بعد فوز ممداني.. التغيير ينتظر “الجمهوريين” أيضاً

عكس فوز زهران ممداني بمنصب عمدة مدينة نيويورك بداية مسار من التحولات العميقة في المجتمع الأميركي، أطلق شرارتها عنصر الشباب ونخب يسارية في القاعدة الشعبية للحزب الديموقراطي، وهذا مؤشر على سيطرة التيار التقدمي وجيل الشباب على القرار السياسي داخل هذا الحزب.

جاءت الانتخابات التمهيدية في الحزب الديموقراطي لتعكس هذه الاندفاعة الكبيرة لقاعدته الشعبية نحو الجيل الشاب. فكان فوز ممداني بترشيح الحزب الديموقراطي هو التحول الأول. وبرغم ترشح اندرو كومو كمستقل في مواجهة ممداني إلا أن الأخير استطاع أن يفوز في انتخابات عمدة المدينة. وهذا يؤكد هيمنة التيار التقدمي اليساري على الحزب الديموقراطي، وهو التيار الذي يمثل فئة الشباب والأقليات المختلفة. في المقابل، لم يتمكن التيار التقليدي، أو الحرس القديم للحزب، من إيصال مرشحه إلى منصب عمدة نيويورك برغم الدعم الكبير والامكانات المالية التي رُصدت له.

ويعكس فوز ممداني قدرة التيار التقدمي في الحزب الديموقراطي على قلب الطاولة وتحقيق إنجازات ملموسة على الأرض. فقد استطاع هذا التيار استقطاب دعم فئات كبيرة من الأقليات، بما في ذلك العرب والمسلمون واللاتينيون واليهود اليساريون التقدميون. وعلى الرغم من  أن نيويورك، أكبر تجمع سكاني لليهود خارج إسرائيل، لكن الكثير منهم صوّت لمصلحة ممداني  بسبب توافق رؤيته مع تطلعاتهم، سواء على صعيد القضايا المحلية للمدينة، مثل الإيجارات، الوظائف، المواصلات، الأجور، مستوى المعيشة، وذلك بعيداً عن السياسة الخارجية والعلاقات مع إسرائيل. فمنصب  العمدة يركز أساساً على الخدمات المحلية وليس على السياسة الخارجية، ولكنه يشكل أيضاً مؤشراً على تحولات الرأي العام الأميركي في السياسة الخارجية مستقبلاً.

لقد أصبح  الجيل الشاب في  الحزب الديموقراطي يمتلك إرادة سياسية حقيقية تؤثر في القرار السياسي للحزب، ويعيد تشكيل المواقف نحو مزيد من العدالة والتوازن، بما في ذلك الموقف من الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ويعكس فوز ممداني رفض قاعدة الحزب الديموقراطي الشابة سياسة الحزب التقليدية الداعمة لإسرائيل بشكل مطلق، وتوجهها نحو الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، وهذا مؤشر على قدرة الجيل الشاب على تغيير موازين القوى داخل الحزب. وفي السياقات الانتخابية المقبلة يُعدُّ هذا الإنجاز مؤشراً على تحولات مرتقبة داخل الحزب، لا سيما في الانتخابات النصفية المقرَّرة في تشرين الثاني/نوفمبر 2026، والتي تشمل تجديد كامل لمجلس النواب ولثلث أعضاء مجلس الشيوخ.

لقد كانت  المعركة الانتخابية  في نيويورك ديموقراطية بامتياز بين جناحي الحزب، وليست مجرد مواجهة هادية بين الديموقراطيين والجمهوريين، حيث انتصر الجناح التقدمي بفوز ممداني، ما يعكس قدرة الجيل الشاب على فرض نفسه على السياسة المحلية وتحديد أولويات الحزب في المستقبل، وربما يؤثر أيضاً على الانتخابات الرئاسية عام 2028.

إن فوز ممداني يُعتبر إنجازاً تاريخياً يفتح الباب أمام ظهور قادة جدُّد من الجيل الشاب داخل الحزب الديموقراطي، ويعكس تحولاً جذرياً في الديناميات الداخلية نحو مواقف أكثر اعتدالاً وعدالة، مع التأكيد على القضايا المحلية والخدماتية للمواطنين، وهو ما يمكن اعتباره مؤشراً واضحاً على اتجاه الحزب نحو مزيد من الخيارات التقدمية في المرحلة المقبلة.

من جانب آخر، ما زالت المعركة صامتة في الحزب الجمهوري بين تيار “ماغا” (MAGA) الرافض للسياسات التقليدية للحزب، وبين “الصقور” والمحافظين الجُدّد الذين يتمسكون بسياسات الحزب الداخلية والخارجية وبخاصة ما يتعلق منها بدعم إسرائيل. وكما حصل في الحزب الديموقراطي، قد نشهد- في المستقبل القريب- الشيء نفسه في الحزب الجمهوري بسيطرة تيار “ماغا” وفرض أجندته على الجمهوريين.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  رسالة إسرائيلية للبنان عبر باريس: إذا إندلعت الحرب هذه أهدافنا!
حسين الديك

كاتب وباحث أكاديمي فلسطيني

Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Free Download WordPress Themes
Download WordPress Themes
free online course
إقرأ على موقع 180  "خطٌ أحمرٌ" بين بايدن ونتنياهو.. مَن يسقُط أولاً؟