كنت في انتظار حدث جلل في لبنان. كثيرون كانوا في الانتظار. لا أنا ولا أحد من هؤلاء توقع أن ينتج عن الحدث عند وقوعه كل هذا الخراب دفعة واحدة.
كنت في انتظار حدث جلل في لبنان. كثيرون كانوا في الانتظار. لا أنا ولا أحد من هؤلاء توقع أن ينتج عن الحدث عند وقوعه كل هذا الخراب دفعة واحدة.
الرئيس دونالد ترامب في تغريدته الأشهر عن احتمال تأجيل الانتخابات الرئاسية كان حريصا على ألا يهتم باللياقات المؤسسية، مثل تحديد الجهة التي سوف تصدر قرار التأجيل. هكذا، وعلى هذا المنوال، أعتقد أنه سوف يستمر في تحدي القواعد والمؤسسات، يغير في تشكيلها ما شاء أن يغير ويدمر ما جاء من أجل تدميره.
في أجواء عاصفة، يقترب العالم من موسم الحقيقة، وأقصد الفترة التي تسبق وتشهد انتخابات الرئاسة الأمريكية وتعيش نتائجها.
وصلني صوتها على الهاتف مُلحاً بكل الاحترام المعتاد ومعاتباً بكل الحب الذي نشأ ثم نما عبر سنوات عديدة من الزمالة والرفقة في مهمة واحدة وفي موقع لم يتغير. قالت، تأخرت يا أستاذي. للمرة الثالثة أو الرابعة خلال مدة قصيرة تتأخر في تسليم مقالك الأسبوعي، وأنت الكاتب الذي كنا نحسب الوقت على مواعيده. أجبت بصوت خرج همساً منهكاً "كنت على وشك تقديم اعتذاري عن عدم الكتابة، وللحق كانت مقالتي أمامي، مكتوبة وجاهزة للنشر، لا ينقصها إلا دفعها للنشر. وأنا لا أريد. لا أريد أن أزيد القلق عند قارئ لا ذنب له وفي الغالب لا شأن له بصناعة الأخبار وتحليلها ونشرها. صرت لا أجد فيما اقرأ وأسمع سوى ما يقلق، وبدورنا لم نعد نكتب سوى عن أمور تقلق. لم أحلم يوما بنفسي كاتباً تسبقه سمعة ترويج القلق وإجادة التعليق عليه".
نظمت "الشروق" وأدارت حواراً جوهره غير المعلن أزمة فراغ القوة في النظام العربي، وأهم عنوان له قضية القيادة في هذا النظام. لم يخطئ أغلب المشاركين والمعلقين حين توافقوا على أن فراغ القوة في الشرق الأوسط، أي في الإقليم الأوسع، يظل وسوف يبقى معنا لفترة طويلة جوهر الأزمة الراهنة في الإقليم.
إجتمعت ظروف في الآونة الأخيرة دفعتني لأتمنى وقوع أكثر من مستحيل تفادياً لكارثة تقترب. الكارثة هي أن تجري الإنتخابات الرئاسية الأمريكية في موعدها ويفوز الرئيس دونالد ترمب بولاية ثانية. المستحيلات التي أتمنى وقوعها تبدأ بأن يرفض الرئيس ترشيح الحزب الجمهوري له رئيساً لولاية ثانية، وتنتهي بأن تعترف المؤسسات الدستورية الأمريكية بحقي أنا المواطن المصري وملايين غيري من كافة الجنسيات أن نصوّت في هذه الإنتخابات، كما يصوّت المواطنون الأمريكيون بعد أن نالنا من نتائج أفعال ترمب ما ناله مواطنون أمريكيون كثر.
صحيح أنه لم تعد هناك دولة عربية تستقبلك أيها المواطن العربي بابتسامة، ولكل منها أسبابها وتبريراتها. صحيح أيضاً أن زواراً كثيرين من العرب لبلاد عربية قضوا أيامهم الأخيرة فيها يردّدون مع الفنانة الرائعة فيروز أغنية تغرّد في مطلعها بالكلمات التالية "أنا صار لازم ودعكن". كنت أحد هؤلاء الزوار، وكان لبنان البلد العربي الذي فشل في إقناعي بتمديد إقامتي. تغيّر لبنان أم تغيرتُ أنا أو تغيرنا كلانا حتى ضاقت بنا فسحة اللقاء وغابت كل المتع والفرص وحل الضيق والقلق محل السعادة والبهجة.
عاش فوكوياما يثير صخباً ويغيب. فاجأ الكثيرين بنظرية عن نهاية التاريخ. أدت وظيفتها ورحلت مخلفة وراءها قلة محدودة من المنظرين ورجال السياسة في الغرب. عاشت هذه القلة سنوات تنشر التفاؤل الذي توهمته نظرية نهاية التاريخ وإنتصار الديموقراطية الليبرالية نصراً أبدياً.
أسمع هذه الأيام عتاباً لأمريكا من أصدقاء لها وحلفاء لم أسمع مثله منذ أيام الحرب الباردة، وأسمع انتقادات أعنف من كل ما سمعت من قادة وصناع رأي قابلتهم على امتداد فترات عملي وتنقلاتي في الشرق والغرب.