روحاني يبحث عن معجزة في اليابان.. والمحافظون ينتظرونه

يصل الرئيس الإيراني الشيخ حسن روحاني إلى طوكيو غداً (الجمعة) في زيارة رسمية تستمر يومين هي الأولى من نوعها إلى اليابان منذ عقدين من الزمن، وذلك في سياق البحث عن فرصة إتفاق مؤقت بين طهران وواشنطن. هذه الزيارة نالت إهتمام وسائل الإعلام الايرانية.

“رئيس الجمهورية الشيخ حسن روحاني فقد مصداقيته في ايران والرئيس دونالد ترامب أصبح ضعيفاً في أمريكا. الرئيس روحاني فقد شعبيته لدرجة أن أنصاره يطالبون بإستقالته ومنتقديه يطالبون بإستجوابه. الرئيس ترامب يراقب ملف استجوابه في الكونغرس الأمريكي، وكل من الرئيسين (روحاني وترامب) يبحث عن علّة حتى يحظى بالتنفس الاصطناعي، الرئيس الأمريكي يحتاج إلى صورة تذكارية مع الرئيس الايراني والرئيس روحاني يستجدي تحسناً في الأوضاع الإقتصادية، وذلك عن طريق سياسة مجربة وخاسرة وهي سياسة التفاوض مع أمريكا والدول الأوروبية”.

هذا التحليل الناري ليس وليد ذهن كاتب هذه المقالة بل هو جزء من تحليل نُشر في أحد المواقع التابعة للتيار المحافظ المعارض للرئيس حسن روحاني وهو موقع “رجانيوز” الإلكتروني، وهذه النظرة لحكومة روحاني تتبناها بشكل عام وسائل الإعلام التابعة للتيار المحافظ، بشقيه المعتدل والمتشدد، وهي نظرة تعارض بشدة زيارة الرئيس الإيراني إلى اليابان.

وقد علّق موقع “مشرق نيوز”، وهو موقع آخر تابع للتيار المحافظ في ايران، على الزيارة على النحو الآتي: “نظراً إلى الأصوات التي تُسمع من اليابان يبدو أن الحكومة (الإيرانية)، ومن بوابة اليابان، تريد أن تجرّب مجدداً الطريقة التي أثبتت فشلها في الإتفاق النووي، وهي بذلك تختبر في الحقيقة استراتيجية محروقة”.

 الإنتحار على الطريقة اليابانية

يعتبر المحافظون في ايران أن زيارة روحاني إلى طوكيو بلا دعوة من رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، بمثابة خطأ سياسي جديد. وفي هذا الصدد، علق موقع “مشرق نيوز” قائلاً: “إذا كانت الحكومة (الإيرانية) قد اختارت المضي في الطريق الخاطئ سابقاً والنتيجة كانت إثارة الإحتجاجات الشعبية على نطاق واسع في الشارع الايراني، فإن المسير الذي تبحث عنه الحكومة الآن في اليابان، سوف يكون خطأ مضاعفاً لأن الحكومة بذلك تكرر الوقوع في الخطأ الجسيم مرة أخرى، والأسوأ أن الحكومة تريد أن تكرر الخطأ في وقت تعيش فيه ايران أزمة رفع سعر البنزين والإحتجاجات الشعبية”.

وأضاف الموقع أن أمريكا والغرب “لديهم تصور بأن ايران أصبحت ضعيفة ويمكنهم أن يفرضوا عليها الشروط والإملاءات التي يريدونها في الظروف الراهنة”. هذا الخطأ في المقاربة الروحانية، يراه المحافظون “محاولة إنتحار على الطريقة اليابانية (هاراكيري)”، فالحكومة من وجهة نظرهم ومن اجل حل المعضلات التي تواجهها وإعادة الأمل إلى الشارع الايراني “قررت الإنتحار على الطريقة اليابانية بدل البحث عن حلول عملية ومثمرة”.

ما الذي يبحث عنه روحاني في اليابان؟

أكدت وكالة كيودو اليابانية للأنباء أن زيارة روحاني إلى اليابان هي بطلب من طهران وأن اليابان لم توجه دعوة رسمية للرئيس الايراني، وحسب التحليلات التي انتشرت في ايران، فإن السلطات اليابانية التي فوجئت بطلب الزيارة، طلبت الإذن من ترامب من أجل الموافقة على حصول الزيارة، وبالفعل حصلت طوكيو على الضوء الأخضر من أمريكا قبل الإعلان رسمياً عن موعد زيارة روحاني إلى اليابان.

بما أن روحاني طلب زيارة اليابان، فهذا يعني أن العرض الأمريكي الجديد لإيران أمر مستبعد حالياً

هذه الزيارة “لا يمكن إدراجها في إطار الزيارات الإعتيادية الباحثة عن تعزيز وتوطيد العلاقات الثنائية، فالعلاقات السياسية والإقتصادية بين طهران وطوكيو مقطوعة بالكامل بسبب العقوبات الأمريكية على ايران، فاليابان لا تشتري النفط الايراني وبسبب العقوبات الأمريكية هي غير قادرة أو غير راغبة بمساعدة ايران في الإلتفاف على العقوبات الأمريكية، كما أن اليابان لم تقف يوماً على الحياد في النزاع الايراني ـ الأمريكي، وبناء على ذلك، يمكن الإستنتاج أنه توجد أسباب غير معروفة وراء الزيارة وهي غير مرتبطة بالعلاقات الثنائية”، تقول مصادر إيرانية.

