التاريخ Archives - 180Post

kreiner.png

نستخرج المقدس من الماضي ولا نقول التاريخ، لأن الماضي ثابت في الوعي، والتاريخ مسار تطوّري دائم، يتجاوز الماضي والحاضر إلى المستقبل. ونحن مجتمعات ماضوية في وعيها، ذات رؤية عما مضى ثابتة لا تتغيّر إلا بما يؤكد الرواية ويزيد عليها مع مرور الأيام. ومن جملة المستخرجات هي المقدسات التي تحاط بالتأكيد وتصير فاعلة في الهوية، حتى أنها تكاد تستغرقها في كثير من الأحيان.

1111-2.jpg

الإنسان إلى حد كبير صدى التاريخ؛ يُولد في بيئة طبيعية واجتماعية، تختلف وتائر التطوّر في كل منهما. لكن كثير من سمات سلوكه هي انعكاس تلك البيئة في شخصه. أول ذلك، مثلاً، اللغة، الاسم والدين، إلخ..

nabil.jpg

في سؤالي لأحد المنخرطين الفاعلين في المقاومة اللبنانية: ما هي أبرز عناصر قوة المقاومة؟ أجاب بمفردة واحدة من دون طول شرح أو تفصيل: "البيئة". وعندما سألت إحدى الإمهات، وهي سيدة أعمال جنوبية، عن أهم عناصر قوة بيئة المقاومة، كان جوابها "العاطفة".

11111111.jpg

نغتال التاريخ عندما نُجمّد أنفسنا في الماضي، فنعجز عن تجاوزه. نغتال التاريخ عندما نعتبر أن ليس فيه إلا مسار واحد. نُنصف التاريخ عندما ننظر إليه وفي نظرنا أن له عدة مسارات.

b6089e5290a5cdfb35d54657f2220238.jpg

الماضي هو ما حدث، والتاريخ هو الوعي بما حدث. الماضي نعيه، ونكتب عنه، ونستعبره، أي نستخرج منه العبر، وتتشكّل النظرية ويصير لدينا رؤية تاريخية تفسّر وتؤوّل ما حدث، الذي يتنامى ويتحوّل إلى حلقات في سلسلة لا تنقطع، وكل منها تؤدي إلى أخرى. ويصير كل حدث سبباً لآخر أو ناتجاً عنه. لا نستطيع أن نأخذ الحدث بمعزل عما قبله وما بعده، فيصير هو ذاته غير ممكن. يصير استحالة لا يمكن تفسيرها.

1906UP2.jpg

الهوية نقيضة الإرادة. الأولى؛ تعتمد على العلاقة مع الآخر وليس على الذات وحدها بل على كل الظروف الموضوعية. الثانية؛ تنبع من الذات وتفيض إلى الخارج، على أن الإرادة التي لا تأخذ هذه الظروف الموضوعية بالاعتبار تبالغ في اعتبار نفسها ولا تسلم من الخلل. لكن المهم في الأمر أن الإرادة ذات اتجاه ثابت بينما الهوية باتجاهين من وإلى الذات.

c.jpg

يحارُ المرءُ في قدرة الأفراد والمجتمعات في الإقليم على "الحياة"، في ظل كل الدمار والموت، في صراعات لا بداية لها ولا نهاية، كما لو أن المنطقة مجبولة بالعنف والصراع، وكما لو أن الاستبداد والحرب والموت هو قدرها. أمر يعيد التذكير بمقولة باتت شبه مهجورة اليوم عن "الاستبداد الشرقي" أو بتعبير أقرب للأحوال اليوم "الموت الشرقي" أو "الموت في الشرق"، علماً أن النجاح في نقد وتفكيك تلك المقولة، ربما كان خطابياً وبلاغياً ونصياً في المقام الأول، ويبدو أن تجاوُزَها في واقع الإقليم ومعيوش الناس فيه ما يزال بعيداً!

adol.png

عندما ينفصل الوعي عن التاريخ وتبتعد الذات عن إدراك الواقع لدى الجماعات التي أسّست ايديولوجيتها على المظلومية، وبنت كيانها السياسي على فرضية أنها موضع الحرمان والتهميش، وأقصت نفسها عن الاندماج فيمن حولها، ولم يعد لها نصير إلا نفسها، وتعزل نفسها عن محيطها بادعاء التفوق الأخلاقي، وتدعي النصر حقيقةً أو وهماً، فإن أمارة أخرى غير المظلومية تصير جوهر وجودها، ويصير التاريخ عدواً لها، والبشرية مُنكرةً من قبلها.

slider-1.jpg

يُحدّد المرء هويته بالآخر (هو)، أي بالعلاقة به. مجموع العلاقات بين الآخرين هو المجتمع. الإطار الناظم للمجتمع هو الدولة. لا شرط على الدولة، فهي شرط لما عداها، كأن تكون قوية أو عادلة أو غير ذلك. لا تستقيم الهوية إلا بالدولة، وتحديداً الدولة الحديثة. فما قبل الحداثة لم يكن لهذا البحث صلة.

Los-libros-del-pasado_0.jpg

التكنولوجيا علاقة الإنسان بالأشياء؛ الهوية علاقة الإنسان بالآخر البشري. تستند التكنولوجيا على العلم الحديث الذي يُقدّم لنا أسباب ما يحدث ويُعلّل حدوثه، ويُقدّم لنا تفسير ما يحدث في الطبيعة والمجتمع. وتستنند الهوية إلى علاقات البشر بين بعضهم البعض. فهي قبل كل شيء أمر من أمور السياسة. لكن الإنسان يتوهم أن الهوية معطاة وحسب، فلا خيار له فيها.