إيران تجنح نحو التفاوض.. واحاطة برنامجها النووي بالغموض

عندما تتبدى ملامح انفراج ما في المحادثات بين إيران والغرب، ينعكس الأمر تحسناً على مستوى علاقة إيران بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، والعكس أيضاً صحيح. في هذا السياق، نقلت وكالة "رويترز" عن ثلاثة مصادر إيرانية مطلعة أن القيادة الإيرانية تميل الآن نحو استئناف المحادثات النووية، وأشارت إلى أن المؤسسة السياسية الإيرانية تنظر الآن إلى المفاوضات مع الولايات المتحدة "باعتبارها السبيل الوحيد لتجنب المزيد من التصعيد والخطر الوجودي".

وقد وافقت إيران في الحادي عشر من آب/أغسطس على استقبال ماسيمو أبارو المدير المشارك في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذلك بعد انقضاء شهر على وقف التعاون بين الجمهورية الإسلامية والوكالة الدولية. وتُسجل هذه الخطوة، عودة العلاقات بين الجانبين عقب الحرب الإسرائيلية – الأميركية التي استهدفت إيران في حزيران/يونيو الماضي، وأخفقت خلالها الوكالة الدولية في الاضطلاع بالدور المطلوب منها، حسب السلطات الإيرانية. ولتفسير هذا التحول النسبي، يشرح مسؤول حكومي إيراني أنه تم الاتفاق على مواصلة المشاورات عقب تبادل وجهات النظر حول “طريقة التفاعل بين الوكالة وإيران”.

ومنذ القطيعة بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية التي سحبت مراقبيها من إيران، يغرق البرنامج النووي الإيراني في حالة من الغموض، فيما التهديدات الإسرائيلية والأميركية المتعلقة بتغيير النظام الإسلامي قد تدفع إيران نحو الخيار النووي العسكري، وهو الاحتمال الذي لوّح به في نيسان/أبريل الماضي علي لاريجاني، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني. وقد أعلن لاريجاني في هذا الشأن، أن بلاده قد تُجبر على إعادة النظر بخيار عدم التقدم نحو السلاح النووي، في حال تصرفت القوى الغربية بطريقة غير مسؤولة.

وكانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أصدرت في 12 حزيران/يونيو تقريرين يتهمان إيران بانتهاك التزاماتها في شأن الخيار النووي السلمي، ما دفع إسرائيل في اليوم التالي إلى مهاجمة منشآت ومواقع إيرانية عدة. وخلال حرب الإثني عشر يوماً هذه تمكنت الدولة العبرية بمساندة أميركية من قصف منشآت عسكرية ونووية إيرانية أساسية، كما تمكنت من اغتيال علماء نوويين، فضلاً عن قادة عسكريين كبار، وفي الثالث من تموز/يوليو قرّرت طهران وقف التعاون مع الوكالة الدولية مُنددةً بانحيازها.

معظم العلماء الذين تم تأكيد اغتيالهم، كانوا يُدرسّون في جامعات طهران، كما أن الدكتور عباسي تولى إدارة قسم الفيزياء النووية في جامعة الإمام الحسين، وهو أعلن أنه مستعد للموت: “الأكثر أهمية في عمرنا أصبح وراءنا. لقد سلّمنا مسؤوليتنا إلى الشباب”. ويُعتقد أن مهندس البرنامج النووي الإيراني الدكتور محسن فخري زاده الذي اغتاله “الموساد” عام 2020، ترك خلفه مجموعة من الباحثين الشباب، لا تعرف أجهزة الأمن الإسرائيلية شيئاً عن مسارات حياتهم

وعشية وصول ممثل الوكالة الدولية إلى طهران، كشف وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي أن هذه الزيارة تهدف إلى إطلاق “مفاوضات من أجل تحديد إطار التعاون”. ونفى أن تكون أي عملية تفقدية للمنشآت النووية الإيرانية على جدول الأعمال، علماً أن الزيارة تعكس رغبة طهران في تهدئة التوتر مع المنظومة الدولية في شأن برنامجها النووي وفي استئناف المفاوضات مع واشنطن.

وقبل وصول ممثل الوكالة الدولية إلى طهران، كان لافتاً للانتباه حديث لنائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي جاء فيه أن إيران قد توافق على تخفيضات مؤقتة لبرنامجها النووي في مقابل رفع العقوبات، مشيراً إلى أن القنوات الدبلوماسية مع واشنطن ما زالت مفتوحة. واعتبرت هذه الإشارات في نظر المراقبين بمثابة دليل على وجود استعداد إيراني لخطوة تصب في مصلحة المفاوضات مع الغرب.

