من جهة، يقول البعض إن سياسة ترامب لن تكون أسوأ من سياسة إدارة جو بايدن فيما يتعلق بالموقف وبالتعامل مع هذه الحرب المفتوحة فى الزمان والمكان. من جهة أخرى، يعتبر بنيامين نتنياهو أن هنالك إرثًا كبيرًا من المكاسب تم تحقيقها مع إدارة ترامب الأولى، الأمر الذى يُشجع حكومة إسرائيل للاستمرار فى سياسة التصعيد العسكرى.
من أهم تلك المكاسب المواقف الخاصة بالصراع الفلسطينى الإسرائيلى، الذى لم يكن على رأس جدول القضايا الإقليمية الساخنة حينذاك، تأييد ترامب واعترافه بضم القدس الشرقية ومرتفعات الجولان لإسرائيل. خطوةٌ وصفت حينذاك أنها بمثابة «هدية» من ترامب لإسرائيل وبالطبع من “كيس” العرب. تلك “المكاسب الإسرائيلية” شكّلت خرقاً فاضحاً لمبادىء القانون الدولى ولقرارات مجلس الأمن ذات الصلة التى أيّدتها الولايات المتحدة.
هل تكون إدارة ترامب الثانية استمرارا شبه كلى فى رؤيتها وتعاملها مع القضايا الساخنة والمتشابكة فى الإقليم، وبعض من اختيروا لمواقع أساسية فى الإدارة القادمة يدفع للحديث عن الاستمرارية، أم أن دروس الماضى والمعطيات الجديدة قد تدفع إلى مقاربات مختلفة. مقارباتٌ ليست بالضرورة نقيضة كلياً للمقاربات السابقة لكنها مستفيدة من دروسها لإعادة تصويب المسار
من جهة أخرى، يقول الرئيس العائد إلى البيت الأبيض أنه سيُحقّق السلام فى المنطقة: بالطبع، هو عنوان أو شعار لا تعرف بعد المضامين التى يشير إليها. كما يرى كثيرون أن التوصل إلى وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية ذات الأهمية القصوى لإسرائيل، مقارنة بجبهة غزة، بسبب القدرات التى تتمتع بها الأطراف الممسكة بها تحت عنوان “وحدة الساحات”، وأيضًا العمق الاستراتيجى لتلك الجبهة لن يكون بالأمر السهل. من المرجح أن تستمر إسرائيل فى حربها المتصاعدة فى الجغرافيا والأهداف لتحقيق أقصى ما يمكن من مكاسب فى الفترة الانتقالية التى يصفها البعض بـ«الرمادية» حتى تسلم الرئيس المنتخب السلطة فى الثلث الأخير من شهر يناير/كانون الثاني.
أما الشروط الإسرائيلية لتحقيق وقف إطلاق النار، ردًا على المبادرة الأمريكية بهذا الخصوص، فلا تسمح بالفعل باستكمال تنفيذ قرار مجلس الأمن ١٧٠١، وذلك لاحتفاظ إسرائيل، حسب إحدى هذه النقاط، بحق خرق هذا القرار تحت عنوان حماية أمنها فى وجه المخاطر التى تراها.
هنالك تفاؤل عند البعض باحتمال حصول خرق دبلوماسى والتوصل إلى وقف لإطلاق النار وتراجع إسرائيل عن تلك الشروط والعودة إلى اقتباس بعض قواعد تفاهم نيسان/أبريل ١٩٩٦ وبخاصة تلك المتعلقة بمجموعة المراقبة، ولكنه يبقى أمراً ضعيفاً فى ظل غياب ضغط دولى فاعل على إسرائيل لا سيما من الولايات المتحدة.
ويرى البعض أن إسرائيل قد تقدم “هدية” وقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية وتولى الجيش اللبنانى السيطرة الكاملة والكلية على المنطقة الواقعة جنوب نهر الليطانى بالتعاون مع “اليونيفيل”، إلى إدارة ترامب حال تسلم مسئولياتها: «هديةٌ» مقابل حصول إسرائيل على مزيد من الدعم الأمريكى لعملية ضم الضفة الغربية، مثل الاعتراف بسيادة إسرائيل على المستوطنات الإسرائيلية فى الضفة الغربية، كما تشير بعض التسريبات الإسرائيلية مؤخراً، الأمر الذى سيزيد من احتمالات التوتر وتسخين الجبهة الإسرائيلية الفلسطينية خاصة فى الضفة الغربية التى هى قلب الصراع والحاملة لتداعيات كثيرة مختلفة الأوجه والأطراف التى تتأثر بتبعاتها وتلك التى قد تستطيع توظيفها فى الصراعات فى الإقليم.
ستأتى إدارة ترامب إلى السلطة فى فترة غليان إقليمى قابل للتوسع بأشكال ودرجات مختلفة وقابل للاحتواء. الأمر الأخير يتطلب توجه واشنطن، بالتعاون مع القوى الدولية والإقليمية الأخرى المؤثرة فى المنطقة ولو بأوزان مختلفة، إلى الانخراط الفاعل فى بلورة تسويات لإطفاء الحرائق المشتعلة وتبريد النقاط الساخنة. هذه التسويات يعتمد نجاحها واستمرارها على احترام الأسس والمبادىء التى تعالج المسببات الفعلية لتلك الحرائق. فهل تكون إدارة ترامب الثانية استمرارا شبه كلى فى رؤيتها وتعاملها مع القضايا الساخنة والمتشابكة فى الإقليم، وبعض من اختيروا لمواقع أساسية فى الإدارة القادمة يدفع للحديث عن الاستمرارية، أم أن دروس الماضى والمعطيات الجديدة قد تدفع إلى مقاربات مختلفة. مقارباتٌ ليست بالضرورة نقيضة كلياً للمقاربات السابقة لكنها مستفيدة من دروسها لإعادة تصويب المسار. هذا ما سنشهده أو نشهد بدايته بعد شهرين من الزمن.
(*) بالتزامن مع “الشروق“