برلمان العراق 2025.. إعادة انتاج الأزمة أم فسحة تغيير؟

يشهد العراق في الحادي عشر من الشهر الحالي انتخابات برلمانية هي السادسة منذ الإطاحة بنظام صدام حسين في العام 2003، وسط تحديات داخلية وإقليمية ودولية تُلقي بظلالها على الأجواء الانتخابية، ولعل أبرزها تداعيات ما بعد حرب غزة، وتطلّعٍ الكيان العبري إلى «إسرائيل الكبرى»، كما جاهر بذلك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكثر من مرة.

هذه الجولة من الانتخابات ستُحدّد هوية 329 عضوًا في مجلس النواب للدورة التشريعية السادسة، وذلك من أصل 7,768 مرشحًا لشغل المقاعد النيابية المطلوبة، غير أن المسألة تتجاوز المقاعد والوجاهة النيابية إلى سؤال الحكومة العراقية المقبلة، رئيسًا وأعضاء وبيانًا وزاريًا، والتي ستُشكّل استنادًا إلى التنافس الشديد بين الأحزاب والتيارات السياسية والقوائم الانتخابية التي دخلت العملية الانتخابية بناءً على تطلعاتها القومية والمناطقية.

لقد كُتبت مقالات عديدة ومختلفة في توجهاتها وتقييماتها لهذه الجولة من الانتخابات. ثمة من قاطع هذه الانتخابات بحجة الفساد المستشري في مفاصل الدولة كافة، وبذلك فهي- من وجهة نظر هؤلاء- ستُعيد إنتاج التركيبة نفسها. البعض الآخر لم يقاطع، لكنه يعتقد أن الانتخابات لن تستطيع حلّ المشكلات السياسية والاقتصادية المستعصية التي تواجه المواطنين، في ضوء الفساد الهائل الذي أصاب المشهدين السياسي والاقتصادي في العراق. فيما ذهب فريق ثالث إلى الاعتقاد أن خيار الانتخابات، ومهما تكن نتائجه، هو الضمانة لترشيد العملية السياسية ودعمها وتعزيز مفاهيمها.

وفي حقيقة الأمر، فإن المواطن العراقي عانى كثيرًا من عدم الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي منذ عام 2003، وما زال يعاني من مشكلات كثيرة بسبب سقوط الدولة العراقية وانحلال القوات المسلحة والأمنية، وما ترتب على ذلك من تداعيات كبيرة وجوهرية على المجتمع العراقي. ولعلّ البعض يُعطي المواطن العراقي الحق في مقاطعة الانتخابات أو عدم الاكتراث بالمشاركة فيها لانتخاب أعضاء المجلس النيابي.

أيُّ عراق نريد؟

وبطبيعة الحال، لم يكن سقوط النظام الديكتاتوري المستبد عام 2003 حدثًا عابرًا، بل حدثًا مفصليًا أنتج وقائع جديدة لا تتصل بتركيبة السلطة في العراق وتوازناتها الطائفية، بل بمجمل العملية الديموقراطية، الأمر الذي انعكس على سلوك المواطن العراقي. وعندما وُضع الدستور- برغم ما يعتريه من عورات وإشكالات وطنية وقانونية- فقد أسّس لعملية سياسية تستند إلى الانتخابات، بمحورية المجلس النيابي الذي ينتخب رئيس الوزراء، القائد العام للقوات المسلحة وأيضاً رئيس الجمهورية العراقية، لكن الأهم من ذلك هو أن الموقع الإقليمي للعراق كان شيئًا قبل سقوط صدّام حسين وصار أمرًا مختلفًا من بعده.

يقودنا ذلك للقول إن استنكاف المواطن العراقي عن الذهاب إلى صناديق الاقتراع لا يحلّ مشكلاته، بل يدعم – من حيث يدري أو لا يدري – الطبقة الفاسدة. وهذه الجولة من الانتخابات هي السادسة من نوعها في ظل النظام الجديد، وهي قصيرة جدًا في حياة الشعوب، لكنها تشكّل تحديًا كبيرًا للشعب العراقي الذي يتطلع إلى حياة أفضل تسودها النزاهة والوطنية والحرص على موارد العراق البشرية والاقتصادية.