ومن جهة أخرى، هناك سباق مع الوقت يضغط على طهران في ظل احتمال قيام الترويكا الأوروبية بإعادة تفعيل آلية “سناب باك” التي تسمح بإعادة فرض العقوبات التي رُفعت نتيجة لتوقيع اتفاق 2015، في نهاية هذا الشهر؛ لذلك قد يكون أحد الأهداف المباشرة لطهران، تأخير تفعيل “سناب باك” إلى ما بعد نهاية آب/أغسطس، وهو الأمر الذي يضمن عدم خسارة الفرصة المتاحة لإعادة بناء الدفاعات الجوية الإيرانية بفضل نُظم دفاعية تؤمنها روسيا والصين. في المقابل، قد ترى الترويكا الأوروبية أن إحاطة المفاوضات بأجواء هادئة، يستدعي اقتراح مهلة إضافية قبل تفعيل “سناب باك”. وحسب الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، تتواصل الاتصالات مع دول الترويكا الأوروبية لتحديد موعد للاجتماع المقبل.

في الوقت نفسه، كان لافتاً للانتباه إعلان صحيفة “فايننشال تايمز” عن تبلغ الأمم المتحدة من الترويكا الأوروبية (فرنسا وألمانيا وبريطانيا) استعداد الأخيرة لإعادة فرض العقوبات على إيران إن لم تستأنف مفاوضاتها النووية مع المجتمع الدولي.

وتشترط طهران لاستئناف مفاوضاتها ثلاثة مطالب، أولها التمسك بحق تخصيب اليورانيوم وثانيها رفع العقوبات عنها وثالثها الحصول على تعويضات أميركية عن حرب الإثني عشر يوماً التي خيضت عليها.

وتؤكد إسرائيل أن كميات من اليورانيوم العالي التخصيب (60%) التي كانت في حوزة إيران قبل الحرب مع إسرائيل والولايات المتحدة، ما زالت موجودة على الأرجح بين أيدي الإيرانيين. وعلى الرغم من الدمار الذي ألحقه الجيش الإسرائيلي بالمنشآت النووية الإيرانية الأساسية، ولا سيما منها منشأة تحويل غاز اليورانيوم إلى قضبان معدنية ضرورية لصنع القنبلة، فإن الخبراء يتفقون على أن المعرفة النووية المتراكمة لدى إيران لا يمكن تدميرها من خلال اغتيال مجموعة من العلماء، وحسب السلطات الإيرانية فإن معظم العلماء الذين تم تأكيد اغتيالهم، كانوا يُدرسّون في جامعات طهران وبخاصة جامعة الشهيد بهشتي، كما أن الدكتور فريدون عباسي دوائي تولى إدارة قسم الفيزياء النووية في جامعة الإمام الحسين التي تُعنى بتأهيل كادرات النظام الإسلامي، وهو أعلن في مقابلة صحافية منشورة في 15 أيار/مايو أنه مستعد للموت: “الأكثر أهمية في عمرنا أصبح وراءنا. لقد سلّمنا مسؤوليتنا إلى الشباب”. ويُعتقد أن مهندس البرنامج النووي الإيراني الدكتور محسن فخري زاده الذي تعرض للاغتيال على أيدي “الموساد” العام 2020، قد ترك خلفه مجموعة من الباحثين الشباب، لا تعرف أجهزة الأمن الإسرائيلية شيئاً عن مسارات حياة أفرادها.

إقرأ على موقع 180  أوتوغولبي السودان.. ليس هناك إنقلاب

يبقى أن الغموض الذي يُخيّم على وضع المنشآت النووية الإيرانية بسبب الأضرار التي تعرّض لها البرنامج النووي الإيراني والمخزون المتبقي من اليورانيوم المخصّب بنسبة (60%)، يُمكن أن يخدم إيران سواء في لعبة المفاوضات أو الاستعدادات لمواجهة احتمال تجدد الحرب، الأمر الذي لا يستبعده المسؤولون في طهران، خصوصاً مع تعاظم التهديدات الإسرائيلية في الآونة الأخيرة.

Print Friendly, PDF & Email
ميشال نوفل

كاتب وصحافي لبناني

Download Nulled WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
udemy course download free
إقرأ على موقع 180  المغرب يُطبّع.. أين الشعب؟