خلّدت هوليوود قصة توماس ادوارد لورنس وكتابه “أعمدة الحكمة السبعة” وسيرته في جزيرة العرب وأنتجت عام ١٩٦٢ فيلم “لورنس العرب” الذي يسرد فترة حسّاسة من تاريخ المنطقة العربية في أواخر الحرب العالمية الأولى، وقد عُرض لسنوات في معظم أنحاء العالم ولاقى رواجاً كبيراً واستثنائياً.
لن أدخل في تفاصيل الفيلم وانما أُذكّر بأحد أبطاله عودة أبو تايه الذي مثّل دوره الممثل الشهير أنطوني كوين.. وعودة أبو تايه، لمن لا يعرف، هو شيخ عشيرة الحويطات في شمال الحجاز وجنوب الأردن، وهي عشيرة قوية وكبيرة.
لم يكن لدى عودة الوعي السياسي والوطني مثل غيره من زعماء العشائر الذين أدركتهم الحرب العالمية الأولى وشهدوا كيف انحاز شريف مكة للإنكليز ضد الأتراك العثمانيين. وفي خطوة مفاجئة عام ١٩١٦ هاجم جنود الشريف حسين مواقع الوحدات العثمانية في الحجاز وسيطروا عليها.
كان لورنس يعمل في جزيرة العرب وأتقن اللغة العربية وعرف عادات العشائر وثقافتهم وكان يُمثّل مكتب القاهرة في وزارة الخارجية البريطانية الذي كان معنياً بالسيطرة على جزيرة العرب وفلسطين وبلاد الشام وطرد العثمانيين منها مقدمة لهزيمتهم في الحرب الأولى.
ويروي الفيلم كيف تولى عودة أبو تايه المهمة الصعبة المتمثلة باحتلال العقبة وطرد العثمانيين منها وفتح الطريق للجيش البريطاني للتقدم نحو سيناء وفلسطين.
ويروي جيمس بار في كتابه “خط في الرمال” أن لورنس دفع عشرة آلاف ليرة ذهبية لعودة أبو تايه من أجل احتلال العقبة. وهكذا احتل أنطوني كوين (عودة) وبيتر أوتول (لورنس) العقبة.
وبسبب تعذر الاتصالات في ذاك الزمن، لم يعرف مكتب القاهرة بسيطرة القوات الموالية لبريطانيا على العقبة إلى أن أتاه الخبر من لورنس عندما وصل إلى القاهرة. وبطبيعة الحال، فرح البريطانيون بالخبر.
عندما يتقدم شاب من الحويطات (ماهر جازي) إلى جسر الملك حسين ويتمكن في خطوة جريئة من إطلاق النار وقتل ثلاثة حُرّاس إسرائيليين بحرفية عالية، إنما يدخل “طوفان الأقصى” من الباب العريض ويُسهم بمساندة الشعب الفلسطيني ويُعطى بعداً أردنياً وعربياً للسابع من أكتوبر، ويعيد الاعتبار إلى صورة الحويطات؛ عشيرةً عربيةً شجاعةً تنتصر للشعب الفلسطيني
قد نقول إن عودة أبو تايه زعيم الحويطات خائنٌ لأنه فتح الباب أمام دخول بريطانيا ثم إنشاء دولة إسرائيل. لكن الحق والعدل يدفعنا إلى أن نأخذ بالاعتبار جهل العشائر والنقص في المعلومات السياسية والخبرة لدى الشريف حسين الذي صدّق أن البريطانيين سيقيمون له مملكة عربية تضم العراق وبلاد الشام وجزيرة العرب!
كانت خطوة عشيرة الحويطات جريئة، إذ أنها قاتلت الجيش العثماني ببسالة وسيطرت على العقبة. القرار وتنفيذه تعبير عن مزيج من الجهل والطمع والحقد على الأتراك والثقة الزائفة بالبريطانيين.. كلُ هذه دفعت الحويطات إلى هذه المعركة.
في ٢١ آذار/مارس ١٩٦٨، حاولت قوات إسرائيلية التقدم إلى شرق الأردن وعبرت النهر فعلاً من عدة محاور وبنت جسوراً مستفيدةً من غطاء جوي كثيف. فتصدى لها الجيش الأردني على طول جبهة القتال من أقصى شمال الأردن إلى جنوب البحر الميت. وفي قرية الكرامة، اشتبك الجيش العربي وقوات المقاومة الفلسطينية مع القوات الإسرائيلية، في معركة استمرت نحو ١٦ ساعة تكبدت خلالها القوات الإسرائيلية مقتل ٧٠ عسكرياً وجرح نحو مائة وتدمير ٢٥ دبابة و٧٢ آلية مما اضطرها إلى الإنسحاب الكامل من أرض المعركة تاركةً وراءها للمرة الأولى آليات مدمرة وقتلى من دون أن تتمكن من سحبهم. وهكذا انتصر الجيش الأردني على القوات الإسرائيلية وطردها من أرض المعركة.
كان اللواء مشهور الحُديثة قائد القوة الأردنية التي خاضت هذه المعركة وتمكن بفضل شجاعته وبراعته القيادية من الانتصار بعد أقل من سنة من هزيمة حزيران/يونيو ١٩٦٧حيث قدّم للعرب نصراً أعاد بعضاً من الثقة والمعنويات.
لقد قيل الكثير عن اللواء مشهور، وهو من عشيرة الحويطات في جنوب الأردن، غير أن الأكيد أنه شرّف بانتصاره عشيرته والأردن وعموم العرب، وأعاد العزة للحويطات بعدما أدخلها عودة أبو تايه في دائرة الشك والتخوين.
واليوم عندما يتقدم شاب من الحويطات (ماهر جازي) إلى جسر الملك حسين ويتمكن في خطوة جريئة من إطلاق النار وقتل ثلاثة حُرّاس إسرائيليين بحرفية عالية، إنما يدخل “طوفان الأقصى” من الباب العريض ويُسهم بمساندة الشعب الفلسطيني ويُعطى بعداً أردنياً وعربياً للسابع من أكتوبر، ويعيد الاعتبار إلى صورة الحويطات؛ عشيرةً عربيةً شجاعةً تنتصر للشعب الفلسطيني وترفض التطبيع مع العدو الصهيوني.
بعد عودة أبو تائه، صحّحت الحويطات مسارها وانتهجت المسار الوطني والقومي وتصدّرت عشائر العرب في صورة ابنها اللواء مشهور الحديثي وشهيدها ماهر الجازي.
(*) راجع مقالة: أهل ماهر الجازي.. دمه ليس أغلى من دم أطفال غزة