محادثات فيينا.. التقاطعات تضيق والغموض يتسع

محاولة تزخيم الأمل بإمكانية انقاذ الاتفاق النووي. هكذا يمكن تلخيص ما يجري هذه الأيام بين المتفاوضين مباشرة وغير مباشرة في فيينا.

بعيداً عن بازار التفاؤل الذي يلامس الأوهام حيناً، كلُ تقدمٍ جرى التوصل إليه في الجولتين السابعة والثامنة، يصبُّ في الطريق للعودة إلى التفاهم الذي جرى التوصل إليه في حزيران/يونيو 2021 بين الفريق الإيراني بقيادة نائب وزير الخارجية السابق عباس عراقتشي والوفود الأجنبية المقابلة.

وعندما جلس الفريق التفاوضي الإيراني الجديد برئاسة علي باقري مع شركاء إيران في الاتفاق النووي، قدمت طهران ورقة أضافت فيها بعض النقاط، وشطبت نقاطاً أخرى من ورقة حزيران/يونيو. كان ذلك كافياً كي يشعر الفريق المقابل بأن طهران غير جدية وتريد كسب الوقت، ولاحقاً عادت طهران وقبلت بالتفاوض حول الورقة السابقة. إلى الآن هذا هو التقدم الذي تم إحرازه، ولا شيء آخر.

يرجّح مصدر مطلع على مسار المفاوضات بأن يكون هذا الأسبوع حاسماً، وأن استكمال الجولة الثامنة سيحمل عنواناً مفاده “الاتفاق أو الافتراق”. وفي حين يبدو الاتفاق نظرياً ممكناً جداً، في حال قبول واشنطن وطهران بالعودة إلى حدود إجراءات السابع من أيار/مايو 2018، لا يبدو أن الطرفين يمكنهما القبول بهذا السقف المنخفض، لأنه وباختصار، لا يضمن مصالحهما الإستراتيجية. فإيران لن تكتفي بقبول تسليم واشنطن بالعودة للإتفاق ولا بإعلان تعليق أو رفع العقوبات المفروضة، هي تطالب جوهرياً وجذرياً برفع العقوبات كافة، وهو ما ليس بيد الرئيس الأميركي جو بايدن كلياً، والأهم والأخطر والأكثر تعقيداً، تطالب طهران بضمانات بعدم فرض العقوبات مجدداً بشكل أحادي، وهذه أيضاً لا يملك بايدن ضمانها، إلى جانب آلية للتحقق من رفع العقوبات على نحو كامل، وهذه أيضاً لا تختلف عن الأولى والثانية.

أما أميركياً، فالمسألة ليست في وجود قرار من عدمه بالتفاوض، هذا الأمر مفروغ منه، منذ اللحظة الأولى لدخول بايدن البيت الأبيض، كان من أول أهدافه إعادة الحياة لاتفاق 2015 النووي، ووضع برنامج إيران النووي مجدداً في نطاق السيطرة بعدما كان قد خرج منها منذ بدء الأخيرة خطوات التخفيف من التزاماتها تجاه الاتفاق بعد عام من إعلان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب خروج بلاده منه. لدى بايدن النية وقد أعلنها في أكثر من مناسبة، وفريق عمله الخارجي يبدو مصمماً على العودة، ومدركا أن سياسة “الضغط القصوى” فشلت عملياً، وستفشل لاحقاً في فرض إضافات على الاتفاق، كما كان يرغب ترامب. لكن بايدن لا يملك حقيقة أن يعطي أكثر بكثير مما يطرحه على الطاولة، وهو المكبل بانتخابات الكونغرس النصفية بعد أشهر قليلة، وبالإلحاح الإسرائيلي المتكرر المبني على قلق متزايد من تحول إيران من قوة صاروخية إقليمية إلى قوة نووية، إلى جانب قائمة من الملاحظات لشركاء في الاتفاق النووي ممن يفضّلون أن تطرح واشنطن مطالبهم على طاولة التفاوض بدلاً عنهم، كي لا يؤخذ عليهم أنهم يضعون العصي في دواليب المفاوضات.

الفشل ونقل الملف الى الامم المتحدة، واعادة فرض العقوبات الأممية والاوروبية سيشكل ضربة معنوية لطهران، قد تؤدي إلى تدهور جديد في سعر صرف العملة الإيرانية، لكنها لن تزيد عن ذلك كون عقوبات ترامب عطلت تقريباً معظم تعاملات ايران الاقتصادية مع الخارج

وفيما يتحتم على جو بايدن وفريقه حسم سقف التنازلات التي يمكنهم تقديمها على طاولة المفاوضات النووية، سيكون السؤال الأكثر حضوراً، ماذا لو فشلت مساعي العودة للاتفاق؟ ما هي الخيارات التي يمكن لأميركا والشركاء الدوليين التلويح بها لرفع مستوى الإنذار لدى الإيرانيين واشعارهم بحراجة الموقف وضرورة القبول باتفاق مقبول لجميع الأطراف؟

