برغم الإنشغال الإسرائيلي في مواجهة فيروس كورونا الذي يتدحرج بوتيرة متسارعة في الكيان العبري، برغم الإجراءات المتخذة عند الحدود وفي الداخل، أبرم رئيس كتلة “أزرق أبيض” بيني غانتس صفقة مع زعيم الليكود بنيامين نتنياهو، أفضت إلى إنتخابه رئيساً للكنيست، فيما سيجير أصوات جزء من كتلته لمصلحة تشكيل نتنياهو ما يسميها “حكومة وحدة” في مواجهة المخاطر التي تهدد إسرائيل، وأولها حالياً فيروس كورونا، حيث تم تسجيل أكثر من ثلاثة آلاف إصابة، بينها 12 حالة وفاة حتى اليوم (الجمعة).
يطرح ما يجري من تطورات سياسية متسارعة وضعها البعض من المحللين في خانة “الإنقلاب” إشكالية تتجاوز الإنتخابات التشريعية وتشكيل الحكومات والأخطار الأمنية ومواجهة كورونا. إنها، على حد تعبير الصحافي الفلسطيني المتخصص بالشأن العبري الزميل حلمي موسى، “أزمة جوهرية، اجتماعياً وثقافياً وحضارياً، وهي التي تحدد وجهة المجتمع وهوية الدولة. هي، من جهة، عبارة عن أزمة بين من يريدون تغليب البعد القومي الديني، ومن جهة ثانية، هي أزمة يمينية ضيقة، على المظهر الليبرالي الذي حاولت الدولة العبرية التمظهر به على مدى العقود الماضية”.
ويضيف موسى أن قيادة التحالف القومي الديني في العقد الأخير “أدت إلى تعاظم الفاشية ليس فقط في مواجهة العرب وإنما أيضا في مواجهة الليبراليين. كما أن الصهيونية التي أرادت أن تكون “علمانية” لتجمع ليس فقط بين المتدينين وغير المتدينين وإنما بين المتدينين المختلفين أنفسهم صارت وبالتدريج تميل أكثر لمصلحة التيار الأرثوذكسي على حساب التيارين الإصلاحي والمحافظ”.
كيف تعاملت الصحافة الإسرائيلية مع “الفوز العظيم” الذي تنبأ به نتنياهو قبل الإنتخابات الأخيرة؟
ليبرمان الخاسر الأكبر
يقول رئيس تحرير صحيفة “هآرتس” ألوف بن إن الساحر (نتنياهو) “هزم خصومه بضربة قاضية مدوية. هو سيُنتخب مجدداً رئيساً للحكومة بأغلبية كبيرة من أعضاء الكنيست، على الرغم من أنه لم يفُز في الانتخابات العامة، وعلى الرغم من التهم الثلاث المقدمة ضده، والتي كما يبدو ستُرمى قريباً في سلة المهملات”.
الوف بن: الكورونا سيُستخدم لتبرير ضم الضفة بحجة أن إسرائيل تريد ضمان سيطرتها على الحدود الخارجية والداخلية لمنع تفشي الأمراض
ويضيف في إفتتاحية بعنوان “غانتس تحول من بديل إلى نائب أردوغان” أن إلغاء محاكمة نتنياهو “سيكون المهمة الأولى لحكومة الوحدة الوطنية أو حكومة الطوارىء، أو أي اسم آخر يطلقونه عليها”. كما أنه وقبيل الخريف المقبل، “سيُطرح مجدداً للنقاش موضوع ضم الضفة الغربية. فإذا واجه دونالد ترامب صعوبات في حملة إعادة انتخابه، سيكون أكثر ميلاً إلى تشجيع عمليات ضم إسرائيلية لتعبئة مؤيديه الإنجيليين من أجل مساعدته في مواجهته مع المرشح الديموقراطي جو بايدن. أيضاً وباء الكورونا سيُستخدم لتبرير ضم الضفة بحجة أن إسرائيل تريد ضمان سيطرتها على الحدود الخارجية والداخلية لمنع تفشي الأمراض”، على حد تعبير ألوف بن.
ويضيف رئيس تحرير “هآرتس” أن الخاسر الأكبر من انشقاق غانتس هو أفيغدور ليبرمان الذي اعتُبر في السنة الماضية كـ”متوّج الملوك” في العمليات السياسية الإسرائيلية وعدو نتنياهو الشرس، “أما الآن، فسيبقى رئيس كتلة معارضة ضئيلة الشأن ورئيس حزب هامشي ومحلل في قنوات التلفزيون. لقد كان لدى ليبرمان فرصة للتخلص من نتنياهو لو وافق على حكومة أقلية بتأييد القائمة (العربية) المشتركة بعد انتخابات أيلول/سبتمبر 2019 التي حصل فيها اليمين المتشدد بزعامة نتنياهو على 55 مقعداً فقط. لكنه شعر بالخوف، أو أنه كان صادقاً في شعاراته ضد العرب. وعندما وافق على هذه الصيغة، بعد الانتخابات الأخيرة، انقلبت موازين القوى وبقي من دون شيء”.
