لا شكّ في أنّ الشّعر السّياسيّ والعسكريّ كان يلعبُ دوراً أساسيّاً ضمن ما يُمكن تسميَته بالإعلام الحربيّ (أو المُقاوِم) ضمن الثّقافة العربيّة لكن التّقليديّة. وعلينا ألّا ننسى أنّ الشّعرَ لَهُو بامتياز ديوانُ العَرب، ومعدِنُ العِلمِ عندَهُم والأَدَب، وعنوانُ عناوينِ النَّسَبِ والحَسَب.. كما وَرَدَ في الأبياتِ المنسوبةِ إلى ابنِ عمِّ سيف الدّولة، أي الأمير الحارث بن سعيد الحَمدانيّ (أو “أبو فراس”):
الشّعرُ دِيوانُ العَرَبْ
أَبَداً، وعنوانُ النَّسَبْ
لا شكّ إذن في أنّ الشّعر السّياسيّ والحربيّ كان يلعب دوراً جوهريّاً في التّعبئتَين الإعلاميّة والأيديولوجيّة في تلك العصور وعموماً. ولا شكّ في أنّ دراستَه – معنىً وبياناً ورموزاً – قد تُوصِلنا إلى نتائج مهمّة حول قضيّة “الثّقافة الإعلاميّة الحربيّة” بشكل عام عند العرب الكلاسيكيّين.
ومن الواضح أنّنا سنبتعد إذْ ذاكَ: بشكل بَيِّنٍ وقَوِيٍّ عن الجَوِّ الباطنيّ والعرفانيّ والصّوفيّ الذي تتّصف به الثّقافة الإيرانيّة بشكل عامّ كما رأينا.. لندخلَ في عالَمٍ يُشدِّدُ على الصِّفات الحميدة عند أكثَر بني قحطان وبني عدنان أجمَعين: مثل الكَرَم، الشَّجَاعة، المُروءة، البطولة، الفروسيّة، الدّهاء، وحبّ النّساء، الموسيقى الشّاعريّة، التّفنّن بالألعاب اللّغويّة.. وما إلى ذلك.
وبرأيي، فإنّه لَمِن أبلغِ الأمثلة حتماً على ما نقصدُ الوصولَ إليه هو: القصيدة الشّهيرة لأبي الطّيّب الجُعفيّ الكوفيّ (ت. ٩٦٥ م) في مدحِ عليّ بن عبدالله الحَمَدانيّ التَّغلبيّ الرَّبعيّ (ت. ٩٦٧ م) في أحد أعياد الأضحى (أعني قصيدة: “لِكلِّ امرئٍ مِن دَهْرِهِ ما تَعَوَّدا”). وقد لَقِيَ أبو الطّيّبِ أميرَه المغوار، كما يُروى، يُهنِّئُه بالعيد.. في ميدانِهِ بحَلَب، وألقى القصيدةَ أمَامَه وأَمَام أهل مجلسِه وجيشِه وناسِه وهما على خَيلِهما.
ويبدو من القصيدة نفسِها أنّ أبا الحَسَن وابنَ أبي الهَيجاءِ كان حينَها خارجاً من نَصْرٍ مُبينٍ على جيش البيزنطيّين الرّوم، بقيادة دُمُسْتُقِهِم (Domesticus) وهو لَقَبُ قائدِ جيوشِ الرّومِ من بني الأصفَرِ في تلك الحقبة.
بالإضافة إلى أهمّيّة هذه القصيدة العظيمة والنّموذجيّة، فإنّ قصّة سيف الدّولة في ذاتِها مهمّة للغاية بالنّسبة إلينا في هذا الإطار، ولأسباب واضحة، قد يكون على رأسها أنّ دورَ عليِّ بنِ عبدِالله كان عمليّاً: صدّ الهجمات البيزنطيّة على شمال بلاد الشّام وعلى بعض مناطق الأناضول.. وبتكليفٍ من الخليفة العبّاسيّ مباشرة. لذلك لُقّب بِسَيفِ دَوْلَتِه. نحنُ إذن، عمليّاً، ضمن سياقٍ حربيٍّ “مُقاومٍ” إلى حدٍّ بعيد: في حقبةٍ كانت الدّولة العبّاسيّة فيها تُكثِر من اتّخاذ القرارات اللّا-مركزيّة لحماية حُكمها (المائل إلى التّراجع)، كما بهدف حماية دار الإسلام.. وحماية وجودِ العَرَب وبعضِ أبناءِ أعمامِهم من القبائل والشّعوب السّامِيّة في المنطقة ككلّ.
