عندما تصبح فلسطين مادة إنتخابية لترامب ونتنياهو..

Avatar18029/01/2020
أن تمر ما تسمى "صفقة القرن"، في مناخ عربي يمتزج فيه الصمت بالتواطؤ والرفض الخجول، هذا الأمر كاد يصبح مألوفاً، لكن المؤسف أن إسرائيل، وبرغم ما تناله من "جوائز أميركية"، تبدو مشدودة إلى ما بعد تلك الصفقة. هذا ما تشي به المقالات والإفتتاحيات في الصحف والمواقع الإسرائيلية اليوم، فضلا عن تركيزها على البعد الإنتخابي لـ"الصفقة" أميركيا وإسرائيلياً.

يقول عاموس يادلين، مدير معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي في “مباط عال” إن الخطة، بمكوناتها الأساسية، “هي أفضل ما قدمه طرف دولي إلى إسرائيل على الإطلاق (حدود، أمن، وضع القدس، وطريقة حل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين)، لكنها لن تؤدي إلى السلام، وحتى لن تُستخدم كأساس لمفاوضات إسرائيلية – فلسطينية في المستقبل القريب، بل يمكن أن تكون نقطة انطلاق للتقدم مستقبلاً نحو حل الدولتين، وللردّ على ثلاثة مصادر تخوّف مركزية لإسرائيل: ضمان مستقبلها كدولة يهودية، ديمقراطية وآمنة، ضمن الأبعاد المقبولة من أغلبية الإسرائيليين”.

ويضيف أنه ليس من مصلحة إسرائيل إعادة الموضوع الفلسطيني إلى مقدمة المسرح بل يجب أن تعطي  إسرائيل اهتمامها لاستمرار التركيز على التهديدات الأمنية المركزية التي تتعرض لها ومصدرها إيران: المشروع النووي، التمركز الإيراني في سوريا ومشروع الصواريخ الدقيقة في لبنان. أي يتعين على إسرائيل ألّا تسمح للولايات المتحدة، بتهميش جدول أعمال هذه الموضوعات التي تُعتبر الأكثر إلحاحاً وأهمية للأمن القومي للدولة.

هدية مقلقة لإسرائيل

ورأى المحلل السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ناحوم برنياع، أن “حل الدولتين، الذي سيطر على الخطاب الدولي منذ العام 1993، يفقد بهذه الخطة ما تبقى من صلته بالواقع. وستسيطر دولة واحدة بين النهر والبحر، بفضل أميركا. وهذه ليست خطة سلام. هذه خطة ضم”. وأضاف أن “صفقة القرن” سخية للغاية من أجل “توفير الاحتياجات الأمنية لإسرائيل والمستوطنات في الضفة. وقد حصل نتنياهو من الأميركيين على ما لم يتمكن من تحقيقه أي من أسلافه: اعتراف بسيادة إسرائيل في شرقي القدس حتى الجدار الفاصل؛ اعتراف بالسيطرة الأمنية على الضفة كلها؛ تبادل أراضي على أساس غير متساوي؛ وبالأساس، مجموعة من الشروط المسبقة التي لن يكون بإمكان أي قيادة فلسطينية الموافقة عليها. والدولة الفلسطينية المستقلة التي يتحدث عنها ترامب بائسة أكثر من (إمارة) أندورا، ومقسمة أكثر من جزر العذراء”، وشدد على أن “إنجاز نتنياهو، بمساعدة متحمسة من كوشنر وفريدمان، هو هدية مقلقة بنظري: فهو يقود إلى نهاية الدولة اليهودية – الديمقراطية، وإلى نهاية الصهيونية”.

واعتبر برنياع أن “إسرائيل كانت منذ تأسيسها قضية سياسية أميركية داخلية، وليس قضية في السياسة الخارجية. وكلما ازداد تأثير يهود الولايات المتحدة، ازداد الالتزام تجاه إسرائيل. لكن طرأت تغييرات في السنوات الأخيرة. فقد انتقل التركيز من اليهود إلى الإنجيليين. وترامب بحاجة إليهم وإلى مالهم وحضورهم في مهرجاناته ومشاركتهم في الانتخابات. واليهود بغالبيتهم الساحقة يحتقرون ترامب ويبتعدون عن إسرائيل. وخطابا ترامب ونتنياهو كانا موجهين إلى آذان الإنجيليين. وهذا كان إسهام نتنياهو المتواضع في انتخاب ترامب”.

