المناورات الإيرانية-الروسية-الصينية: تحالف عسكري جديد وُلد

اختارت ايران طريقها العسكري، وادارت ظهرها للغرب، من خلال مناورات بحرية مع روسيا والصين، في خطوة تحمل الكثير من الرسائل الاستراتيجية، وتشي بأنّ تحالفاً عسكرياً جديداً قد وُلد، بما لذلك من أثار على مستقبل الصراع الجيوسياسي في العالم.

منذ وقت طويل، يطالب الخبراء والمحللون في الشؤون الاستراتيجية والعسكرية والسياسية في ايران بتبني برنامج واضح وطويل الأمد في ما يتعلق بإقامة تحالف استراتيجي عسكري وأمني مع روسيا والصين، واتخاذ خطوات جدّية لاتخاذ قرار مصيري مثل هذا.

في تقرير نُشر قبل ثلاثة عشر عاماً، أكد كاتب هذا المقال  أن ايران، وفي ظل السياسات الغربية والضغوط الإقتصادية والسياسية والدولية والإقليمية التي تفرضها عليها أميركا، لا بد أن تدخل في حلف أمني وعسكري طويل الأمد مع الصين وروسيا من أجل الحفاظ على أمنها وتأمين مصالحها الإقليمية والدولية.

اصطفاف الدول الغربية في مفاوضات مجموعة 5+1، والتي استمرت أكثر من 12 عاماً، أثبتت عملياً أن ايران لا يمكنها أن تتكئ على الغرب بشكل خاص، وخروج أميركا من الإتفاق النووي وفرضها عقوبات إقتصادية خانقة وأحادية الجانب على طهران بشكل يتعارض مع القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي، أثبت مجدداً أن على ايران التحرك بسرعة باتجاه الشرق.

هذه المناورة بعبارة أخرى هي بمثابة إدارة ايران ظهرها للغرب والتوجه باتجاه المنطقة التي تعتبرها مهد الحضارة البشرية.

 

رسالة ايران في المناورة

 

المناورة الأخيرة هي إنعكاس لقرار وإرادة المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، الذي يحمل على عاتقه منصب القائد العام للقوات المسلحة الايرانية، وهذا ما أكده قائد القوى البحرية الايرانية الجنرال حسين خانزادي بقوله إن القدر المتيقن منه هو أن المناورة تأتي في إطار تنفيذ توجيهات المرشد الأعلى، مؤكداً على ضرورة النظر إلى القوى البحرية على أنها قوة استراتيجية.

 الرسائل السياسية للمناورة الايرانية الروسية الصينية علق عليها خانزادي بقوله إن الرسالة الأولى هي أن المناورة ليست في مياه الخليج الفارسي أو في مضيق هرمز أو حتى في شمال بحر عمان، بل أقيمت في شمال المحيط الهندي.

ما أراد قائد البحرية الايرانية الإشارة إليه في تصريحه هذا هو أن ايران، واستناداً إلى هذا التحالف، لم تعد تلتزم حدودها الإقليمية، وبدأت تتحرك باتجاه تبني سياسة عابرة للقارات.

وأكد خانزادي أن رسالة المناورة موجهة لأميركا والدول الغربية بقوله إن ايران أصبحت قوية لدرجة أن القوى العظمى الإقليمية، والإشارة هنا إلى روسيا والصين، تجري معها مناورة بحرية كبيرة، رغم عدم رضى المعسكر الغربي عن هذه التحركات، وأنه لو أن عدم رضى الدول الغربية يؤثر على قرار وإرادة أي من هذه الدول، لما شهدنا هذه المناورات العظيمة.

قائد البحرية الايرانية وصف المناورة المشتركة بأنها نهضة حضارة عظيمة وقال: للمرة الأولى، نرى تشابك الجغرافيا في مناطق مختلفة من العالم، نحن نشاهد مناورة حقيقية وواقعية، واليوم نعاصر نهضة حضارية وخطوات منسجمة بأهداف مشتركة من أجل توفير الأمن للجميع في البحر.

قائد البحرية الإيرانية: للمرة الأولى، نرى تشابك الجغرافيا في مناطق مختلفة من العالم

شارك في هذه المناورة، التي انطلقت من ميناء تشابهار في جنوب ايران إلى شمال المحيط الهندي، وعلى مساحة وصلت إلى سبعة عشر ألف كيلو متر مربع، ألفي شخص: خمسمئة من القوات الصينية والروسية، و1500 من البحرية الايرانية.

الصين شاركت في المناورة بأكبر سفينة عسكرية مسجلة في أسطولها البحري، فيما شاركت روسيا بثلاث سفن من أحدث ما في أسطولها، والتي تتميز بقدراتها الهائلة على المناورة وخوض المعارك على سطح البحر، وفي الجو، بالإضافة إلى أنها مناسبة لمواجهة الغواصات.

أما ايران فشاركت بأضخم سفنها الحربية وغواصاتها المنتجة محلياً في المناورة المشتركة.

مشاركة السفن العسكرية والغواصات الايرانية المنتجة محلياً في عمليات مشتركة مع القوات البحرية الروسية والصينية اعتبرها الجنرال حسين خانزادي دليلاً على تحقيق ايران الإكتفاء الذاتي في بناء قوتها البحرية، وهو ما أثار غضب وقلق الغرب وأميركا على حد وصفه.

