الحروب قميئة بكل المقاييس. تُدمّر ما بناه الإنسان، مادياً وعاطفياً واجتماعياً، وتترك في القلوب الصادقة، الباقية على نبض الحياة، ندوباً غائرة، تحوّلها إلى حالات مختلفة، يكاد المرء منّا، لا يعرف، أهو قلبه هذا الذي لا يزال ينبض، أم أنه أضحى مِزَقَ حزن لا يغيب؟
لا يعود الإنسان كما كان، هو هو، بعد حرب طاحنة بين أبناء الوطن الواحد!
ويأتي من يقول لك بثقة: “نحن لسنا ذواتنا، ولم نكن يوماً”!
كيف ذلك؟ أمسِ، كنتُ أجوب وطني، من شماله إلى جنوبه، ومن شرقه إلى وسطه إلى غربه، وحدي، بأمان واطمئنان؛ بل كان جميع من يتقاطع مساري مع مساراتهم، يحنّون عليّ، ضيفةً في ربوعهم. كيف بي، يريد اليوم أن يقنعني أحدهم بأني أصبحتُ غريبة عنهم؟
لن أقتنع بحديث الفِرقة والغربة، هذا!
فأنا ما أزال أنا نفسي، برغم عقد ونصف من الحرب. صحيح أن الندوب أدمت القلب والروح، لكني ما أزال أنا، أنا نفسي… سوريّة عاشقة لسورية… فإن ضاعتْ، سأضيع أنا أيضاً! ولا أريد أن أغوص في تيه نتائج الحرب الطاحنة التي أدمت النسيج الاجتماعي، وأخرجت من بعضهم أسوأ ما فيهم، وقد كانوا، في الأمس القريب، يتعاطفون مع الآخرين في مناسبات متنوّعة، بغنى الألوان السوريّة!
تُرى، هل تستطيع نساء سورية استعادة أرواحهنّ وأفراحهنّ وإيمانهنّ بوطنهنّ، كما عرفْنَه وخبِرْنَه وناضلنَ من أجل وحدته وبنيانه الشامخ؟
لا بدّ أن نساء بلدي، مثلي، قد وضعْنَ أملهنّ اليوم في ما سيمنحه لهنّ ولأطفالهنّ وشبيبتهنّ تفاني الباقين على نبض الحياة، بحق، في الداخل السوري، إذ يحاولون نثر الوعد في قلوب أثقلتْها الهموم والنوائب وأوجعها الفَقْد!
هي رغبة صادقة منهم في دعم نساء بلدي، اللواتي عانَيْنَ بصمت وصبر وتحمُّل، لتخطّي الوجع باتجاه أمل يخرج من رحم الألم، فيبني، من جديد، سورية الحُبّ الحقيقي، ويمكّن نساءها ويحرّرهنّ، ويدعم شبيبتها ويؤازرها، لتحقيق حلم الوطن القادر والحاني على الجميع، في آنْ.
وبما أنّ المثل الشامي يقول “لا يحنّ على العود إلا قشره”، فأنا أتوجّه في ندائي هذا إلى المجتمع المدني في الداخل السوري، الذي عاش المعاناة، لحظة بلحظة، بصبر، تعجز عنه الجبابرة، لأقول: إن بلادنا تحتاج إلى عقد اجتماعي جديد يقوم على مبدأ “الدين لله والوطن للجميع”، وهو شعار الثورة السورية الكبرى (1925-1937)، ونحن نعيش مئويتها هذا العام الذي ينقضي، خلال أيام، بحلوه ومرّه!
ومن الأفضل أن يحمل الدستور السوري الجديد بنوداً فوق دستورية، غير قابلة للتغيير مطلقاً، لمئة سنة قادمة، وتتضمّن في ما تتضمّنه حماية للنساء والأطفال والفتية والفتيات، وهم الذين يمثّلون الشرائح الهشّة في المجتمع. من هذه البنود فوق الدستورية، مثلاً:
– التأكيد على أهمية تحرّر المرأة لأنها إنسان، والله خلق الإنسان حرّاً.
– حفاظاً على العائلة والأم، على الدولة توفير النفقة اللازمة للأم الحاضنة، وبيتاً خاصاً بها وبأبنائها إلى أن يبلغ الولد والبنت سنّ الثامنة عشرة من العمر؛ وبعدها، يختار الأولاد العيش مع أحد الأبوين، حسب رغبتهم، في حال استمرّ الانفصال قائماً بين الأبوين.
– يجب إيجاد صيغة قانونية تضمن حماية جدّية للمرأة والطفل في البلاد بعد كل ما جرى خلال المحنة السورية التي بدأت في العام 2011، إذ إنّ الشرائح الهشّة في المجتمع هي الخاسر الأكبر على مدى هذه السنوات. ولأنه إنْ صلُحت المرأة صلُح المجتمع.
ولتمكين إنصاف المرأة في المجتمع، يمكن التأكيد على ما يلي:
– إصدار التشريعات اللازمة التي تكفل الحقوق الإنسانية للمرأة، وأساس ذلك دستور للدولة يحقّق المواطنة الكاملة والمتساوية.
– أهمية التربية والتعليم في المدارس، من خلال المناهج بشكل عام، من أجل الانتهاء من الصور النمطية لمجتمع التمييز.
– على المجتمع والحكومة تأمين الحماية اللازمة للنساء، من تشريعات وآليات وأماكن آمنة، كي يستطعن الشكوى ضد العنف الأُسَري أو غيره، كالاختطاف والاستعباد بأنواعه.
– محاربة التمييز ضد النساء نضال مطلوب من الجميع.
– أهم حقوق المرأة-الإنسان: تشمل الحق في العيش من دون التعرُّض للعنف والتمييز المجحف؛ والتمتّع بأعلى مستوى ممكن من الصحة الجسدية والنفسية؛ والحصول على التعليم الجيد، فالمرأة -الإنسان هي “نصف المجتمع وتربّي نصفه الآخر”. وفي تربيتها لهذا النصف الآخر، عليها أن تعي بأنْ تربّيه على أساس أنه إنسان مثلها، وليس ذكراً مميّزاً عنها! كي لا تكون المرأة عدوّة نفسها في المجتمع!
هو نداء وجداني من القلب، علّه يجد آذاناً صاغية من المجتمع المدني الفاعل في الداخل السوري، كي يعمل بجدّ على التأثير في التغيير الإيجابي، في بلد منهَك، على جميع الأصعدة، لمدى عقد ونصف من الزمن! لكنّ الأمل يجترح الحلول دائماً.
