لبنان يواجه امتحان الانتقال من “الوصاية” إلى “الحصانة” الدولية!

كيف قرأت العواصم الأوروبية، خصوصاً باريس (المعنية الأكثر بلبنان نظراً للعلاقات المميزة معه) وبروكسل (عاصمة الإتحاد الأوروبي المواكب لتطور الأوضاع في هذا البلد)، تبعات ما سمِّي بتفاهم "إنهاء التصعيد للأعمال العدائية" بين لبنان واسرائيل؟

“رقابة دولية”، “مظلّة دولية”، “وصاية دولية”.. تعدّدت توصيفات الأوساط الديبلوماسية الأوروبية المتابعة للملف اللبناني لمفاعيل هذا التفاهم على لبنان الذي دخل في “مرحلة جديدة وحقبة لم يعرفها من قبل”، واصفة هذه المرحلة بأنها “دقيقة، مفصلية وخطيرة”.

وأبعد من تفاصيل مندرجات آلية تطبيق القرار 1701 التي نصّ عليها التفاهم والتي صيغت كل كلمة واردة في مضمونها بعناية، سجّلت هذه الأوساط ملاحظات مهمة تتعلق بـ”محورية” لجنة المراقبة التي تشكل الأداة التنفيذية للتفاهم:

1-ثقل اللجنة: تتمتع اللجنة بحضور غربي عسكري وديبلوماسي وازن واشراف مباشر يمثل التزاماً دولياً فعلياً حيال لبنان.

2-قوة اللجنة: تحظى اللجنة بغطاء شرعي لبناني مزدوج، رسمي حكومي بشخص رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي ونيابي سياسي بشخص رئيس مجلس النواب نبيه بري مع تفويضه وثقله الشيعي.

3-فريق عمل اللجنة: أشارت هذه الأوساط إلى أن عضوي اللجنة الأميركي والفرنسي سيؤازرهما فريقان لوجستيان أميركي وفرنسي يضمّان عدداً كبيراً من الخبراء الفنيين والتقنيين (وقد بدأ الأعضاء بالوصول إلى بيروت وبالعشرات) للإشراف بشكل فعّال على تنفيذ مهمات المراقبة على الأرض، كما بدأ تفعيل أنطمة اتصالات ومراقبة متطورة تابعة لهذين الفريقين على مدار الساعة.

 4-رئاسة اللجنة: قيادة رفيعة للجنة (عسكرية وديبلوماسية)، وعلم أنه طُرحت فكرة أن تكون رئاسة اللجنة مداورة بين الأميركيين والفرنسيين كل ستة أشهر ولكن لم تحسم نهائياً بعد.

هل تُحسن هذه القيادات تفادي الوقوع في الفخ الذي قد تنصبه إسرائيل من خلال رمي كرة النار في الملعب اللبناني، أكان جنوب نهر الليطاني بالدفع نحو مواجهة بين الجيش اللبناني والمقاومة أو شمال الليطاني (الداخل اللبناني) من خلال تعميق الشرخ السياسي وإفتعال فتنة أهلية بين الفريق الشيعي وبقية الطوائف اللبنانية؟

الرئاسة “مدخل استعادة الثقة”

وسجّلت الأوساط عدداً من النقاط حول الاستحقاق الرئاسي:

أولاً؛ يبدو أن الثنائي الأميركي – الفرنسي يرغب في “تسريع” انجاز الإستحقاق الرئاسي ليأتي في سياق الإعلان عن تفاهم وقف الحرب، إلّا أنّ الرئيس نبيه بري استبق لقاءه بالموفد الرئاسي الفرنسي جان-ايف لودريان بالإعلان عن موعد التاسع من شهر كانون الثاني/يناير المقبل كموعد جديد لانتخاب رئيس الجمهورية. وقد فُسّر ذلك “وكأن رئيس مجلس النواب أراد أن يُفسح في المجال أمام فريق “الثنائي الشيعي” لالتقاط الأنفاس واستعادة بعض العافية السياسية وإجراء مراجعة لحساباته بعد الإختبار الصعب الذي مرّ به منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر 2023 ولا سيما في الشهرين الماضيين”.

ثانياً؛ بدأت تتبلور قناعة (وهذا ما ظهر من جولة لودريان الأخيرة على مختلف الفرقاء السياسيين) أن البحث السياسي الجدي في الملف الرئاسي قد بدأ فعلاً مع بلورة مواصفات المرشح الأفضل والمقبول والتي تكمن في التوافق على شخصية لا تشكل تحدياً أو استفزازاً لأي من المجموعتين السياسيتين المتخاصمتين: “الثنائي الشيعي” وحلفاءه من جهة والمعارضة على تعدّد ممثليها من جهة أخرى. وهناك رغبة في أن تكون تلك الشخصية تتمتع بشيء من الصدقية والخبرة وربما تكون من خارج الأسماء المتداولة حالياً.