ايران، وفي إطار التعاون مع روسيا والصين، أعلنت رسمياً أن حدودها الدفاعية لم تعد تقتصر على حدودها الإقليمية، بل أنها أصبحت أوسع من ذلك، ولهذا السبب فإن المناروة الأخيرة لم تقتصر على الحزام الأمني البحري الايراني، وهذا التطور الجديد يأتي في وقت بلغ فيه التوتر العسكري والأمني والسياسي بين ايران وأميركا ذروته في منطقة الخليج الفارسي والشرق الأوسط.

المعادلة الجديدة التي يصفها قائد البحرية الايرانية بولادة حضارة جديدة هي في الحقيقة ولادة تحالف عسكري جديد بين ايران وروسيا والصين، وهو ما أشرت له في مقالي السابق “الخروج من الإتفاق النووي القديم إلى الإتفاق النووي الجديد” في إطار توقع السياسة العسكرية المستقبلية الايرانية، ولا شك أن ايران سوف تمضي في سياستها الجديدة، وأن هذه السياسة الجديدة سيكون لها بالغ التأثير على التطورات الإقليمية والدولية.

يمكن النظر إلى المناورة على أنها دعم روسي-صيني واضح لإيران في مواجهة الغرب

ورغم أن المسؤولين عن الملفات الدفاعية في الدول الثلاث أكدوا أن هذه المناورة تأتي في سياق العلاقات الإعتيادية بين الدول، إلا أن الكثير من الخبراء والمتخصصين اعتبروها دعماً واضحاً وعلنياً لطهران من قبل موسكو وبكين، ورسالة واضحة موجهة إلى أميركا وحلفائها الإقليميين بضرورة تجنب زيادة التوتر وإشعال الحروب في المنطقة.

إقرأ على موقع 180  بوتين وأردوغان رفيقا الطرق.. المتوازية

 التعاون العسكري بين ايران وروسيا في مجال محاربة الإرهاب في سوريا وكذلك التعاون الأمني الثلاثي بين ايران وروسيا والصين هو دليل على قيام تحالف استراتيجي أمني جديد في المنطقة، وإجراء أول مناورة بحرية مشتركة هي إنعكاس لحقيقة أن الدول الثلاث تسعى للدفاع عن مصالحها المشتركة في مواجهة التهديدات الأميركية، وتسخير قدراتها من أجل توفير الأمن والاستقرار لتحل بدلاً عن السياسات الأميركية الباعثة على زعزعة الأمن والإستقرار.

 ملاحظات مهمة في التحالف الايراني الروسي الصيني:

1-      قرار إقامة تحالف ايراني مع روسيا والصين تم اتخاذه من قبل المرشد الأعلى والقائد العام للقوات المسلحة الايرانية آية الله علي خامنئي، وهذا يعني أن ايران اختارت طريقها على بيّنة وهذا الاختيار جاء نتيجة دراسات استغرقت عدة سنوات.

2-      ايران ومن خلال إجراء مناوراتها البحرية في الحزام الأمني البحري عزلت طريقها عن الدول الأوروبية وأميركا، ولن تتراجع عن الطريق الجديد الذي اختارته على المدى المنظور.

3-      التحالف الجديد سيكون له بالغ التأثير على الإتفاق النووي، وفي الوقت الذي تعتبر فيه روسيا والصين أن أميركا والدول الأوروبية بترددها في الالتزام بتعهداتها تساهم في إنهيار الإتفاق النووي، فإن أميركا والدول الأوروبية لن تكون قادرة على تفعيل آلية فض النزاع المنصوص عليها في الإتفاق النووي، وبالتالي لن تتمكن من إعادة ملف ايران إلى مجلس الأمن الدولي، وحتى إذا تقدمت بهذا الإقتراح فإن الصين وروسيا لن تسمحان بالتصويت لصالح هذا القرار.

4-      العلاقات والتعاون بين ايران وروسيا في سوريا والعراق والشرق الأوسط ستتطور بسرعة.

5-      التحالف العسكري الجديد حديث الولادة يمكن أن يكون منافساً قوياً وبديلاً للمشروع العسكري الأمني الأميركي الذي رفع شعار الحفاظ على أمن الخطوط البحرية الإقتصادية في مياه الخليج الفارسي.

6-      لا شك أننا وفور إنتهاء المناورات البحرية بين ايران و روسيا والصين سنشاهد تحركات جدية لإلحاق الهند في هذا التحالف الجديد، ولو تكللت هذه المحاولات بالنجاح عندها يمكن القول إن ما وصفه قائد القوى البحرية الايرانية حسين خانزادي بولادة حضارة بشرية جديدة في الشرق سيصبح مشروعاً قابلاً للتحقق.

 

Print Friendly, PDF & Email
طهران ـ علي منتظري

كاتب وصحافي ايراني مقيم في طهران

Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes Free
Free Download WordPress Themes
free download udemy course
إقرأ على موقع 180  عن "الإمبراطورية" و"الفيروس" ورئيس لبنان!