***
تخيّلْ معي المشهدَ شبهَ الأسطوريّ: ابنُ أبي الهَيجاء (عليّ) على فرَسِه، وأبو الطّيّب (أحمد) على فرَسِه. وأهلُ مجلسِ سيف الدّولة، وأهلُ قيادةِ جيشه، وبعضُ السّفراء، وأهلُ حلب.. يشاهدون ويستمعون. يُشيرُ سيفُ الدّولةِ بيدِهِ ليُسكِتَ النّاس، ويُشيرُ إلى أبي الطّيّب أن يبدأ بالإنشاد.. بعد أن خيَّمَ سكونٌ من النّوع السّورياليّ على الميدان الحَلَبيّ الأسطوريّ.
يقولُ أعظمُ شعراءِ العَرَب (بالمعنى الظّاهري) مُفتَتِحاً:
لِكُلِّ امرِئٍ مِنْ دَهرِهِ ما تَعَوَّداْ:
وَعادَةُ “سَيفِ الدَّولَةِ” الطّعنُ في العِداْ!
وهل عادةُ السَّيف القاطِع (أي: “سيف الدّولة”) إلّا الطّعن في الأعداء وهزيمتهم؟ يُصبحُ سيفُ الدّولةِ هنا سيفاً بامتياز.
وَأن يُكذِبَ الإِرجافَ عَنهُ: بِضِدِّهِ
وَيُمسيْ بِما تَنويْ أعاديهِ: أسعَداْ
أمّا هذا “السّيف” المذكور فمِن عادَته أيضاً أن يُكذِبَ أو يُكذِّبَ الحملات الإعلاميّة المُعادية والمُغرضة.. بعَمَلِ ضدِّ ما تدّعيه على الدّوام. هو سيفٌ مصلتٌ على البروباغندا أيضاً: لذلك، يُمسي بما تنوي أعاديه ضدَّه.. سعيداً! كيفَ لا، وهو الذي سيُحوّل كلَّ سلبيّةٍ تُساق ضدَّه حتماً.. إلى ايجابيّة؟ (إن لم يكن هذا الخطابُ إعلاماً حربيّاً من قِبل أبي الطّيّب.. فما هو الإعلام الحربيّ إذن؟). ثمّ يقول:
وَرُبَّ مُريدٍ ضَرَّهُ: ضَرَّ نَفسَهُ
وَهادٍ إِلَيهِ الجَيشَ: أهْدىْ وَما هَدىْ
فلَرُبّما أرادَ أحدُهم أن يضرَّ سيف الدّولة: ولكنّه عمليّاً سيضرّ نفسَه. من يجرؤ أو من يتمكّن: من الاضرار برجلٍ كهذا؟ بل: لَرُبَّ أحمق يريدُ أن يدُلّ جيشاً عليه.. ولكنّه من “يَهدي” جيشاً إلى ابنِ أبي الهيجاء، فهو كَمَن “يُهديهِ” إيّاه. وهل يَخرجُ جيشٌ من تحتِ يدِ أبي الوغى: إلّا بينَ جريحٍ وقتيلٍ وأسيرٍ وفارٍّ وغنيمة؟
وَمُستَكبِرٍ لَمْ يَعرِفِ اللهَ ساعَةً:
رَأى سَيفَهُ في كَفِّهِ.. فَتَشَهَّداْ!