أما يائير لبيد، شريك بيني غانتس الإنتخابي، ورئيس المعارضة المقبل، “فقد حظي بعودة نادرة كزعيم للكتلة السياسية المعارضة. لقد أثبت لبيد صدقيته وتمسّكه بالهدف، عندما وافق على التخلي عن المداورة في رئاسة الحزب مع غانتس، وعندما أيّد الصفقة مع القائمة المشتركة (مع أنه لم يتصور مع زعمائها)، وفي رفضه الدخول إلى حكومة نتنياهو. الآن، يُتاح له بعد أن أزاح عن ظهره غانتس وغابي أشكينازي، أن يستغل الوقت لبناء نفسه كزعيم بديل في اليوم التالي لما بعد نتنياهو، انسجاماً مع قاعدة أرييل شارون، “الأساس البقاء على عجلة القيادة”، يقول ألوف بن.
غانتس ليس بطلاً ولا خائناً
صار غانتس رئيساً للكنيست، وفي الوقت نفسه، عاد رئيساً لحزب “حوسين ليسرائيل” (مناعة لإسرائيل)، بعدما فكّك كتلة “أزرق أبيض”، وإنتقل إلى معسكر نتنياهو. ويقول المحلل السياسي في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، ناحوم برنياع، إن غانتس “ليس خائناً، وهو ليس بطلاً أيضا. وهو ينتمي إلى جيل الجنرالات الذين لم يحققوا انتصاراً في حياتهم العسكرية، وإنما التعادل فقط. غانتس كان يدرك أن جولة رابعةً ستقلّص كتلته أكثر. ولم يكن بإمكانه تشكيل حكومة أقلية، وحتى لو كان سينجح بجلب الأصوات المطلوبة من كتلته، كانت هذه الحكومة ستسقط ضحيةً لأزمة كورونا وآلة نتنياهو الدعائية. ولم يرغب بالجلوس في المعارضة، فهو ليس مبنياً للمعارضة”.. بإختصار “فعل بيني غانتس ما يفعله أي مزارع جيد في موشاف (قرية زراعية) في ظروف كهذه: البحث عن عمل”، يقول ناحوم برنياع.
برنياع: سيتحول غانتس إلى خرقة يتم الدوس عليها في أي زاوية انتقاد ساخر، من اليسار واليمين
وجزم برنياع بأن نتنياهو ما كان لينفذ أي اتفاق تناوب على رئاسة الحكومة مع غانتس. أكثر من ذلك، حتى موعد تنفيذ التناوب “سيتحول غانتس إلى خرقة يتم الدوس عليها في أي زاوية انتقاد ساخر، من اليسار واليمين”.
دعوه يرحل بإحترام
وتوقع المحلل السياسي في صحيفة “معاريف” بن كسبيت، إستناداً إلى الإحصائيات أن يكون مصير حلف نتنياهو – غانتس الجديد غير مختلفٍ عن تحالفات نتنياهو السابقة، أي بلوغ النهاية نفسها: “خيانة في اللحظة الأخيرة من جانب نتنياهو وإلقاء الجثة السياسية لمن تمت خيانته في البحر، كطعام للأسماك”.
ويشير بن كسبيت إلى أن غانتس تحدث كثيراً مع نتنياهو في الفترة الأخيرة، كما تم التواصل بينهما بواسطة مبعوثين سريين، “وكانت الرسالة واضحة: نتنياهو يريد خروجاً محترماً (من الحلبة السياسية). دعه يتغلب على الكورونا، واستكمال مسائل “صفقة القرن” وسينهي دوره. وما يريده نتنياهو فعلا هو السعي إلى صفقة ادعاء محترمة مع المستشار القضائي للحكومة من مكانة رئيس حكومة. دعوه يرحل باحترام”.
وألمح كسبيت إلى أن شخصين ساهما في التطور الحاصل، وهما رئيس حزب “شاس” أرييه درعي، وعضو الكنيست من حزب غانتس، غابي أشكنازي. الأول، هو “الثعلب الأكثر تمرسا في السياسة” وقد أقنع أشكنازي ونتنياهو. والثاني، أي أشكنازي، أيد خطة الرئيس الإسرائيلي ريئوفين ريفلين بتشكيل حكومة وحدة، بعد الانتخابات قبل الأخيرة، في أيلول/سبتمبر الماضي”.
أزمة هوية الدولة
وأشارت المحللة في موقع “يديعوت أحرونوت” موران أزولاي، إلى أن استطلاعات رأي بحوزة غانتس، ساهمت في إقدامه على خطوته، وهي تشير إلى أن كتلة اليمين المتشدد برئاسة نتنياهو كانت ستحصل على 61 مقعدا في الكنيست لو جرت انتخابات الآن (جولة رابعة). “وبكلمات أخرى ـ أضاف أزولاي ـ فإن الاستطلاعات التي فكّك غانتس كتلة “كاحول لافان” (أزرق أبيض) بسببها، قد تكون الاستطلاعات التي بسببها سيذهب نتنياهو إلى انتخابات جديدة قريباً”.
بعد أزمة سياسية استمرت سنة ونصف السنة وأدت إلى ثلاث معارك انتخابية، ها هو نتنياهو يستعد لتأليف حكومة جديدة. هل يؤشر ذلك إلى نهاية الأزمة السياسية؟
ما ستحمله الأشهر المقبلة، قد يبيّن مجدداً أن الأزمة تتجاوز الحكومة والكنيست إلى سؤال الهوية. هوية الدولة ووجهة المجتمع الإسرائيلي. (المصادر: خاص 180، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، عرب 48).
للقراءة أيضاً، مقالة الزميل حلمي موسى على الرابط الآتي: https://180post.com/archives/8268