وأشار برنياع إلى أن توقيت نشر “صفقة القرن” هو “إسهام ترامب غير المتواضع في انتخابات نتنياهو. ولا أعرف كم عدد الأصوات التي أضافها نتنياهو لنفسه. لكن نية ترامب، التدخل في الانتخابات هنا، ليست واضحة أبدا… وترامب ليس الرئيس الأميركي الأول ولا الأخير الذي يعمل بهذا الشكل مع إسرائيل”.

الدولة الفلسطينية المستقلة التي يتحدث عنها ترامب بائسة أكثر من (إمارة) أندورا، ومقسمة أكثر من جزر العذراء

وفقا للمحلل السياسي في صحيفة “معاريف”، بن كسبيت، فإن “صفقة القرن” مؤيدة بشكل بالغ لإسرائيل، “لكن توجد فيها مشكلة واحدة: لا يوجد فيها أي احتمال واقعي على الأرض”، ورأى أن “خطة ترامب هي عمليا تطبيق دقيق لخطاب بار إيلان. وهذه هي الدولة الفلسطينية التي تمناها نتنياهو – منزوعة السلاح، محاصرة، مستضعفة، لكنها دولة”.

نتنياهو يحقق أحلامه

ووصف رئيس تحرير صحيفة “هآرتس” ألوف بِن، “صفقة القرن” بأنها “حققت معظم أحلام نتنياهو السياسية”، وأشار إلى أن نتنياهو استعرض هذه الأحلام ـ الخطوات في كتابه “مكان تحت الشمس”، الذي صدر قبل 25 عاما، “وقد اتهم نتنياهو، حينذاك، الغرب بخيانة الصهيونية وتصوير إسرائيل كدولة غازية ومحتلة، بدلا من وصفها كضحية عدوانية تحتاج إلى “حائط دفاعي” من خلال جبال يهودا والسامرة وهضبة الجولان”.

وأضاف “لقد وقّع ترامب فعلاً على الخطة المفروض أن تساعده على تجنيد تأييد الإنجيليين واليهود اليمينين في الانتخابات لولاية رئاسية أُخرى في تشرين الثاني/نوفمبر 2020. لكن “صفقة القرن” هي أكثر من أي شيء آخر إرث نتنياهو، أعدّها ببراعة دبلوماسية لا بأس بها – وحقق حلمه بعد ساعات قليلة من تقديم لائحة الاتهام ضده في المحكمة اللوائية في القدس. مسيرته المهنية في قيادة الدولة تقترب، على ما يبدو، من نهايتها؛ ومثل الذين سبقوه من دون استثناء، نتنياهو أيضاً يواجه مأساة مر بها رؤساء حكومات إسرائيل الذين لم يتقاعد واحد منهم طوعاً. الدراما المزدوجة، في المحكمة وفي البيت الأبيض، أظهرت أن نتنياهو يتفوق على الذين سبقوه بقوة الرواية. ثمة شك في أن ذلك سيساعده على البقاء لولاية ثانية في رئاسة الحكومة”.

الدراما المزدوجة، في المحكمة وفي البيت الأبيض، أظهرت أن نتنياهو يتفوق على الذين سبقوه بقوة الرواية. ثمة شك في أن ذلك سيساعده على البقاء لولاية ثانية في رئاسة الحكومة

واعتبر المحاضر في قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب، البروفيسور أيال زيسر، في صحيفة “يسرائيل هيوم”، أنه “خلافا للماضي، لم يعد الشرق الأوسط منقسما بين إسرائيليين ضد الفلسطينيين ومن خلفهم الدول العربية. والتقسيم الجديد هو إيران وحليفاتها ضد الدول العربية المعتدلة وإلى جانبها إسرائيل والولايات المتحدة. وبقرارهم رفض الخطة الأميركية، يختار الفلسطينيون أن يكونوا في الجانب غير الصحيح للخريطة والتاريخ. والعالم العربي يدرك ذلك، ولذلك أدار ظهره لهم في وقت خطير لهذه الدرجة”.

إقرأ على موقع 180  "معاريف": لا بد من رسالة إلى نصرالله!

