قد تكون هالة اسم البغدادي هي أكثر ما تركت تأثيراً لدى البعض في إدلب، أما ما عداها من تساؤلات ملأت الدنيا وشغلت الناس حول كيفية وصول البغدادي إلى هذه المحافظة السورية، ولماذا اختار أرض أعدائه وخصومه، وماذا كان ينوي فعله هناك، فكلها تساؤلات لا تكاد تجد هناك من يعيرها اهتماماً خاصاً، بل يجري التعامل معها ببساطة تامة تقوم على قاعدة “ما البغدادي سوى شخص من البشر، وأكثر مهنة من حيث المردود هي تهريب البشر من إدلب أو إليها”.
يقول مصدر تحدث إلى “180” إنه بمبلغ ألفي دولار يمكن لأي شخص أن يختار الوجهة التي يريد الوصول إليها ابتداءً من الحدود العراقية وحتى إدلب، وربما ما بعد إدلب”. وعندما تسأله “ولكن هذا البغدادي وليس مجرد شخص عادي” يجيبك بنبرة هادئة أنه “في عملية التهريب هو شخص مثل غيره، وطالما أن هناك شبكات تهريب ممتدة بين جميع المناطق، فلا مشكلة في تهريب أي شخص بما أنه دفع المعلوم”.
أما إذا أصريت عليه وسألته عن حواجز “هيئة تحرير الشام” والجهاز الأمني “هل يتقاضون بالدولار أيضاً؟”، فيحاول حسم المسألة بسؤالٍ مقابلٍ “إذا خُبّئ البغدادي في صهريح مازوت مثلاً، فكيف يمكن لحواجز الهيئة أو غيرها أن تكشفه؟”.
برغم تشديد المصدر على أن جميع طرق التهريب مفتوحة إلى إدلب، فإنه لا يستبعد أن يكون البغدادي قد دخل عن طريق الأراضي التركية، مشيراً في هذا الصدد إلى أن “الأكراد”، ويقصد “قوات سوريا الديمقراطية”، يتساهلون كثيراً مع عناصر التنظيم الراغبين في الهروب إلى تركيا، و”يصل ذلك إلى درجة السماح لهم بالعبور باتجاه الحدود التركية حتى من دون تفتيش” حسب قوله.
وفي هذا السياق، ينفي المصدر بشكل قاطع أن تكون “هيئة تحرير الشام” قد لعبت أي دور في تسهيل دخول البغدادي إلى إدلب، وذلك برغم تأكيده بصراحة أن “الهيئة” كانت تترقب وصوله إلى مناطقها منذ انتهاء معركة الباغوز. وليس في الأمر أية غرابة بالنسبة إليه، ذلك أنّ إدلب هي المقصد الأسهل لعناصر وقيادات “داعش”، كما أنها الوجهة الأقل خطورة عليهم.
لاحظت قيادات “الهيئة” خلال الأشهر الماضية وجود كثافة كبيرة في توجه عناصر “داعش” وعائلاتهم إلى إدلب، وأدركت بسرعة أن هذه الأمواج ليست مجرد صدفة، بل وراءها قرار كبير صادر من أعلى هرم التنظيم.
ونظراً إلى وصول اسماء كبيرة من قيادات “داعش”، معظمهم تم اعتقاله، فقد كان السؤال في كواليس “الهيئة” ليس ما إذا كان البغدادي سيأتي أم لا، بل متى سيأتي؟
لا يتوانى المصدر عن التأكيد مع ابتسامة خافتة “لو كنت مكانه لما اخترت إلا إدلب”.
أما عن الشخص الذي استضاف أبي بكر البغدادي، ويدعى أبو محمد سلامة، فيؤكد المصدر أن الأخير كان منتسباً إلى جماعة “جند الأقصى” ولكنه تركها منذ حوالي سنتين، ويضيف “ليس ثابتاً أنه انتسب إلى حراس الدين”.
ماذا يفعل البغدادي في إدلب؟
بالنسبة إلى المصدر الذي تحدث إلى “180”، فإن وصول البغدادي إلى إدلب لم يكن فراراً أو مجرد بحث عن الأمان، فهو كان يتحرك بموجب خطة جرى الإعداد لها منذ فترة طويلة.
وبحسب المصدر فإن البغدادي لا يستطيع أن يفرض نفسه ويثبت وجوده، وربما لا يستطيع استعادة دولته إلا في مناطق الصراع، وإدلب هي منطقة الصراع الوحيدة حالياً. ويضيف “هذا بالإضافة إلى أن إدلب فيها خلايا منتشرة للتنظيم (داعش)، وهناك بيئة متعاطفة معه في بعض المناطق، والأهم أن بعض قادة التنظيم يعملون في إدلب منذ سنين، لذلك فإنه لن يبدأ من الصفر”.
يرى المصدر في مقتل أبي الحسن المهاجر، المتحدث الرسمي باسم “داعش”، في مدينة جرابلس ما يؤكد هواجس “الهيئة” بأن التنظيم كان يعمل وفق خطة متكاملة لنقل ثقله إلى منطقة إدلب.
وبخصوص إمكانية إجراء مصالحة عبر وساطة من جانب طرف ما بين “الهيئة” و”داعش” بعد غياب البغدادي، وبالتالي زوال الجانب الشخصي في الخلاف بين الطرفين، يستبعد المصدر بشكل قاطع مثل هذا الاحتمال، ويقول عبارة جازمة “الأمور بين الهيئة وداعش وصلت منذ سنين إلى نقطة اللاعودة”.
وحول ما إذا كان ثمة احتمال آخر بأن يجري اتفاق ما بين “داعش” وبعض التنظيمات الأخرى مثل “حراس الدين” أو “أنصار التوحيد” أو “أنصار الاسلام”، يتمسك المصدر بجوابه الأول، ويؤكد أن جميع هذه التنظيمات تعتبر “داعش” خطاً أحمر، مشيراً إلى بيان صدر عن “حراس الدين” في أعقاب مقتل البغدادي هدد فيه بفصل كل من له صلة بتنظيم “داعش”.
وجواباً على سؤال “هل تعتقد أن قادة التنظيم سيواصلون محاولاتهم للوصول إلى إدلب؟”، قال المصدر “هم لا يحاولون.. بل يندفعون اندفاعاً”، لافتاً إلى أنهم سيستمرون في ذلك لسببين: الأول هو مواصلة العمل بخطة الوصول إلى إدلب من أجل إيجاد موطئ قدم لهم ومحاولة قلب الطاولة على الجميع، مستغلين حالة الصراع والفوضى. والثاني أنه في حال أخفقت خطتهم، سيظل لديهم أمل كبير بأنه في حال اندلاع المعارك في إدلب سيكون بإمكانهم استغلال موجات النزوج من أجل الخروج إلى تركيا.