“اليونيفيل” تنتظر تمديد ولايتها.. فتتمدد نحو شمال لبنان!

عشية التجديد لعمل القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل)، آخر الشهر الجاري، وفي الوقت الذي يبدو فيه الجانب اللبناني مطمئناً إلى عدم وجود نوايا غربية بطرح أي تعديل على عملها، ثمة ارتياب من عمل بعض وحداتها، وخشية من تمدد عملها إلى شمال نهر الليطاني تحت عنوان "المساعدات الإنسانية".

يكاد لا يمر شهرٌ واحدٌ من دون أن يضج الإعلام اللبناني بحدث ناتج عن تجاوز “اليونيفيل” نطاق عملها في الجنوب اللبناني، لا سيما في ظل الحرب الدائرة منذ الثامن من تشرين الأول/أكتوبر الماضي على طول حدود جبهة الإسناد اللبنانية، وكان آخرها ما حصل مع دورية للقوات الفرنسية رفقة الجيش اللبناني في بلدة كفر حمام في منطقة العرقوب (قضاء حاصبيا)، بحيث تجاوزت الدورية المسار المرسوم لها مسبقاً، واللافت للانتباه أن مسيرة إسرائيلية استهدفت المكان بعد ترك الدورية الفرنسية المكان بوقت وجيز. طبعاً حصل أمرٌ مماثلٌ مع دورية فرنسية أخرى، قبلاً، في عيتا الشعب (قضاء بنت جبيل)، عندما استهدف العدو منصة صاروخية للمقاومة.

وثمة انطباع لبناني بأن القوات الفرنسية “مصرّةٌ على تجاوز صلاحياتها بخلاف الوحدات الأخرى الملتزمة حدود الصلاحيات المناطة بها، إذ لا تخلو دورية فرنسية من استحواذ عناصرها على كاميرات خاصة، في الوقت الذي يُحذر فيه الجيش اللبناني ضباط وجنود “القبعات الزرق” من القيام بأي عملية تصوير، وغالباً ما تحصل ملاسنات بين ضباط “اليونيفيل” ونظرائهم من الجيش اللبناني، أثناء تسيير الدوريات المشتركة في جنوب الليطاني”.

والخطورة لا تكمن هنا، إنما في الدوريات التي تقوم بها قوات الطوارئ من دون رفقة الجيش اللبناني، بسبب نقص عديد الأخير، وعدم قدرته على مواكبة كل الدوريات التي تتراوح بين 240 و250 دورية يومياً. وثمة معلومات بأن الجيش اللبناني بالكاد يواكب 8% من حركة تلك الدوريات. إذ بات من الطبيعي أن تلتقي وأنت تتجول في أرجاء الجنوب بدوريات لقوات “اليونيفيل” من دون أي مواكبة عسكرية لبنانية.

وتتماهى تجاوزات القوات الفرنسية مع مواقف باريس الداعمة بقوة لإسرائيل، في الوقت الذي حصر جيش الأخيرة معظم اتصالاته في الآونة الأخيرة بالقوات الدولية من خلال قيادة القوة الفرنسية، وبالتالي يتم، في معظم الأحيان، تجاهل قائد القوات الدولية الإسباني الجنرال آرولدو لازارو (Aroldo Lazaro)، بسبب مواقف بلاده المناصرة للقضية الفلسطينية، لا سيما بعد اعترافها بدولة فلسطين.

والجدير ذكره أن وتيرة التعاون والتنسيق بين الجيش اللبناني و”اليونيفيل” تطورت في ضوء الحرب المستمرة منذ أكثر من عشرة أشهر، وذلك لناحية تواصل الأخيرة مع الجانب الإسرائيلي حتى يتسنى للجيش اللبناني إجلاء الجرحى المدنيين وشهداء المقاومة في مدن وقرى الحافة الحدودية الجنوبية ضمن أوقات محددة بالدقائق، والإفادة مسبقاً عن عدد عناصر الدورية بالضبط، واشترط الإسرائيلي أن يكونوا باللباس العسكري، حيث اعترضوا في البداية على وجود عنصر مخابرات (لبناني) في كل مهمة. هذا، إضافة إلى ترتيب “أذونات” لدفن الموتى وأمور أخرى تهم الجنوبيين أو لجهة أعمال تتعلق بإدارات الدولة (كهرباء، مياه، اتصالات، إلخ..)، ويتم ذلك بمواكبة من الجيش اللبناني، مع العلم أن الجيش الإسرائيلي لا يُعطي “إذناً” مضموناً، إنما يأتي ردّه على برقية “اليونيفيل” مُذيلاً بعبارة مختصرة (عُلم) أو (جرى أخذ العلم)، وأثبتت التجربة طوال شهور أن الإسرائيلي أخلّ بـ”الاتفاق” أكثر من مرّة، لا سيما عندما استهدفت مُسيّرة إسرائيلية بلدة طيرحرفا اثناء قيام شركة الاتصالات (MTC) بأعمال الصيانة في شهر أيار/مايو الماضي، وسقط شهيدان، أحدهما من موظفي الشركة (يوسف فادي جلول)، وآخرهو من مسعفي “كشافة الرسالة الإسلامية” (غالب حسين الحاج).