بلْ لَرُبّما جاءَ مُستكبرٌ من المُستكبرين، لم يعرفِ اللّهَ ولو لساعةٍ واحدة.. رأى سيفَ أبي الحسنِ في كفّه، فلم يستطعْ إلّا أن يتشهّد! تخيّل الموجة العاطفيّة العارمة التي قد تحصل لو أنشدت مثل هذه الأبيات في زماننا، وفي ابنِ أبي هيجاء من أهل حاضِرِنا. كم من هتاف سيعلو؟ بل كم من اطلاق “مشط” رصاص في الهواء للأسف؟
لكنّ أبا الطّيّب لا يتوقّف هنا، بل يقول في معرض حديثه عن عمليّة ناجحة ضدّ الدّمستق الرّوميّ، الذي فرّ مهزوماً يومَها على ما يظهر من خطاب أبي الطّيّب:
فَوَلّىْ، وَأعطاكَ ابنَهُ وَجُيوشَهُ
جَميعاً، وَلَمْ يُعطِ الجَميعَ لِيُحمَداْ
هرَبَ الدُّمستُقُ الرّوميُّ من هذه الواقعة، وتركَ ابنَه قسطنطين (Constantin) المشهور في تاريخ بيزنطيا، حسب ما يُروى، وترَكَ جيوشَهُ كلّها اتّقاءً لسيفِ ابنِ أبي الهيجاء الحَمَدانيّ. ولم يُعطِ قسطنطينَ والجيوشَ لِكَي يُحمَدَ على ذلك، وإنّما أعطى الجميعَ لكي ينجو بحياتِه. فما هذا النّصرُ العظيمُ الذي يُروى لآذاننا ولقلوبنا العربيّة! (نتحدّثُ بلسان حال القصيدة طبعاً، ولا لزوم للتّذكير بذلك على الدّوام).
عَرَضْتَ لَهُ دونَ الحَياةِ وَطَرْفِهِ:
وَأبصَرَ سَيفَ اللهِ مِنكَ مُجَرَّداْ!
أيْ: وقفْتَ أيّها القائدُ المنتصرُ بين الدّمستقِ وبين حياتِه، وبين الدّمستقِ وبين إِبصارِه للحياة بأسرها. فماتَتْ حواسُّ الدّمستقِ ابنِ الأصفَرِ جميعاً من شدّة الخوف والرّعب من أبي الهَيجاء والوغى. ومع ذلك، لم يرَ هذا الدّمستقُ إلّاْ شيئاً واحداً أمامَه في ذلك اليوم: رأى “سيفَ اللهِ” أمامَه، بيدِ عليّ بن عبدالله الحَمَدانيّ.. مُجرّداً لضربِ رقابِ المُستَكبرين والظّالِمِين، من الملوك والأباطرة والسّلاطين والزّعماء أجمعين!
هل تتخيَّلُ معي حال الهيستيريا الجماعيّة التي من المرجَّح أن تكونَ هذه الأبيات قد فجّرتها بين الحاضِرِين في ميدان سيف الدّولة يومَها؟
على أيّ حال، من الصّعب على كلّ ذي أُذُنٍ عربيّة وسَلِيقةٍ عربيّة.. ألّا يتأثَّر كثيراً بهذه الأبيات، برغم تذكُّرِنا على الدّوام بأنّنا، بالفعل، أمام عملٍ فنّيٍّ عبقريٍّ تاريخيٍّ من أعمال “الإعلام الحربيّ” لكن بلغة ذلك الزّمان.
ذَكيٌّ: تَظَنّيهِ طَليعَةُ عَينِهِ
يَرى قَلْبُهُ في يَومِهِ ما تَرىْ غَداْ
وَصولٌ إِلى المُستَصْعَباتِ بِخَيلِهِ:
فَلَو كانَ قَرنُ الشَّمسِ ماءً لَأورَداْ!
لا يرى ابنُ أبي الهيجاءِ الحَمدانيُّ الذّكيُّ: أيَّ مُستصعَبٍ أمامَه وأمامَ سيرِه إليهِ بِخيلِه. فلو كان (قرنُ الشّمسِ) بذاتِهِ ماءً: لأورَدَ خيلَهُ منه. فعلاً، أمامَ أبياتٍ كهذه لا يُمكن إلّا وأن نَفتخِرَ بوجود “حمدان” ولو في جزءٍ صغيرٍ من اسمِنا. أيُّ عصرٍ عشناه.. فلم نعِشْ ذلك العصر؟
تَظَلُّ مُلوكُ الأَرضِ خاشِعَةً لَهُ
تُفارِقُهُ هَلكىْ.. وَتَلقاهُ سُجَّدَاْ
لا يلتقي سيفُ الدّولةِ مع مُلوكِ ورؤساءِ الأرضِ إلّا و”هي” خاشعةٌ له: فإمّا أن تلقاهُ خاضعةً ساجدةً أمامَه، أو أن تهلكَ بِسَيفِه، أو أن تَهرُبَ منه. ثمّ يأتي أبو الطّيّب على قائد العدوّ بالضّربة الشّاعريّة القاضِية، وهو الدّمستُقُ الذي فرّ يومَها بنفسِهِ مُنقِذاً لحياتِه.. تاركاً ابنَهُ قسطنطين أسيراً لدى جيشِ الحَمَدانيّين:
لِذَلِكَ سَمّى ابنُ الدُّمُستُقِ يَومَهُ
مَماتاً: وَسَمّاهُ الدُّمُستُقُ مَولِداْ!
