أخرجت الدبلوماسية الأميركية من أدراجها مشروع اتفاق أميركي ـ سعودي ـ هندي ـ إماراتي يكون بمثابة إحضار للهند المنافس الإقليمي الآسيوي للصين إلى الخليج واختراق خطط “مبادرة الطريق والحزام” الصينية التي دعا إليها الرئيس الصيني شي جين بينغ.
وفي ٦ أيار/مايو وصل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إلى الرياض وعقد إجتماعا ضمّه ومسؤولي الأمن القومي في كل من الهند والإمارات والسعودية. مهّد سوليفان لتلك الزيارة بحديث أدلى به إلى “معهد واشنطن” أكد فيه “أنه سيناقش مجالات جديدة للتعاون بين الهند والخليج والولايات المتحدة”.
وما هي إلا أشهر معدودة حتى انعقدت قمة الدول العشرين، الأسبوع الماضي، في نيودلهي وأخرجت الولايات المتحدة إقتراحها الذي حضّرته خلال جولة سوليفان حول ممر يمتد من الهند إلى أوروبا مروراً بدول الخليج، من شأنه أن يضرب المشاريع الصينية ويدفع بالهند إلى حلبة المنافسة الإقليمية والدولية.
يبقى هذا الممر مشروعاً نظرياً نجحت الإدارة الأميركية من خلاله في إستقطاب الهند لتكون في صفها في مواجهة الصين. الهند لا تمانع من الاستفادة من هذا الدور، لكن إذا فكّر الأميركيون بدفع الهند إلى التنازع مع الصين، فإن هذا التفكير لن يلقى استجابة في الهند التي تحرص على أفضل علاقات سلمية مع الصين
الممر وأهدافه
تم التوقيع على الإتفاق المبدئي الخاص بالمشروع يوم السبت في ٩ أيلول/سبتمبر في نيودلهي بين الولايات المتحدة والسعودية والإمارات العربية المتحدة والاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، وفقاً لبيان نشره البيت الأبيض.
يهدف المشروع إلى إنشاء خطوط للسكك الحديدية، وربط الموانئ البحرية، لتعزيز التبادل التجاري وتسهيل مرور البضائع. كما يهدف الممر الجديد إلى تيسير عملية نقل الكهرباء المتجددة والهيدروجين النظيف عبر كابلات وخطوط أنابيب، من أجل تعزيز أمن الطاقة، ودعم جهود تطوير الطاقة النظيفة. كما يهدف المشروع إلى تنمية الإقتصاد الرقمي عبر الربط والنقل الرقمي للبيانات من خلال كابلات الألياف البصرية.
ممران منفصلان
يتألف المشروع من ممرين منفصلين هما “الممر الشرقي” الذي يربط الهند بالخليج العربي و”الممر الشمالي” الذي يربط الخليج بأوروبا وتشمل الممرات بعد إنشائها شبكة عابرة للحدود من السفن إلى السكك الحديدية لتكملة طرق النقل البرية والبحرية القائمة لمرور السلع والخدمات.
يُشكل مرفأ مومباي المنطلق الهندي للممر الذي يمتد بحراً عبر المحيط الهندي والخليج إلى ميناء دبي بمسافة نحو ٢٠٠٠ كلم تشكل انقطاعاً للممر، أي أن الممر يبدأ بحرياً ثم يمتد برياً من دبي إلى السعودية والأردن وإسرائيل.
المشروع الجديد، وهو في صلب إستراتيجية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن (وصفه بأنه إتفاق تاريخي)، يُمثّل بالنسبة لواشنطن رأس حربة في خطة تهدف إلى مواجهة نفوذ بكين المتصاعد في المنطقة والعالم.
ومن شأن الممر الإقتصادي بين الهند وأوروبا والشرق الأوسط أن يُعزّز المنافسة والفرص وديناميكية الإقتصاد العالمي.
دول مستبعدة
واللافت للإنتباه أن المشروع يتجاهل دولة أساسية ونووية وحليفة للولايات المتحدة هي باكستان التي ارتبطت بشبكة طرقات برية مع الصين سهّلت حركة التبادل بين البلدين، على أن تكون جزءاً لا يتجزأ من “مبادرة الطريق والحزام”، وهو بذلك يستبعدها لمصلحة الحليف الجديد، أي الهند!
ويستبعد هذا المشروع أيضاً إيران التي تشغل حيزاً جغرافياً أساسياً بين آسيا الوسطى والشرق الأوسط وباكستان وتركيا، وبذلك غلّبت الولايات المتحدة نواياها العدوانية ضد إيران على الوقائع الجغرافية وعلى مصالح دول المنطقة التي تستفيد من الخط البري الذي يبدأ من الصين ويصل إلى غرب آسيا وأوروبا.
وأدار المشروع ظهره لكل من العراق وسوريا ولبنان، وهي دول تعاني من أزمات متعددة.. وللولايات المتحدة الدور الأساس في إثارتها وإدامتها لا سيما حصار سوريا بقانون قيصر وانتشارها العسكري في كل من سوريا والعراق، وبالتالي تمت الإستعاضة عن سوريا ولبنان بإسرائيل التي تعيش أزمات مستمرة جراء تعثر عملية السلام واستمرار الاضطرابات في الضفة الغربية وسلسلة الحروب مع غزة واحتلالها للجولان السوري المحتل ومناطق لبنانية ابرزها مزارع شبعا ونلال كفرشوبا وأطراف بلدة الماري.
أما تركيا فقد استبعدت أيضاً من هذا الإتفاق وهي بوابة أساسية بين الشرق الأوسط وأوروبا.
التنفيذ المعقد
يبقى هذا الممر مشروعاً نظرياً نجحت الإدارة الأميركية من خلاله في إستقطاب الهند لتكون في صفها في مواجهة الصين. الهند لا تمانع من الاستفادة من هذا الدور، لكن إذا فكّر الأميركيون بدفع الهند إلى التنازع مع الصين، فإن هذا التفكير لن يلقى استجابة في الهند التي تحرص على أفضل علاقات سلمية مع الصين (اتفقت الصين والهند على الإكتفاء بالعصي لتسليح المراكز الحدودية المتجاورة بحيث إذا حصل خلاف حدودي لا يُمكن أن يتطور إلى أكثر من تضارب بالعصي). كما أن حُكّام الهند حكماء.. ولا يتصرفون على “الطريقة الزيلينسكية”.
الصعوبات كثيرة
لم نسمع أسفاً أو تذمراً من إنشاء هذا الممر لا من الصين أو باكستان أو إيران أو تركيا لأن هذه الدول تدرك مدى الصعوبات التي تحيط بهذا المشروع سواء الجغرافية التي لا يمكن اللعب بها أو المالية بما يتطلبه من موازنات ضخمة للغاية. كما أن الترحيب بهذا الممر كان خجولاً جداً حتى الآن.
ثمة سؤال: إذا تعثر هذا الممر لسبب أو لآخر، هل تجد الهند مصلحتها في “مبادرة الحزام والطريق” أم في المبادرة الأميركية من مومباي إلى أوروبا عبر دول الخليج والشرق الأوسط؟
ولنا عودة للمشروع الجديد من زاوية المقارنة بينه وبين “مبادرة الحزام والطريق”.