إذا كان لا بد من تسبيب مراوحة أزمة لبنان مكانها منذ أكثر من سنتين، فسيأتي المصرفيون على رأس قائمة المتسببين بإجهاض الحلول بلا منازع. فإذا بالبلد عالق في شرنقة مصالح كبيرة لفئة قليلة، ولا عزاء للملايين الآخرين.
إذا كان لا بد من تسبيب مراوحة أزمة لبنان مكانها منذ أكثر من سنتين، فسيأتي المصرفيون على رأس قائمة المتسببين بإجهاض الحلول بلا منازع. فإذا بالبلد عالق في شرنقة مصالح كبيرة لفئة قليلة، ولا عزاء للملايين الآخرين.
تريد المصارف أن تسيطر على أملاك الدولة بأموال المودعين أي بأموال غيرهم. وذلك بعد أن خسروا رؤوس أموال مصارفهم، نتيجة الفساد وسوء الإدارة وعدم الامتثال للمعايير المصرفية الدولية وفي مقدمتها معايير بازل. والحل ليس بالسعي للسطو على أصول الدولة بعد السطو على أموال المودعين، بل بإنقاذ مصارفهم من أموالهم الخاصة التي راكموها من الأرباح الخيالية التي حققوها، وإما إعلان الإفلاس والخروج من السوق كما ينص قانون النقد والتسليف.
يدور نقاش حاد، وضروري، في الأوساط الاقتصادية والمالية والسياسية والشعبية حول خطة التعافي التي تم الاتفاق عليها بين الحكومة اللبنانية وصندوق النقد الدولي.
هذه ليست المرة الأولى التى تعيش فيها أغلب البلدان العربية غير النفطية أزمات اقتصادية ومالية قاسية. إذ كانت قد شهدت الفترة التى تلت انهيار أسعار النفط فى 1985 إلى ما دون أسعار «الفورتين النفطيتين» فى 1973 (حرب أكتوبر) و1979 («الثورة» الإيرانية) تضخما فى الديون العامة وانهيارا فى أسعار الصرف، بل توقفت بعض الدول حينها، كسوريا، عن سداد ديونها الخارجية.
ما أشبه اليوم بالبارحة في لبنان. يتكرر حرفياً سيناريو محاولات اسقاط خطة الحكومة المبنية على اتفاق مع صندوق النقد الدولي. كان سبق واسقطت خطة مشابهة، حد التطابق، أعدتها حكومة حسان دياب في ربيع العام 2020. مع فارق أننا نسمع اليوم صوتاً مدافعاً عن "خطته" بشق الأنفس، كأنه يصرخ في برية؛ فمن هو؟
تحاول حكومة نجيب ميقاتي تجاوز عناوين المحاسبة والمساءلة في خطتها للتعافي الاقتصادي والتصحيح المالي والاصلاح المصرفي. خطة توافقت بشأنها مع صندوق النقد الدولي، على أمل الحصول على تمويل من الصندوق أولاً، ومؤسسات التمويل والدول المانحة تالياً. أما كلفة الانهيار فسيستمر اللبنانيون بدفعها لسنوات طويلة قادمة سواء من ودائعهم المتبخرة أو رواتبهم الهزيلة.
سينجلي عاجلاً أم آجلاً غبار إعصار الأزمة المالية والمصرفية اللبنانية، ويبدأ حساب من ربح ومن خسر، وكيف تبددت الأموال لا سيما الودائع الدولارية، إذ تقدر الحكومة حالياً الخسائر بنحو 73 مليار دولار. وفي الجردة الأولية يمكن اعتبار الديون السيادية (للدولة) بين الرابحين، بالاضافة إلى متقاضي الفوائد والمقترضين وتجار السلع والمضاربين بالعملات.
تمارس الحكومة اللبنانية عملية غش موصوفة. تحاول حرف الأنظار الى خسائر دون أخرى بعدما أعلنت أنها 69 مليار دولار فقط، وسرّبت انها ستعالجها على مدى 15 سنة و"يا دار ما دخلك شر"!
استيقظ "جوزيف. ك" يوماً، ليجد رجليْن يقفان على الباب ويُخبرانه أنّه مطلوب للاستجواب. ساقاه من دون الإفصاح له عن تهمته. وفي مكتب التحقيق، استشرس المسكين، مع محاميه، في الدفاع عن نفسه. ما هي جريمتي؟ سؤالٌ ردّده "جوزيف. ك" مراراً وتكراراً. عبثاً يحاول. فالتهمة المجهولة "تلبسه لبساً".
لا يحدث الفقر تلقائياً. هو يحدث بإرادة الطبقة العليا من أصحاب السلطة حسب برنامج تعده سلفا ويجري تنفيذه لاحقاً. يستطيع الغني أن يقول أنعم الله عليّ بالثروة. يخجل الفقير من نفسه ولا يستطيع القول أنعم الله عليّ بالفقر. لا يستطيع اتهام الله بمصائبه. لكنه يستطيع اتهام السلطة التي تمثّل الله وتحتكره، من مدنيين وعسكريين ورجال دين؛ يستطيع اتهامها بإحداث فقره.