حتّى ولو أنّك اضطُرِرتَ إلى تركِ ابنِك للعدوّ.. ولكنَّ الفرارَ من عدوٍّ كأبي الحَسَن سيفِ الدّولةِ هو حياة، والبقاء قربَه ضربٌ من المَمَات. من يُعادي سيفَ الدّولةِ ويبقى قُربَه؟ ولكنَّ رماحَ جيشِ ابنِ أبي الهَيجاءِ.. وا أسَفَاهُ: لمْ تطلبْ إلّا الدُّمُستُقَ الرّومِيَّ نَفسَه، فكأنّ ابنَه أُسِرَ فِداءً لأبيه:
وَماْ طَلَبَتْ زُرقُ الأَسِنَّةِ غَيرَهُ:
وَلَكِنَّ قُسطَنْطِينَ كانَ لَهُ الفِداْ!
ويبدو أنّ الدّمستُقَ كما صوّرَهُ لنا الإعلامُ الحربيُّ لأبي الطّيّب: كان قد جُرحَ في تلك المعركة، واعتزلَ في دَيرٍ من الأديِرة. فيقومُ شاعرُ العربِ الكوفيُّ اليَمَنيُّ بإكمال الحرب النّفسيّة عليه وعلى أتباعِ الرّومِ بني الأصفر حينَها:
وَيَمشيْ بِهِ العُكّازُ في الدَّيرِ تائِباً
وَما كانَ يَرضىْ مَشيَ أشقَرَ أجرَداْ
بدَلَ أن يمشيَ الدّمستُقُ العظيمُ بالعكّاز، صار يمشي العُكّاز بِهِ في الدّير المنعزل، وقد تابَ من مقاتَلةِ أبيْ الوَغى وابنِ أبي الهَيجاء، وجزعَ لملاقاتَهِ مُجدّداً. يمشي به العكّاز، وقد كان في السّابق لا يرضى أن يَمشيَ به حتّى الحصانُ الأشقرُ الأجرد: فلا يقبلُ إلّا أن يراهُ القومُ قائداً ماشِياً على قَدَميه. ماذا حلَّ بكَ أيّها الدّمستُقُ بعدَ مواجهة أبي الحسن الحَمَدانيّ؟
هل ظنَّ الدّمستُقُ حقّاً أنّ التّرهُّبَ في الدّيرِ يُنجي من سيفِ عليّ بن عبدالله؟ هيهات هيهات أيّها الدّمستُق:
فَلَو كانَ يُنجي مِن “عَليٍّ” تَرَهُّبٌ
تَرَهَّبَتِ الأملاكُ مَثنى وَمَوحِداْ
لو كان التّرهّبُ يُنجيْ من سيفِ الدّولة، لترهّبتِ الملوكُ والأباطرةُ اثنَين اثنَين، وواحِداً واحِدا.. بل لَأعدّوا وأعدّ النّاسُ جميعاً للقاءِ ابنِ أبي الهيجاء: ثيابَ الرّهبانِ السّوداء احتياطاً.
وَكُلُّ امرِئٍ في الشَّرقِ وَالغَربِ بَعدَهاْ
يُعِدُّ لَهُ ثَوباً مِنَ الشَّعرِ أسوَداْ
ثمّ يعودُ أبو الطّيّب إلى مناسبة العيد، عيد الأضحى لتلك السّنة من السّنوات العبّاسيّة الحَمَدانيّة العزيزة، فيقولُ لأميرِهِ المِغوار، الكرّار غيرِ الفرّار:
هَنيئاً لَكَ العيدُ الذي أنتَ عيدُهُ
وَعيدٌ لِمَنْ سَمّىْ وَضَحّىْ وَعَيَّداْ (..)