وإذا كانت العلاقات الثنائية ليست محور هذه الزيارة، فإن تحريك واستئناف الوساطة اليابانية بين ايران وأمريكا، قد يصبح من أبرز الأسباب التي يمكن أن تبرر الزيارة، “ولو أن اليابان وجهت الدعوة إلى روحاني للقيام بهذه الزيارة، لإفترضنا ان أمريكا بوارد تقديم عرض جديد لإيران يساعد على فتح باب التفاوض من جديد بين طهران وواشنطن، ولكن، بما أن روحاني طلب زيارة اليابان، فهذا يعني أن العرض الأمريكي الجديد لإيران أمر مستبعد حالياً، ولهذا السبب نرى أن الاصلاحيين أيضاً ليسوا متفائلين بالأهداف التي قد تحققها زيارة روحاني إلى طوكيو”، على حد تعبير المصادر الإيرانية.

رحلة إستجمام لليابان!

بدوره، علّق سفير ايران الأسبق في سويسرا والصين محمد حسين ملائك وهو من المحللين الإصلاحيين، على الأهداف المحتملة للزيارة على النحو الآتي: ربما تكون ايران قد وافقت على مبدأ التفاوض خارج الإتفاق النووي ولكن فقط في ما يتعلق بالشؤون النووية، وهذا يعني التوصل إلى إتفاق نووي جديد، ولكن وفق رؤية وملاحظات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والإحتمال الثاني، من وجهة نظر ملائك، أن ايران ربما تكون قد وافقت على التفاوض حول مواضيع أشمل من الإتفاق النووي، ومن بينها الملف الصاروخي الايراني والنفوذ الإقليمي لايران في الشرق الأوسط، وهذه الإنعطافة السياسية يمكن قراءتها أيضاً ما بين سطور “مشروع السلام ـ هرمز” الذي عرضه الرئيس حسن روحاني على الدول العربية في خليج فارس، ويمكن أن تكون اليابان محطة إنطلاق جيدة لمثل هذه المفاوضات. وأضاف ملائك متهكماً أن الإحتمال الآخر هو أن تكون زيارة روحاني للاستجمام واسترخاء أعصاب أعضاء الحكومة بحيث يمضون بضعة أيام في الخارج وبتكاليف مقبولة!.

يتربص المحافظون المتشددون لروحاني حتى يشنوا ضده حرباً إعلامية عشواء إذا لم تكلل زيارته إلى اليابان بتحقيق الأهداف التي يبحث عنها شيخ الديبلوماسية الإيرانية

كيف يقيّم المحافظون زيارة روحاني؟

إقرأ على موقع 180  الإنسحاب الأميركي المنقوص.. رافعة توازن مع إيران

إختار الأكاديمي فؤاد ايزدي، وهو من المحللين المعتدلين المحسوبين على التيار المحافظ، التعليق على الزيارة على النحو الآتي: المسؤولون الأمريكيون يتصورون أنهم سوف يحصلون على الإمتيازات من ايران من خلال سياسة الضغط التي يمارسونها على طهران، والخطاب الذي جاء على لسان الرئيس روحاني في الأيام الأخيرة يعزز هذا التصور لدى المسؤولين الأمريكيين، الإقرار بان البلد يمر بظروف إقتصادية صعبة يرسل رسالة إلى المسؤولين في أمريكا بأن ايران تحتاج إلى مساعدة أمريكا من أجل تجاوز محنتها الإقتصادية.

وأضاف فؤاد يزدي أن أمريكا تنظر إلى زيارة روحاني إلى اليابان على أنها فرصة ثمينة وعلى الرئيس الإيراني أن يكون حذراً حتى لا يكرر الخطأ الذي ارتكبته حكومته في الإتفاق النووي، والمتمثل بتنفيذ ايران التعهدات التي قطعتها على نفسها من جانب واحد ومن دون أي مقابل.

ماذا لو عاد بخي حنين؟

وبرغم عدم التزام الدول الأوروبية بالوعود والعهود التي قطعتها على نفسها في الإتفاق النووي، وبرغم ان طهران لم تحصل على أي شي من الثمار الإقتصادية التي وعدت بها في الإتفاق النووي، وبرغم خروج أمريكا وخلافاً للأعراف الدولية والقانونية من الإتفاق النووي إلا ان روحاني يثبت بزيارته اليابانية انه ما زال يؤمن بالطرق الديبلوماسية، ولو أنه بات يدرك، قبل غيره، أن حظوظه في تحقيق هذا الحلم يحتاج إلى ما يشبه المعجزة.

وفي ظل المشاكل الداخلية في ايران والصراع المحتدم بين الاصلاحيين والمحافظين على مقاعد البرلمان في الإنتخابات البرلمانية المقررة في شباط/فبراير، يتربص المحافظون المتشددون لروحاني حتى يشنوا ضده حرباً إعلامية عشواء إذا لم تكلل زيارته إلى اليابان بتحقيق الأهداف التي يبحث عنها شيخ الديبلوماسية الإيرانية، خاصة أن الأجواء السياسية الراهنة في ايران تصب في مصلحة المحافظين وتُثقل كاهل الاصلاحيين والحل الوحيد الكفيل بإنقاذ الإصلاحيين وروحاني هو أن لا يعود من اليابان بخفي حنين.

Print Friendly, PDF & Email
طهران ـ علي منتظري

كاتب وصحافي ايراني مقيم في طهران

Free Download WordPress Themes
Download Best WordPress Themes Free Download
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  العلاقات السعودية السورية.. خدمات قنصلية تمهيداً لفتح السفارات!