بحسب مصدر أميركي قريب من فريق واشنطن التفاوضي، تتأرجح الخيارات الأميركية حالياً بين ثلاثة خيارات:

  • إعادة فرض العقوبات الأممية والأوروبية بما يعنيه ذلك على مستوى هز علاقة إيران بالدول المجاورة والصديقة والتي ترتبط بها بعلاقات اقتصادية وطيدة.
  • محاولة التوصل إلى اتفاق مؤقت للحيلولة دون السقوط الكامل للاتفاق، برغم الرفض الإيراني العلني لذلك.
  • وضع الخيار العسكري على الطاولة، إذ يمكن أن يقلب المعادلة في المنطقة بشكل دراماتيكي ويشعل صراعاً مسلحاً غير مسبوق قد لا ينتهي خلال أشهر أو حتى سنوات.

ما يزعج إسرائيل هو أن بايدن وبرغم تكبيلها اياه، يفاوض عبر روبرت مالي في فيينا، من دون أن تكون مخاوف تل أبيب أولوية قصوى، بينما ترى أن شركاء آخرين لواشنطن في المنطقة يتحاورون مع طهران مباشرة او عبر وسطاء لأن المعادلة الأميركية في الشرق الأوسط تبدلت منذ نهاية حقبة ترامب.

تفعيل الخيار العسكري لدى أميركا واسرائيل قد يدفع ايران ربما لاستبدال فتوى خامنئي بتحريم تصنيع وحيازة وتخزين اسلحة الدمار الشامل بما في ذلك النووي، باللجوء الى مقولة الخميني التي جاء فيها “صيانة الجمهورية الإسلامية، أهم من الحفاظ على حياة شخص واحد ولو كان إمام العصر”

في التقييم الايراني، كل التطورات التي أعقبت رحيل ترامب ايجابية، حتى الاقتصاد الإيراني الرازح تحت العقوبات، “بدأ يتحسن قليلاً ويتحول نحو النمو الاقتصادي التدريجي”، وهو ما يعني أن إيران يمكنها أن تصمد لفترة اضافية من دون اتفاق، حتى تصبح أكثر قدرة على فرض اتفاق يضمن لها كل مطالبها.

إقرأ على موقع 180  يوم في الساحة.. اللبنانيون يعيدون إكتشاف ذواتهم

الفشل ونقل الملف الى الامم المتحدة، واعادة فرض العقوبات الأممية والاوروبية سيشكل ضربة معنوية لطهران، قد تؤدي إلى تدهور جديد في سعر صرف العملة الإيرانية، لكنها لن تزيد عن ذلك كون عقوبات ترامب عطلت تقريباً معظم تعاملات ايران الاقتصادية مع الخارج. لكن ذلك سيعني ايضاً دخول البرنامج النووي الايراني مرحلة الغموض النووي الشامل، بما يعنيه ذلك من محدودية في الشفافية والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومن تطوير للبرنامج بدون سقف واضح، وهذا ما قد يفعّل الخيار العسكري لدى أميركا واسرائيل، وهو بدوره ما قد يدفع ايران ربما لاستبدال فتوى آية الله عليّ خامنئي بتحريم تصنيع وحيازة وتخزين اسلحة الدمار الشامل بما في ذلك النووي، باللجوء الى مقولة مؤسس الجمهورية الاسلامية الايرانية آية الله الخميني والتي جاء فيها “هذا واجب إلهي إذ أنه من أهم الواجبات التي فرضها الله بمعنى أن صيانة الجمهورية الإسلامية، أهم من الحفاظ على حياة شخص واحد ولو كان إمام العصر”.

مع اقتراب جولة التفاوض الثامنة من لحظات الحسم، تطرح على الطاولة أسئلة كبرى حول جدوى الاستمرار في التفاوض دون سقف واضح، وجدوى ترك الطاولة بدون خيار آخر واضح. وفيما يدعو أصحاب نظرية القسمة على اثنين الأطراف المختلفة للقبول بنصف تسوية تمنع الانزلاق إلى المجهول، يخشى المتشائمون من أن الاستسلام للمراوحة قد يحوّل المفاوضات حول برنامج ايران النووي إلى نسخة اخرى من مسار التفاوض العربي ـ الإسرائيلي المستمر بلا افق، لمجرد أن الاستمرار أضحى جزءاً لا يتجزأ من الأجندة الأميركية في المنطقة، ومن فولكلور العلاقات الدولية وفضّ النزاعات.

(*) بالتزامن مع “جاده إيران

Print Friendly, PDF & Email
علي هاشم

صحافي وكاتب لبناني

Free Download WordPress Themes
Download Nulled WordPress Themes
Download Premium WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  شيفرة زيارة ظريف لسوريا... بين غارة اسرائيل وهجوم "داعش"