فَذاْ اليَومُ في الأيّامِ مِثلُكَ في الوَرىْ
كَما كُنتَ فيهِم أوْحَداً: كانَ أوحَدَاْ
إنّما أنتَ يا أبا الحسنِ كالعيدِ لكن في النّاس: فكما أنّ عيدَ الأضحى أوحد بين الأيّام، فأنتَ أوحد بين النّاس. من يستطيع على هذه الفصاحة وعلى هذه البلاغة غير أبي الطّيّب؟ عجيبٌ أمرُ هذا الرّجل: هل هو كوفيٌّ يَمَنيٌّ.. أم عبقريٌّ جِنّيّ؟
ولكنّ أبا الطّيّب، مع ذلك، لا يبدو راضياً تماماً على كلّ تحالفات وصداقات قائد المُقاومة العربيّة في ذلك الزّمان. فيقول له:
إِذاْ أنتَ أكرَمْتَ الكَريمَ مَلَكتَهُ
وَإِنْ أَنتَ أَكرَمْتَ اللّئيمَ تَمَرَّداْ!
فالإحسان مع من لا يستحقّه، مثل الإساءة مع من هو أهلٌ للإحسان. وكلاهما مُضرٌّ بالعلا وبالقضيّة:
وَوَضْعُ النّدىْ فيْ مَوضِعِ السَّيفِ: بِالعُلاْ
مُضِرٌّ؛ كَوَضْعِ السَّيفِ في مَوضِعِ النَّدىْ!
***
نحنُ أمامَ قصيدةٍ هي من العَظَمة لدرجةٍ يُمكن القول معها إنّه لو لمْ يُنظَم في أبيْ الحَسَنِ سيفِ الدّولةِ غيرُها.. لكفاهُ ذلك فخراً ربّما إلى يوم الدّين. من المُمكِنِ برأيي أن يكونَ هذا جزاءُ الدّهرِ لعليِّ بنِ أبيْ الهَيجاء: على شجاعته، وخصوصاً على اخلاصِه وحسنِ نيّتِه.. ولكن، هذا بحثٌ آخر.
من خلال هذه النّقطة في بحرِ أبي الطّيّب وبحرِ الشّعرِ ديوانِ العَرَب: استطَعنا أن نرسمَ صورةً نموذجيّة معيّنة عن “الإعلام الحربيّ” أو “البروباغندا الحربّية” ضمن الثّقافة العربيّة التّقليديّة.. مع ما يُميّزها فصاحةً وبلاغةً ومضموناً ورمزاً. وقد نعودُ إلى تفصيل ذلكَ في المستقبلِ غيرِ البَعيدِ إن شاءَ اللهُ تعالى.
ويبقى السّؤالُ العالقُ في أذهانِ وقلوبِ بعضِنا ربّما: هذا (دُمُستُقُ بني الأصفَر) في ماضي الزّمان، كان (ابنُ أبي الهيجاءِ الحَمَدانيُّ) لَهُ..
اللّهمَّ فَأيُّ (أبي هيجاء مُعاصر) يَخرُجُ (لدُمُستُقِ بني الأزرَق) في هذا الزّمان.. أي لدُمُستُقِ الدّاعمين لاحتلالِ أرضِنا في فلسطين؟
هذا سؤالٌ نَتْركُهُ لِمُختَلفِ مكاتبِ وفِرقِ واختصاصيّي “الإعلام الحربيّ” المعاصر، ولا تخصُّصَ ولا طاقةَ للعبدِ الفقيرِ هذا بتغطيتِه وبَيَانِهِ في هذا المقال. ولكنّني سأكتفي بالقول هنا: إنّ لكلِّ (دُمُستُقٍ).. (ابنَ أبي هيجاء)، وإلى اللهِ مَرجِعُ الأمور.
(هذه القصيدة النّموذجيّة تستحقُّ مقالاتٍ لوحدِها. ويُمكن الاطّلاع عليها كاملة مع أهمّ أقوال واضافات وتعليقات شرّاحِها الكبار على موقع “واحة المُتنبّي” الممتاز جدّاً: http://www.almotanabbi.com/poemPage.do?poemId=57
كما وأتركُ دراسة الحالة النّرجسيّة الخطرة عند أبي الطّيّب إلى مناسبات أخرى أيضاً:
وَما الدَّهرُ إِلّا مِن رُواةِ قَصائِديْ
إِذا قُلتُ شِعراً أصبَحَ الدَّهرُ مُنشِداْ.