من “سارس” إلى “كورونا”… هل اختلفت المقاربة الصينية؟

Avatar18031/01/2020
يثير انتشار فيروس "كورونا" الجديد مخاوف جدّية من تكرار سيناريو العام 2002، حين أدّى تفشي فيروس "سارس"، الذي كانت انطلاقته أيضاً من الصين، إلى انتقال العدوى إلى نحو 8000 آلاف شخص في 30 دولة، ووفاة 774، متسبباً بخسائر اقتصادية تراوحت التقديرات بشأنها بين 30 و100 مليار دولار على المستوى العالمي، وبتراجع للناتج المحلي الإجمالي الصيني بنسبة واحد في المئة.

تكمن المخاوف حالياً من حقيقة أن “كورونا”، الذي أصيب به حتى الآن أكثر من 4500 شخص، مع تسجيل أكثر من مئة حالة وفاة، يتشابه مع  “سارس”  في أوجه عديدة، فالفيروس الجديد يتشارك مع سلفه بـ 70 في المئة على الأقل من التركيبة الوراثية، بجانب طريقة الانتشار، والأعراض السريرية، وكلاهما يمكن أن ينتشر بين الحيوانات والبشر.

ثمة وجه تشابه آخر بين “كورونا” و”سارس” يتجاوز الخصائص الجينية والسريرية للفيروسين، ويتصل بالمقاربة المتبعة من قبل الصين تجاههما، وهو ما أشير إليه في أحدث تقرير صادر عن مركز “برغروين” البحثي، الذي يأخذ على الحكومة الصينية عدم تكييفها نظام الصحة العامة بالقدر الكافي لمواجهة مخاطر فيروس مثل “كورونا”، برغم أن هذا النظام قد جرى تحديثه بالفعل نتيجة لاستخلاص دروس تجربة العام 2002.

انطلاقاً من ذلك، يلحظ تقرير ” برغروين” أن الإبلاغ عن “كورونا” من قبل السلطات الصينية شابته الكثير من العيوب، ذلك أن مسؤولي الصحة العامة ظلوا، حتى لحظة انتقال الفيروس إلى خارج حدود الصين، يصرون على أنه لا يمكن أن ينتقل بين البشر، نافين بشكل قاطع التقارير المخالفة لهذا الرأي.

وفقاً لتقرير ” برغروين”، فإنّ ما حدث كان “خطأً مخيّباً للآمال”، لا سيما بعدما سارعت الحكومة الصينية قبل 15 عاماً إلى إعادة هيكلة نظام الصحة العامة استجابة لتجربة “سارس”، عبر آليات متطورة تلحظ الإبلاغ السريع، عبر شبكة الانترنت، عن المخاطر الصحية الناشئة لحظة وقوعها.

يضاف إلى ما سبق أن المركز الوطني الصيني لمكافحة الأنفلونزا بادر، في سياق هذه الخطة، إلى توسيع شبكة المراقبة الخاصة به لتشمل كافة المقاطعات، وبات من المراكز العالمية المعروفة بتعاونها الوثيق مع منظمة الصحة العالمية لمكافحة الأنفلونزا  منذ عام 2010.

واعتباراً من تشرين الثاني/نوفمبر عام 2017 ، كان مركز مكافحة الأمراض الصيني يتكون من آلاف الوحدات وما يقرب من مليون متخصص في الصحة العامة.

ومع ذلك ، كشفت آلية التعامل الأولي في الإبلاغ عن حالات الإصابة بفيروس “كورونا” عن وجود نقاط ضعف في هذا النظام المحسن.

المشكلة الأساسية في ذلك تعود، وفق تقرير “برغروين”، إلى أن الربط الصارم لكل أوجه الحياة في الصين بالأداء الاقتصادي، يجعل المسؤولين مترددين في الكشف عن وباء محتمل خوفاً من تأثيره الاقتصادي، وبخاصة أن انتشار فيروس “كورونا” سبق حلول رأس السنة الصينية الجديدة، وهو الموسم الذي يعدّ فيه القطاع السياحي وعمليات البيع بالتجزئة أحد الروافد الاقتصادية القوية.

يضاف إلى ما سبق أن إعادة هيكلة النظام الصحي في الصين ظلت يعاني من خلل بنيوي، بالنظر إلى اعتماد هذا النظام الصحي على الموظفين المحليين المدعومين بتمويل من الإدارات المحلية.

ويشير تقرير حديث صادر عن مركز السيطرة على الأمراض في الصين إلى أن مستويات الموظفين آخذة في الانخفاض، فقد كان من الصعب تعيين وتوظيف مهنيين ذوي خبرة عالية خلال السنوات الماضية، في وقت واجهت الحكومة الصينية عقبات متعددة في رفع مستوى الرقابة الصحية.

مع ذلك، قد تكون هناك بارقة أمل في عدم تكرار سيناريو العام 2002، فبحسب المعطيات الحالية، التي رصدها تقرير ” برغروين”، لا يزال مسار فيروس “كورونا” مختلفاً تماماً عن مسار فيروس “سارس”، إذ كان معدل الوفيات الناجمة عن “سارس” حوالي 10 في المئة، في حين يبلغ معدل الوفيات الناجمة عن “كورونا” حوالي ثلاثة في المئة (حتى الآن)؛ ومن جهة ثانية، ثمة تعاون عالمي غير مسبوق في مجال البحوث العلمية الصحية مع  هذا الفيروس الجديد المتفشي.

يظهر ما سبق أن السلطات الصينية تعتمد مقاربة مختلفة تماماً عن تلك التي انتُقدت بسببها قبل عقدين من الزمن، ففي غضون أيام قليلة تبادل العلماء في الصين بيانات التسلسل الجيني للفيروس. وبالمقارنة، استغرق الأمر خمسة أشهر بعد الإبلاغ عن الحالات الأولى لتسلسل جينوم “سارس”.

يضاف إلى ذلك أن الصين سارعت أيضاً إلى إطلاق نظام الاستجابة الوطنية، حيث عبّر المسؤولون الصينيون عن التزام سياسي قوي لاحتواء الوباء، إن لجهة تخصيص الموارد المالية الضرورية لذلك، أو لجهة اتباع إجراءات حجر صحي غير مسبوقة.

على هذا الأساس، يمكن أن يشكل “كورونا” أهم اختبار لنظام مراقبة الأوبئة المعزز الذى تتبعه الحكومة الصينية، وتبرز المعركة المستمرة ضد هذا الوباء أهمية إعطاء الأولوية للبحوث الصحية العالمية والتعاون المفتوح بين العلماء في جميع أنحاء العالم.

Print Friendly, PDF & Email
إقرأ على موقع 180  الطائفية، الأقليات والأكثريات والأوهام
Avatar

Premium WordPress Themes Download
Download WordPress Themes
Download WordPress Themes Free
Download WordPress Themes
online free course
إقرأ على موقع 180  لودريان في بيروت.. مهمة أبعد من إسم رئيس الجمهورية!