وكتبت المحللة سمدار بيري في “يديعوت” أنه بإستثناء مديح ترامب اللطيف للملك الأردني، لم تعرض عليه مساعدات مالية، حتى أن نتنياهو لم يذكر عبدالله الثاني، “وكأن الاردن ليس جزءا من القصة، في ظل التجاهل لقدراته على الجسر في نقاط معينة بين اسرائيل والفلسطينيين. والعكس هو الصحيح، إذ تحدث عن توسيع النشاط الاسرائيلي في غور الاردن، بدون الاردنيين”.

​وتابعت أن الملك الاردني، “سافر أمس في زيارة عزاء لعائلتين في العقبة، وكأنه أراد بث رسالة “لا يهمني ما يقولونه في واشنطن”. ولكن في قصره في عمان اجتمعت مجموعة المستشارين الكبار لمشاهدة عرض ترامب ونتنياهو. “نمر بأزمنة صعبة جدا”، اشتكى الملك منذ زمن غير بعيد، “لا افهم لماذا لا يدخلونني في الصورة ولماذا لا اعرف الخطة”. كم يختلف هذا عن عهد رابين الراحل، الذي حرص على أن يطلع الملك حسين على كل خطوة، او عهد ايهود باراك، الذي دعا ولي العهد عبدالله لاطلاعه سرا في وزارة الدفاع في تل أبيب”.

​​إنقاذ بيبي من السجن

وقال ران إدليست في “معاريف” إن “الاتفاق التاريخي” الذي قدمه ترامب لنتنياهو “هو شيك بلا غطاء من مفلس. هذه خطة شريرة، مدعية وسخيفة لها هدفان محددان: انقاذ بيبي من السجن وتثبيته كالمصمم التاريخي لدولة اسرائيل”. وأضاف “كما في حالة نتنياهو، الكل يعرف بان ترامب كذاب… وكي نفهم التوازن يجدر بنا أن نأخذ التلسكوب لكي نفحص من هو اليوم هذا الترامب الذي يعمل هنا بمثابة المخلص. يدور الحديث هنا عن جثة سياسية عفنة رائحتها واضرارها تهدد بتدمير الانسجة السليمة في المجتمع الامريكي ومنظومة العلاقات الدولية التي قادها اوباما نحو تفاهمات افضل”.

وعرض تسفي برئيل في “هآرتس” لمواقف الدول العربية من الصفقة وركز على مواقف السلطة الفلسطينية وحماس وقدر أن نشر الخطة سيسرع المصالحة بين فتح وحماس كجزء من الجهود لتنسيق النضال الداخلي والدولي ضدها. وختم بالقول إن ​الجزء الاكثر واقعية في خطة ترامب وفي الاقوال التي قالها “هو أن الامر يتعلق بحلم، مثل حلم يوم القيامة أو حلم احياء العظام. الـ 81 صفحة التي خصصت لهذا الحلم ربما تشمل أدق التفاصيل الممتعة والاصلية، لكن خطة، بالاحرى صفقة، سيكون هذا تعريف بعيد جدا لهذه الوثيقة”..

وفي “هآرتس”، أشار المحلل عاموس هرئيل إلى أن ما جرى “كان يوما تاريخيا في الجبهتين: في البيت الابيض، حيث عرض ترامب خطته للسلام، التي تقريبا حاصرت البرنامج الانتخابي لليكود من اليمين. وفي القدس، حيث قدمت النيابة العامة لائحة الاتهام ضد رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو اثناء غيابه، وضمته الى ايهود اولمرت في النادي الصغير وغير الحصري لرؤساء الحكومات الذين تم تقديمهم لمحاكمات جنائية. ​هذان الحدثان ظهر فيهما أن تداعيات العملية الاستراتيجية في واشنطن ما زالت غامضة. في الساحة القانونية، نتنياهو لا يمكنه كما يبدو أن يعيد عقارب الساعة الى الوراء، ويصعب الآن رؤية كيف سينجح في أن يتملص من الاجراءات القانونية ضده على طول الطريق. خطة ترامب هي بمثابة جهد أخير لإنقاذ نتنياهو من الشرك السياسي الذي سقط فيه. السؤال الرئيسي بالنسبة لنتنياهو على المستوى الشخصي هو هل عرض التأييد الذي نظمه من أجله ترامب سيساعده بعد شهر في اوساط الناخبين الاسرائيليين”.

Print Friendly, PDF & Email
Avatar

Download WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
Download Premium WordPress Themes Free
Premium WordPress Themes Download
udemy paid course free download
إقرأ على موقع 180  عن يوتوبيا العروبة.. وإنكار الهزيمة!