فى العديد من القضايا الداخلية كما فى الأمور الخارجية، يعود الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ببلاده إلى الماضى السوفييتى الذى يقيمه بإيجابية لا تختزله فى النهاية الحزينة حين تفكك اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية فى ١٩٩١.
فى العديد من القضايا الداخلية كما فى الأمور الخارجية، يعود الرئيس الروسى فلاديمير بوتين ببلاده إلى الماضى السوفييتى الذى يقيمه بإيجابية لا تختزله فى النهاية الحزينة حين تفكك اتحاد الجمهوريات السوفييتية الاشتراكية فى ١٩٩١.
خلال الأسابيع القليلة المقبلة، من المتوقع أن يبدأ الجيش الإسرائيلي بسحب بعض قواته من غزة، ولكن ليس "إيذاناً" بنهاية القتال هناك، بل "نذيراً" لبدء "حملة مكافحة التمرد" تنوي إسرائيل شنّها ضد الفصائل الفلسطينية المقاومة. ما يعني أن ما بدأ كحرب "تقليدية" قبل 4 أشهر قد يتحول إلى شيء مختلف تماماً: "حربٌ إلى ما لا نهاية"، بحسب كولين كلارك في "فورين أفيرز"(*).
مع انهيار الاتّحاد السوفييتي وتحوُّل دوله من النّظام الاشتراكي إلى النّظام الرأسمالي، بإشرافٍ وتخطيطٍ من قِبل الامبرياليَّة الأميركية، أُفقِرت هذه الدول وتم اجتثاث النظام الاشتراكي على الصُّعُد الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة، في ظل زوال القطب العالمي الكابح (إلى حدٍّ ما) للأطماع الامبرياليَّة، فدخل العالم نظام القطب الرأسمالي الواحد وسادت طروحاته النَّظريَّة الجديدة، وتصاعدت ممارساته العدائيَّة، حتى تجاه الدول الرأسماليَّة التَّابعة له، مثل دول جنوب شرق آسيا، أو "النُّمور الآسيويَّة".
لم تغيّر الدول الرأسماليَّة الكبرى استهدافاتها الاقتصاديَّة والسياسيَّة تجاه دول العالم الثالث بعد الحرب العالميَّة الثَّانية. شهدت مرحلة ما بعد تلك الحرب سقوط الامبراطوريات الاستعماريَّة القديمة، وصعود الولايات المتَّحدة إلى مركز القيادة، والتي مارست عمليَّات الاستتباع بشتى الوسائل المتاحة، بما فيها الوسائل العسكريَّة، للإبقاء على "الهيكل الاقتصادي" التَّابع والمشوَّه الذي ولَّدته الحقبة الكولونياليَّة.
هنري لورانس، مؤرِّخ فرنسيّ وأستاذٌ حائزٌ على كرسيّ تاريخِ العالم العربيِّ المعاصِر في الكولّاج دو فرانس ـ باريس. في نصه الأخير المنشور في "اوريان 21" (ترجمة دينا علي إلى العربية)، يُقدم رواية تاريخية لوقائع حرب تشرين/أكتوبر 1973 هذا معظم ما ورد فيها:
إذا كانت الديبلوماسية أداة تنفيذية للسياسة الخارجية للدولة، فإنها تقوم على ثلاثة أبعاد أساسية: سياسية؛ اقتصادية؛ وثقافية. ومنذ مطلع القرن التاسع عشر، بدأ البُعد الثالث يأخذ حيّزًا كبيرًا في العلاقات الدولية، باعتباره عاملًا مضافًا ومؤثرًا في تحقيق أهداف السياسة الخارجية، وقد أولته الدول والحكومات اهتمامًا كبيرًا، واتّسعت مكانته في القرن العشرين في ظلّ الصراع الأيديولوجي وحرب المعسكرين الباردة (1946 - 1989).
لقد كان الأمر واضحاً لنا للغاية أنه لا يتوجب عليه توجيه هذا الخطاب إلى عنوان مؤسسة أو إلى رجل دولة بل فقط إلى شخصية متخطية للسياسة، شخص يدافع عن قيمة أخلاقية لا تقبل الشك، شخص معترف به في كامل أوروبا. بعبارة أخرى، شخصية ثقافية عظيمة. لكن من كان هذا الشخص؟
مرة أخرى: هل تمثل الشيوعية نفياً للتاريخ الروسي أم تحقّقه؟ الإثنان بالتأكيد: نفيه (نفي تديُّنه، على سبيل المثال) وكذلك تحقُّقه (تحقق نزعاته المُتمَركِزة وأحلامه الإمبراطورية). بالنظر من داخل روسيا، يعد المظهر الأول ـ مظهر انقطاع استمراريتها ـ هو الأكثر إدهاشاً. من وجهة نظر الدول المستعبدة، يعد المظهر الثاني ـ ما يتعلق باستمراريتها ـ يحس بشكل أقوى.
في تشرين الثاني/نوفمبر 1956، قام مدير وكالة الأنباء المجرية، قبل وقت قصير من تدمير مكتبه بقذائف مدفعية، بإرسال تلكس موجه للعالم أجمع يحمل رسالة يائسة يعلن فيها عن بدء الهجوم الروسي على بودابست. خُتمت الرسالة بهذه الكلمات: “نحن سنموت من أجل المجر ومن أجل أوروبا”.
"الروس لا يتوقفون عن القتال. تدلنا آلاف السنين من التاريخ على أن الروس قادرون على الاستمرار في القتال، في ظروف ربما لن تحتملها أقوام أخرى”.