
كشفت الأحداث الدامية في السويداء، عن مدى هشاشة الأوضاع الأمنية والسياسية في سوريا برغم الاحتضان الغربي والتركي والعربي للنظام الجديد برئاسة أحمد الشرع، وأثارت في الوقت نفسه احتمال الانزلاق مجدداً إلى الحرب الأهلية.. والمجهول.
كشفت الأحداث الدامية في السويداء، عن مدى هشاشة الأوضاع الأمنية والسياسية في سوريا برغم الاحتضان الغربي والتركي والعربي للنظام الجديد برئاسة أحمد الشرع، وأثارت في الوقت نفسه احتمال الانزلاق مجدداً إلى الحرب الأهلية.. والمجهول.
ليس من السهل مقاربة ملف حزب الله في لبنان من دون الانزلاق إلى متاهات الاصطفاف أو المزايدة. المسألة أعقد من مجرد تنظير سياسي أو تكرار مواقف مُكرّرة. في جوهرها، هي عقدة متشابكة من الأمن، الانتماء، الذاكرة الجماعية، الإقليم، الخذلان الداخلي والتدخل الخارجي. من هنا، فإن محاولات تبسيط الموضوع، أو اختزاله في مطلب نزع السلاح، لا تعكس سوى عجز عن قراءة الواقع كما هو، لا كما نتمنّاه.
ثلاثة عوائق أمام التسوية الداخلية الوطنية في لبنان. أوَّلُها أنَّ السلطة التي لم ترتقِ إلى مستوى دولة لتعلنَ عن برنامجٍ عملي للحوار بالرَّغم من كثرة حديثِها عنه. وثانيها أنَّ هذه السلطة تُعاني من ضَعف الإرادة والاضطرابِ الرؤيوي ما يجعلـُها حتى اللحظة قاصرةً عن صوغ برنامج ٍحواريٍّ تسوويٍّ تعلنه على الرأي العام بشفافية. وثالثها أنَّ الولايات المتحدة الاميركية التي تمارس الابتزاز لا تريدُ تسوية في لبنان. تريد واشنطن بوضوحٍ تامٍ أن تُغطي الاحتلال الإسرائيلي، وأنْ تُبرِّرَ له ممارساته التي تنتهكُ كلَّ القرارات الدوليَّة.
أن تتحدث عن آثار الحرب "الإسرائيلية" على لبنان، وأنت جالس في مكتبك الوثير شيء وأن تقوم بجولة ميدانية في القرى الجنوبية شيء آخر.. جولةٌ تُوفر صورة بصرية وصوتية وعاطفية يعجز أي شيء آخر عن ايصالها ومعها يتجدد سؤال الدولة اللبنانية وأي دور ينتظرها في مواجهة واقع مؤلم ومليء بالتحديات.
شكَّلت عمليةُ "طوفان الأقصى" نقطةَ تحوُّلٍ فارقةً في طبيعة الصراع، ووضعت الاحتلالَ "الإسرائيليَّ" أمام تحدٍّ وجوديٍّ، فلم يكتفِ بالرد، بل فعَّل استراتيجية هجومية متدحرجة تجاوزت غزة، لتطال الجبهتين اللبنانية والسورية، في محاولة لإعادة هندسة البيئة الأمنية المحيطة، وفرض وقائع ميدانية جديدة تُفضي إلى تغيير الجغرافيا السياسية في أكثر من ساحة.
يُواجه الرئيس اللبناني جوزاف عون معضلة محيّرة "من وُلدَ قبل الآخر؟ الدجاجة أم البيضة"؛ فمن جهة يواجه ضغطاً دولياً وعربياً ولبنانياً عنوانه أولوية نزع سلاح المقاومة وحصرية السلاح بالدولة اللبنانية، وهو ما كان تعهد به في خطاب القسم الدستوري. ومن جهة أخرى، يواجه ضغطاً من المقاومة وحلفائها بأن تكون الأولوية لفرض الانسحاب "الإسرائيلي" من لبنان.
لا يخلو نقاش بين معارض للمقاومة وآخر مؤيد لها، من تبنّي الأول لنظرية حصرية السلاح بيد الجيش وقرارات مجلس الأمن والمجتمع الدولي للدفاع عن لبنان، فيما يعتبر الثاني أن التجربة بيّنت أن المقاومة المسلحة هي السبيل الوحيد لتحقيق الردع مع إسرائيل.
بعد حرب الإبادة المستمرة على غزّة، وبعد عدوان الـ٦٦ يوماً المتجدّد على لبنان، وبعد الانقلاب التّركيّ-السّلفيّ-الاخوانيّ المسنود أميركيّاً في سوريّا (في سياق غير منفصل عن الطّوفان الفلسطينيّ، أغضبنا ذلك أم لم يُغضبنا، أحزننا أم لم يُحزنّا).. بعد هذه الأحداث، يَعتبر البعض ويُعبّر، اليوم، أنّ وقت "تسليم" أو "نزع سلاح" الجماعات المُقاوِمة بالتّحديد قد حان.. في المنطقة عموماً ولبنان خصوصاً.
"فراغ القوة" و"نزع السلاح". جُملتان مفتاحيتان بسيطتان جداً على اللسان، وفي الوقت ذاته عميقتان جداً وتُعبّران عما يختزنه الميدان العربي الملتهب والمتصدع وما تواجه المنطقة من تحديات ناجمة عن انهيار نظام وولادة نظام جديد في سوريا ووقف النار في كل من لبنان وغزة.
كعادة كل الأشياء الجميلة في لبنان، يأتي دائماً من يشوّهها. مسار 17 تشرين الاول/أكتوبر 2019، إنطلق مع حملة إسقاط النظام الطائفي في العام 2011، وما يزال مستمراً حتى يومنا هذا، برغم محاولة تشويه مضمونه.