ثالثاً، تأمل الأوساط نفسها أن تكون الجلسة النيابية المقبلة في النصف الأول من الشهر المقبل “منتجة” على صعيد حسم موضوع الاستحقاق الرئاسي نظراً “لأهميته الأساسية في مسيرة توطيد الاستقرار واستعادة السيادة واطلاق ورشة الإصلاحات والحوار الوطني”. وألمحت الأوساط إلى أن “مساهمة الخارج في عملية إعادة الإعمار وتقديم الدعم الإقتصادي مرتبط إلى حد كبير باستعادة الثقة التي تُشكل عاملاً أساسياً في تسريع وتكثيف هذه المساعدات”.

رابعاً؛ تستمر فرنسا في التزامها المثلث الاتجاهات حيال لبنان: تعزيز التنسيق مع الشريك الأميركي، تعبئة الدعم على مستوى الإتحاد الأوروبي، وحث القوى الاقليمية وفي مقدمها المملكة العربية السعودية للانخراط السياسي والاقتصادي في عملية الانقاذ اللبنانية (لذلك أدرج الموضوع اللبناني في أولوية المواضيع السياسية الاقليمية على جدول أعمال زيارة الدولة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الرياض اليوم الإثنين)، من دون اغفال الجهد الفرنسي المستمر من أجل تدعيم الجيش اللبناني إن على الصعيد الثنائي أم عبر الشركاء الأوروبيين والغربيين.

ومن المقرر أن تكون قضية تسليح الجيش اللبناني محور محادثات يُجريها وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان ليكورنو في بيروت خلال الساعات المقبلة، ويلتقي خلالها عدداً من كبار المسؤولين اللبنانيين وأبرزهم رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وقائد الجيش اللبناني العماد جوزيف عون. كما سيُناقش مع المسؤولين اللبنانيين آلية تنفيذ القرار 1701 وفق التفاهم الذي أبرم بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي برعاية أميركية فرنسية.

الامتحان اللبناني الأصعب

أمام كل هذه المعطيات ترى الأوساط الأوروبية المتابعة للملف اللبناني أن هناك عدداً من الأسئلة المطروحة أمام اللبنانيين وخصوصاً قياداتهم السياسية وعليهم الإجابة عليها من دون مواربة أو مكابرة أو شعبوية عبر التخلي عن ازدواجية المواقف (الإعلامية العلنية غير المطابقة للمداولات في اللقاءات الديبلوماسية المقفلة) وتقديم المصلحة الوطنية اللبنانية وتغليب المصلحة العامة..

إقرأ على موقع 180  تجربة فرنسا بمواجهة كورونا.. ومعضلاتها الأخلاقية

السؤال الأول: هل تعي هذه القيادات مسؤولية حُسن التقدير والتعامل مع هذه المرحلة الدقيقة والخطرة والمفصلية في ظل الأجواء الدولية والاقليمية التي توحي بتحولات وتسويات مرتقبة (التطورات المتسارعة في سوريا والمعطيات الجديدة التي باتت ترتسم في النزاع الروسي – الأوكراني مع اقتراب موعد دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض)؟

السؤال الثاني: أمام كل هذه المستجدات الإقليمية والدولية التي تحمل مؤشرات واضحة إلى أن الأمور تتحرك بسرعة وبعمق، هل تلتقط القيادات اللبنانية اللحظة وتغتنم الفرصة المتاحة من أجل “تحويل الوصاية الدولية الظرفية الموقتة إلى حصانة دولية مستدامة”.. وبالتالي تكون بمثابة تحييد فعلي للبنان عن تداعيات العواصف الآتية من خارج حدوده”؟

السؤال الثالث: هل تتخذ بعض القيادات موقفاً شجاعاً بالاستفادة من العبر التي أتت بها التجارب الماضية وعدم العودة إلى المراهنة على لعبة الوقت وانتظار تغيير الظروف والمعادلات؟

السؤال الرابع: هل تُحسن هذه القيادات تفادي الوقوع في الفخ الذي قد تنصبه إسرائيل من خلال رمي كرة النار في الملعب اللبناني، أكان جنوب نهر الليطاني بالدفع نحو مواجهة بين الجيش اللبناني والمقاومة أو شمال الليطاني (الداخل اللبناني) من خلال تعميق الشرخ السياسي وإفتعال فتنة أهلية بين الفريق الشيعي وبقية الطوائف اللبنانية؟

وتعتبر هذه الأوساط أن الحصول على أجوبة واضحة وشجاعة على هذه التساؤلات “يُحدّد ما إذا كان الشعب اللبناني سيستفيد من الفرصة الجدية المتاحة أمامه لتوطيد الاستقرار واستعادة السيادة واطلاق ورشة إعادة الإعمار ومباشرة عملية الإصلاح وطيّ صفحة طويلة ومظلمة من المعاناة المتعددة الوجوه”.

Print Friendly, PDF & Email
باريس ـ بشارة غانم البون

صحافي وكاتب لبناني مقيم في باريس

Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  إيران ومعادلات الشرق الأوسط.. "الأزمات" تتحول إلى "فرص"