لم تتحرك القوات السورية نحو الشمال السوري، إلا في ضوء تفاهمات أبرمتها موسكو بين دمشق والأكراد، وباتجاهات مرسومة بدقة ولتحقيق اهداف مختلفة، من دون الوصول الى خط تماس مباشر مع القوات التركية، برغم اعلان دمشق ان الجيش السوري “تحرك شمالا لمواجهة العدوان التركي”.
واستنادا الى ما تحقق من انتشار عسكري سوري حتى الآن، من الواضح ان دمشق تحاول الوصول الى نقاط محددة على الحدود الدولية مع تركيا، كمدينة عين عرب، أولى المدن الكبرى شرق الفرات الخاضعة للسيطرة الكردية، والتي دخلها الجيش السوري خلال الساعات الماضية، والأهم من ذلك مدينة منبج، منبج الواقعة غرب نهر الفرات، والتي تمّ الإعلان ليل أمس عن دخول الجيش السوري إليها، في تطوّر يمكن وصفه بأنه نقطة تحوّل في الصراع، بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية لهذه المدينة، الواقعة على بعد 30 كيلومتراً من غرب نهر الفرات، وتعد خطاً عسكرياً واقتصادياً حيوياً لكل الأطراف.
أما الهدف التالي، فهو الوصول الى مدينة القامشلي، عاصمة “قسد” بعد السيطرة على بلدة تل تمر شرق مدينة رأس العين في الحسكة.
وتشير التوقعات الى ان نية الجيش السوري الانطلاق من القامشلي شرقا للسيطرة على كامل الخط الحدودي بطول نحو 100 كيلومتر، ما يعني ميدانيا، أن الجيش السوري سينهي خلال الايام المقبلة سيطرته على جزأين منفصلين من الحدود مع تركيا، الأول، الى الغرب، من جهة مدينة عين عرب وصولا الى مسافة لا تستفز الاتراك في محيط تل ابيض، والثاني، من مدينة القامشلي وصولا الى ديرك في أقصى الشرق، أما المناطق الوسطى الواقعة بين القامشلي وتل ابيض مرورا برأس العين وهي بطول نحو 300 كيلومتر)، ستبقى منطقة معلقة خاضعة للعمليات العسكرية التركية، الى أن تتضح معالم المرحلة المقبلة.
وللتذكير، فإن العمليات العسكرية التركية، منذ أن بدأت يوم الاربعاء الماضي، لم تستهدف، حتى الأمس، أيّ من المواقع الكردية خارج الخط الممتد من تل ابيض الى رأس العين.
وجد الروس في “المنطقة الآمنة” شرقا الحل الأنسب لاستيعاب اعداد الفارين من ادلب من المسلحين وعائلاتهم جراء المعركة المتوقعة هناك
ميدانيا، وبعد نحو اسبوع على بدء العمليات العسكرية التركية، لم تحرز هذه القوات الكثير من التقدم، لكنها حققت عدة اهداف سياسية من ضمن الخطة الروسية، ولا سيما انسحاب قوات “التحالف الدولي” من هذه المناطق، وهو الهدف الأغلى على قلب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إذ أن الولايات المتحدة أنجزت عمليا سحب معظم قواتها المتواجدة في هذه المنطقة، وخصوصا في محيط عين عرب وتل ابيض وعين عيسى في الحسكة وفي محيط القامشلي، ويتوقع ان ينهي الاميركيون سحب كامل قواتهم من الشمال في غضون ايام قليلة وان يتبعهم الفرنسيون الذين يحتفظون بأقل من 100 جندي في هذه المنطقة.
والى جانب سحب القوات الغربية، حققت موسكو ما سعت اليه منذ دخولها الحرب السورية عام 2015، بتحقيق الانفصال التام بين أكراد سوريا والولايات المتحدة، وبالتالي، الامساك بالقرار الكردي الذي نتج عنه اتفاق بين الاكراد ودمشق فتحت قوات “قسد” بموجبه كافة المناطق الخاضعة لسيطرتها امام الجيش السوري.
هل سيوقف تفاهم دمشق مع الاكراد الهجوم التركي؟
من المبكر جدا الحديث عن وقف الهجوم التركي، فهذا الأمر مرتبط بخطوات عدة، اولها، احراز القوات التركية تقدما جغرافيا كافيا يسمح لها بتوطين الجزء الأكبر من اللاجئين السوريين الموجودين حاليا في تركيا، وهذا الأمر يحتاج إلى مسافات محددة في العمق السوري تصل احيانا الى 30 كيلومترا، كما يحتاج الى “تنظيف ديموغرافي” تقوم به حاليا القوات التركية والميليشات التابعة لها، كما فعلت في عفرين قبل عام ونصف، عبر طرد مئات الآلاف من المواطنين الاكراد بعيدا من حدود المنطقة الآمنة.
الأمر الثاني متعلق بمصير مدينة ادلب حيث يتحصن عشرات الآلاف من المسلحين ممن يحظى معظمهم بغطاء من تركيا.
ما يفهم من الصفقة الروسية – التركية، هو ان موسكو وافقت على العملية العسكرية التركية شرق الفرات مقابل ازالة انقرة خطوطها الحمراء من محيط ادلب حيث يجب التخلص من “الوضع الشاذ” هناك كما يقول الروس، ويبدو ان العملية العسكرية السورية المدعومة روسياً والتي توقفت نهاية آب/ أغسطس الماضي بعد السيطرة على خان شيخون على مشارف ادلب، قد تستأنف بمجرد تحقيق تركيا تقدماً ميدانياً – جغرافياً شرق الفرات.
في الواقع، فإن أحد الاسباب التي كان الأتراك يتلطون بها لرفض الهجوم العسكري الروسي ـ السوري على ادلب، هو الخوف من وصول “موجات جديدة من اللاجئين الى اراضيهم”، وهو أمر لم يعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قادر على تحمل تبعاته على المستوى الداخلي، لذلك وجد الروس في “المنطقة الآمنة” شرقا الحل الأنسب لاستيعاب اعداد الفارين من ادلب من المسلحين وعائلاتهم جراء المعركة المتوقعة هناك، ما يعني ان “المنطقة الآمنة” قد تحل قريبا محل ادلب كمنطقة تنتظر الحل السياسي النهائي.