لقد استطاع العراق خلال الأعوام الـ22 الماضية أن يُثبت وجوده على الساحتين الإقليمية والدولية، وأن يُحقق الكثير من الإنجازات الداخلية، برغم الصعاب التي واجهت الحكومات المتعاقبة منذ عام 2003. لذا؛ المواطن العراقي مدعوّ اليوم للمساهمة في انتخاب أعضاء مجلس النواب القادرين على تشريع القوانين الرامية إلى بناء مستقبل العراق بعيدًا عن الطائفية والمحاصصة المناطقية والمذهبية. إنها مهمة تاريخية تواجه العراقيين على اختلاف مشاربهم، من أجل ضمان مستقبل لعراقٍ مستقلٍ واعدٍ يريد النهوض بشعبه نحو التنمية والاستقرار والرفاه.

وعلى الرغم من النظرة السوداوية التي ينظر بها البعض إلى هذه الجولة من الانتخابات، فإن الاعتقاد السائد أن هذه الانتخابات هي في صلب العملية السياسية التي بدأت بعد العام 2003 لتحقيق آمال وتطلعات العراقيين في تعزيز الخدمات، وإيجاد فرص العمل، ودعم الزراعة والصناعة، وصولًا إلى مشاركة شعبية فاعلة في العملية التنموية.

العراق لجميع العراقيين

إن العملية التكاملية للانتخابات في العراق تشهد كثيرًا من التطور استنادًا إلى التجارب السابقة:

أولًا: العودة إلى النظام التمثيلي النسبي بعد تجربة نظام الاقتراع الفردي غير القابل للتحويل في عام 2021، والذي أدى إلى تفتيت البرلمان.

ثانيًا: تشير نتائج استطلاعات الرأي إلى ارتفاع نسبة المشاركة الشعبية مقارنة بالانتخابات الأخيرة التي جرت عام 2021، مما يعكس تجدّد الطاقة الشعبية، ويسمح بتحويل الغضب الشعبي إلى تغيير هيكلي عبر صناديق الاقتراع بدلًا من الاحتجاجات العنيفة.

ثالثًا: تُعدّ هذه الجولة من الانتخابات فرصة لإعادة توازن القوى داخل النظام، إذ تسمح بإعادة توزيع النفوذ ضمن نظام «المحاصصة» من دون كسر الوضع الراهن، مما يعزز دور القادة المعتدلين الذين يمتلكون تصورًا لبناء العراق على أساس الكفاءة والنزاهة.

رابعًا: توفّر الانتخابات آلية دورية لإعادة التوازن السياسي، وحماية الديموقراطية ومنع عودة الديكتاتورية، وتُتيح المنافسة السلمية بين الأحزاب مع الحفاظ على مبادئ التعددية والمساءلة.

خامسًا: إن التركيز على المرشحين الأكفاء في المجالات المختلفة يؤدي إلى كبح الفساد، وتركيز عمل الحكومة، وتعزيز سياسة «العراق أولًا»، بالإضافة إلى الاستثمار في البنى التحتية ولا سيما في مشاريع الطاقة والطرق، مما يساهم في تحقيق الاستقلال الطاقوي بحلول عام 2027 وتحسين الحياة اليومية.

إقرأ على موقع 180  "عقدة أوكرانيا" على أبواب.. الكرملين 

أما دور هذه الانتخابات برمتها، فيتمثل في كونها لحظة حاسمة في مسار العملية السياسية الناشئة، ولتاريخ العراق الجديد، الذي يستطيع أن يبدأ بعملية إصلاح اقتصادي واجتماعي تعزّز الأمن والاستقرار وفق قاعدة «العراق لجميع العراقيين».

إن العراق مرشّحٌ لأن يكون جسرًا بين القوى الإقليمية المتقابلة في الشرق الأوسط، مستفيدًا من موقعه كمنتِجٍ رئيسٍ للطاقة، مما يعزّز دوره الجيوسياسي ويُقلّل التوترات الإقليمية، في إطار من التعاون مع المجتمع الدولي لجذب الاستثمارات والإمكانات العلمية والتقنية لإنجاز العملية التنموية.

إن مقاطعة هذه الانتخابات أو الشعور بعدم أهميتها يُضيّع العديد من الفرص، سواء في الداخل العراقي أو خارجه، لأن جميع المعنيين بأمر العراق والمنطقة ينظرون إلى حجم المشاركة الشعبية في الاقتراع دون النظر إلى من يدخل قاعة مجلس النواب، وهذا الأمر يشكّل التحدي الأكبر للعراق في انتخابات العام 2026.

([email protected])

Print Friendly, PDF & Email
محمد صالح صدقيان

أكاديمي وباحث في الشؤون السياسية

Download Nulled WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  "النوافذ المغلقة" بين إيران والسعودية.. هل يفتحها الكاظمي؟