من غزة إلى لبنان مروراً بالضفة.. حروب إسرائيل وآفاقها؟

يمكن توصيف الوضع الحالي في الحروب الإسرائيلية المستمرة من جبهة غزة إلى جبهة جنوب لبنان مرورًا بالضفة الغربية التي تخضع لحرب من نوع آخر منخفضة الوتيرة، وبشكل متقطع من طرف المستوطنين، بالتعثّر والضبابية فيما يتعلق بمحاولات وقفها وليس بالضرورة إنهائها.

يبدو أن التعثّر هو أفضل ما يمكن قوله لوصف البدء بالمرحلة الثانية من خطة دونالد ترامب لوضع حد للحرب على غزة. من أهم نقاط الخلاف تعريف المهام الموكلة لقوة الاستقرار الدولية المؤقتة؛ هل ستكون لحفظ الاستقرار كما يُفترض بعد انسحاب إسرائيل من القطاع، أم كما تدعو إسرائيل لنزع سلاح حماس و«تنظيف» القطاع من السلاح وإقامة وضع أمني جديد بالشروط الإسرائيلية؟ وهو أمر ترفضه الدول العربية والإسلامية المدعوّة للمشاركة في هذه القوة. دور هذه القوة كما تؤكد عليه الدول المشار إليها هو تولّي الأمن والحفاظ على الاستقرار مع الانسحاب الكلي للجيش الإسرائيلي، وليس أن تكون بمثابة «شرطة» لتنفيذ الشروط الإسرائيلية. كذلك يستمر العمل لإقامة خط أصفر إسرائيلي يُقسّم القطاع إلى منطقة شرقية يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي ومنطقة غربية صار المطروح عمليًا الإنسحاب الإسرائيلي منها.

خلاصة الأمر هنا هو انسحاب إسرائيلي جزئي وإعادة تقسيم القطاع وتعزيز هذه الأوضاع من خلال قدوم المساعدات إلى هذه “المنطقة المستقرة”، أي التي ستكون محتلة، فيما المنطقة غرب الخط الأصفر ستبقى في وضع حرب استنزاف مفتوحة. ويبدو أن كلام الرئيس الأمريكي عن الانتقال من النقطة 15 في مبادرته لوقف النار في غزة إلى النقطة 17 يندرج عمليًا في سياق هذه المقاربة، الأمر الذي يعني تنفيذًا منفردًا أو أحاديًا لخطة السلام إذا ما رفضت حركة “حماس” الشروط المطروحة أو عرقلت تنفيذها، وهي شروط تعجيزية، وبالتالي تأمين المساعدات للمناطق «الآمنة» التي يُفترض أن يُسلّمها الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية. الأمر الذي يعني عمليًا على أرض الواقع تقسيم غزة بين منطقة عدم استقرار ومنطقة «مستقرة» تحت سيطرة عسكرية إسرائيلية، أي منطقة محتلة.

إن إسرائيل تود تكريس احتلال جزء من غزة لإحداث ترتيبات أمنية تراها ضرورية بشروطها، فضلاً عن إقامة منطقة عازلة غرب «الخط الأصفر» و”الخط الأحمر” (هناك ثلاثة خطوط أولها الأزرق وثانيها الأصفر وثالثها الأحمر حسب خطة ترامب، فضلاً عن منطقة عازلة تبقى ثابتة شمال وشرق وجنوب قطاع غزة)، كما قُسّمت غزة على أرض الواقع. وقد تصل السيطرة الإسرائيلية إلى حوالي 60 بالمائة من القطاع، وذلك ضمن إطار زمني مفتوح، مع تداعيات هذا الأمر على أي مسار سيُطلَق نحو حل الدولتين الذي يزداد صعوبة، والبعض يرى استحالته في ظل السياسة الإسرائيلية الراهنة وعدم ردعها ووقفها.

خلاصة الأمر هنا أن إسرائيل تعمل على إحداث تغيير ديموغرافي يطال جغرافية القطاع من أجل تعزيز سيطرتها المباشرة وغير المباشرة عليه.

في الضفة الغربية يزداد العنف «المدروس» كما يبدو من طرف المستوطنين لإحداث تغيير تدريجي ديموغرافي وجغرافي في الوضع الفلسطيني في الضفة الغربية باتجاه تكريس وتعزيز السيطرة الكلية عليها للتأكيد على ضمّها كونها الهدف الاستراتيجي والعقائدي الأهم لمن هم في السلطة اليوم. ومن نافل القول التذكير بالتداعيات الخطيرة على دول الجوار، وبالأخص الأردن.

خلاصة الأمر أن عملية الضمّ التدريجي للضفة تتسارع على الأرض مع تأجيل الإعلان عن الضم الرسمي الذي يبقى من دون أهمية كونه يشكّل خرقًا فاضحًا للقرارات الأممية ذات الصلة. ولكن يبقى الهدف الأساس لإسرائيل هو تعزيز خلق واقع جديد والفرض على «الآخرين» ـــ أياً كانوا ـــ التعامل معه لاحقًا كحقيقة قائمة.

على صعيد لبنان، ما زالت إسرائيل ترفض احترام إعلان وقف الأعمال العدائية الذي تم التوصل إليه في 27 تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، ودخل حيّز التنفيذ في اليوم التالي، فيما نشطت إسرائيل في استمرار حربها تحت عنوان «الاستهداف الاستراتيجي»، وكذلك مع احتلال نقاط خمس (تلال تُعتبر استراتيجية في حربها المتوسعة أيضًا في الجغرافيا)، وما زال منطق خلق واقع جديد على الأرض قائمًا ومستمرًا. وبلوّرت إسرائيل أخيرًا نظرية استراتيجية جديدة تقوم على مفهوم «السيادة الأمنية» تعمل على تطبيقها من غزة إلى لبنان وسوريا، إذ تؤكد تصميمها على إقامة منطقة منزوعة السلاح من جنوب دمشق حتى جبل الشيخ.

خلاصة الأمر أننا نشهد في نهاية هذا العام تكريس سياسة القوة الإسرائيلية لخلق واقع جديد على الأرض مع غياب دولي فاضح لوقف هذه السياسات، الأمر الذي سيؤدي إلى مزيد من التوتر مع انسداد أي آفاق فعلية وواقعية للتسوية الشرعية والواقعية، المعروفة عناصرها من كثرة تكرار التأكيد عليها من دون أن يُصار إلى توظيف الإمكانات الأكثر من ضرورية لفرض احترامها على إسرائيل. توترات يُعززها هذا الانسداد على كل الجبهات؛ انسدادٌ قابلٌ للتوظيف في زيادة منسوب التوتر والصراعات المختلفة بمسبباتها ومضامينها في المنطقة ولو حملت الشعارات ذاتها.

(*) بالتزامن مع “الشروق

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  "أنظروا إليه".. ماذا سيقول "السيد" غداً؟
ناصيف حتي

وزير خارجية لبنان الأسبق

Premium WordPress Themes Download
Download Best WordPress Themes Free Download
Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes Free
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  موديز تخفّض تصنيف لبنان.. الإنقاذ ممكن شرط اتخاذ القرار الآن