيه الحس الإنساني بعدما تبلّد مع طغيان الذكاء الاصطناعي (الذي تحتكره في الغرب الشركات الصهيونية العملاقة) على الذكاء الإنساني الفطري.

capitalism.jpg

الكرةُ الأرضيةُ باتت كرةَ نار. تستعِرُ في كلِّ الجوانب. الحربُ العالميّةُ ليستْ مقبلة. إنَّها قائمةٌ فعلياً ولو بالتقسيطِ الإستراتيجي. الجبهاتُ ثلاثيّة الأبعاد: عسكرياً واقتصادياً وثقافيَّاً. لا ميدانَ خارجَ هذا الصراع ِمهما يكنْ بسيطاً. الرأسماليّةُ الإمبراطوريةُ أوْدَتْ بالعالم إلى هذا الاحتراق.