والجدير ذكره أن الدول الغربية ولا سيما الولايات المتحدة الأميركية، لم تتبنَ حتى الآن أي أي تعديل لمهام القوات الدولية، بخلاف ما حصل في العام 2022، حيث طرأ تعديل أثار حفيظة الدولة اللبنانية لجهة توسيع صلاحيات “اليونيفيل” بما يسمح لها بتسيير دورياتها من دون مرافقة الجيش اللبناني، وهو الأمر الذي تمّت معالجته في العام التالي (2023) بفتوى على الطريقة اللبنانية، بحيث يُمكن للقوات الدولية تسيير دوريات منفردة شرط التنسيق مع الحكومة اللبنانية، غير أن ذلك لم يمنع إسرائيل من استغلال الموقف من أجل فرض شروط جديدة لتجديد مهمة جنود وضباط “القبعات الزرق”.

وفضلاً عن التجاوزات الآنفة الذكر، “ثمة تمدد للقوات الدولية خارج نطاق عملها، أي من جنوب نهر الليطاني إلى شماله وصولاً إلى طرابلس، وذلك عن طريق اللجنة الفنية العسكرية للبنان (MTC4L) بقيادة الدولة الإيطالية، والتي تقوم بتقديم مساعدات عينية مختلفة. وكانت باكورة أعمالها تقديم مساعدات غذائية في طرابلس، ومؤخراً في صيدا، إذ سلّمت اللجنة رئيس بلدية صيدا الدكتور حازم خضر بديع في مبنى البلدية هبة عينية عبارة عن ملابس للأطفال. مع العلم ان هذه اللجنة لا تنحصر مهمتها بالجوانب الإنسانية، إنما تُقدّم دعماً للجيش اللبناني لناحية تقديم معدات من مستلزمات بناء المراكز العسكرية وفي مجال التدريب أيضاً”، بحسب أوساط ديبلوماسية لبنانية ترصد حركة قيادة “اليونيفيل”.

إقرأ على موقع 180  البلطجة السياسية.. عون والحريري نموذجاً!

والمفارقة هنا، أن هذا كلّه يجري في الوقت الذي تتحسب فيه القوات الدولية لاحتمالات تدهور الموقف على طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية، بدليل إجلاء كل عائلات الموظفين الأجانب إلى بلادهم، ومضاعفة تخزين المواد الغذائية بشكل لافت للانتباه “استعداداً لاحتمال حرب طويلة ينفصل فيها الجنوب اللبناني عن بقية الأراضي اللبنانية”، بحسب مصدر غير رسمي في قوات “اليونيفيل”.

في الخلاصة، من المقرر أن يجتمع مجلس الأمن يوم الخميس المقبل في التاسع والعشرين من الشهر الجاري من أجل مناقشة الصيغة الفرنسية للتمديد لقوات “اليونيفيل” لمدة سنة جديدة، وثمة خشية لبنانية من حراك ديبلوماسي إسرائيلي في مجلس الأمن في الأيام الأخيرة، بهدف جعل الجانب الأميركي يتبنى بعض الشروط الإسرائيلية التي تتصل بوجود حزب الله جنوب نهر الليطاني وترتيبات أمنية أخرى، عبر قرار التمديد نفسه، بعدما عجز الإسرائيلي عن فرضها كلها من خلال الميدان وحركة الموفدين الأميركيين والغربيين. فهل تتحرك الدولة اللبنانية ممثلة برئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبدالله بو حبيب بشكل استباقي لمنع أي تعديل في صيغة “اليونيفيل” التي اعتمدت السنة الماضية؟

المناخات التي رافقت وأعقبت رد حزب الله على اغتيال القيادي الكبير فؤاد شكر (السيد محسن)، فجر يوم الأحد المنصرم، تشي بوجود ضوابط دولية وإقليمية تتجاوز رغبة أو قدرة أي لاعب محلي أو اقليمي على تفجير الموقف وأخذ المنطقة والعالم ربما نحو حرب عالمية جديدة.. لذا، يُنتظر أن تربح المعادلة التي تقول بوجوب التمرير الهادىء للتمديد للقوات الدولية من دون أي إخلال بقواعد الإشتباك المعمول بها حالياً.

Print Friendly, PDF & Email
مهدي عقيل

أستاذ جامعي، كاتب لبناني

Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  من القنطرة إلى مرجعيون.. أيام لا تنتسى