إن تحقيق التنمية الاقتصاديَّة المستقلَّة كان يدفع حركات التحرر الوطني للعمل على تصفية هذا الهيكل الإقتصادي وتغييره داخلياً وخارجياً، وهو الأمر الذي عجزت معظم هذه الحركات عن تحقيقه، كما يقول رمزي تركي في كتابه، “مرحلة الامبرياليَّة الجديدة”.
الإمبراطورية تتجاوز ذروتها
غير أن وراثة الولايات المتَّحدة لحروب الاستعمار القديم أدخلها في مسارٍ تاريخي جديد، برغم بعض انتصاراتها، وخاصةً نجاحها في استنزاف الاتحاد السوفييتي وإسقاطه. إن وراثة أميركا للحرب الفيتنامية أفقدها الفائض في ميزانها التجاري والذي عبره راكمت قدرات هائلة مكَّنتها من السيطرة على النظام الرأسمالي العالمي، وخاصّة إبان الحرب العالميَّة التي أخرجت الولايات المتحدة من مرحلة الكساد الاقتصادي الكبير، والذي امتد من سنة 1929 إلى سنة 1941. ويعتقد بعض الإقتصاديين أن الحرب الكوريَّة منعت الولايات المتَّحدة من الانزلاق إلى مرحلة ركود جديدة، إذ رفعت تلك الحرب الطلب على الإنتاج الأميركي وإنتاج بعض حلفاء أميركا الجدد، وخاصَّة اليابان. لكن الحرب الفيتناميَّة أدخلت أميركا خاصَّة في مرحلة ركود اقتصادي جديد امتدَّ من سنة 1965 إلى سنة 1982، ودفعها بالتالي إلى طريق التقهقر النسبي على صعيد القوَّة الشاملة. ويعتقد وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر أن سبعينيات القرن العشرين مثَّلت الذروة النسبيَّة للقدرات الأميركيَّة الشاملة.
لقد دفعت الحرب الفيتناميَّة الولايات المتَّحدة إلى التَّحوُّل من دولةٍ دائنة إلى دولةٍ مدينة على الصعيد العالمي، مما أجبرها على التَّخلي عن تعهداتها العالميَّة تجاه ربط سعر صرف الدولار بالذَّهب إبَّان عهد ريتشارد نيكسون في سنة 1972، حيث تمَّ استبدال سعر الصرف الثَّابت للعملات بسعر الصرف العائم، وأدخل العالم الرأسمالي في أزمات وصراعات مالية متلاحقة. و”منذ نهاية سنة 1968، كانت الدّيون الأميركيَّة قصيرة الأجل للأجانب تشكّل أكثر من ضعفَي كميات الذهب الأميركي وأرصدة العملات الأجنبيَّة وكميَّة الاحتياطي في صندوق النقد الدولي”، كما جاء في كتاب “الأزمة الرأسماليَّة العالميَّة الرَّاهنة“، (ص. 54-56).
حماية التفوق الإقتصادي الأميركي
منذ وراثة حرب فيتنام، تجاوز الإنفاق الأميركي النَّاتج المحلي، وبدأت مرحلة عجوزات حساب المدفوعات الجاري. في سنة 1965 دخل النظام الرأسمالي العالمي بقيادة الولايات المتَّحدة مرحلة ركود اقتصادي، بل مرحلة انكماش اقتصادي استمرت حتى سنة 1981. في هذه المرحلة، حاولت الولايات المتَّحدة تحميل الدولتين الرأسماليتين الناهضتين بعد الحرب العالميَّة الثَّانية، اليابان وألمانيا الغربيَّة، مسؤوليَّة عجز ميزان المدفوعات الأميركي. وبرغم كل الخطوات التي اتخذتها الولايات المتحدة، إلا أنها لم تنجح هذا في خفض عجز المدفوعات الأميركي. بعد ذلك، قرّرت الولايات المتحدة فرض سياسات اقتصاديَّة جديدة على تلك الدُّول، ولم ينجح ذلك أيضاً في معالجة العجز، فقرَّرت أخيراً إسقاط التزاماتها في اتفاقات “بريتن وودز“، ووقف إبدال الدولارات بالذهب، وعوّمت سعر الدولار، وذلك في عهد نيكسون سنة 1972، فنقلت النّظام النقدي العالمي من نظام سعر الصرف شبه الثابت إلى سعر الصرف العائم، الذي سرعان ما ولَّد موجات حادَّة من المضاربات بالعملات، وولَّد أزمات مالَّية متتالية على صعيد العالم، وخاصَّة دول العالم الثالث. استخدمت الولايات المتَّحدة كل قدراتها العسكريَّة والسياسيَّة والاقتصاديَّة لحماية تفوُّقها الاقتصادي واستمرار تربعها على عرش النظام الرأسمالي العالمي، فزادت من عدوانيَّتها تجاه دول العالم كافَّةً، حتى تلك التابعة لها، وطوَّرت وسائل وطرق نهب ثروات الشُّعوب، ولكن ذلك لم يُصحَّح وضعها الاقتصادي العام، فأخذ دينها الخارجي بالتَّراكم.
إن تحرُّر دول العالم الثَّالث يُفقِر دول المراكز الرأسماليَّة ويُظهِر تناقضاتها الدَّاخليَّة والخارجيَّة. من أهم هذه التناقضات الدَّاخليَّة تفاقم اللامساواة بين الطبقات الاجتماعيَّة، ومن أهم التَّناقضات الدَّوليَّة الخارجيَّة قضايا تفاوت القدرات التنافسيَّة الاقتصاديَّة، والتَّقدم العلمي والتّقني، والدٌّيون الخارجيَّة، النَّاتجة عن الخلل بين الإنتاج والاستهلاك والتوظيف
تحوّلات النظام الرأسمالي العالمي
تحوَّلت أزمة الولايات المتَّحدة تدريجيَّاً إلى أزمة شاملة للنظام الرأسمالي، مع سعي شعوب العالم إلى التَّحرُّر من السيطرة الامبرياليَّة الجديدة والاستتباع لمراكز النّظام الرَّأسمالي العالمي، ومع النهضة الاقتصادية للصين الشَّعبيَّة، وتحقيقها إنجازات اقتصاديَّة واجتماعيَّة غير مسبوقة في تاريخ شعوب العالم. أدَّى ذلك إلى مرحلة مخاض عالمي يتحلَّل فيه النظام الرأسمالي العالمي الذي جُدِّد بعد الحرب العالميَّة الثَّانية بقيادة الولايات المتَّحدة، وبات يتبدّى الاتجاه إلى نظام عالمي جديد تسقط فيه هيمنة الدولار كعملةٍ عالميَّة مسيطرة، وتؤول إلى النهاية سيطرة مؤسَّسات النظام الرَّأسمالي الرَّسميَّة التي تعمل لمصلحة الهيمنة الأميركيَّة وخدمة المصالح الأميركيَّة في العالم.
إن الصراع العالمي اليوم يختلف عن صراعات القرن العشرين، والتي بلغت حدَّتها القصوى في حربين عالميَّتين. مثَّلت تلك الحروب بشكلٍ أساسي صراعات ولَّدتها تناقضات وأزمات النّظام الرأسمالي العالمي، ولم يكن صراع الاتحاد السوفييتي مع النظام الرأسمالي هو الطابع الطاغي لتلك الصّراعات. ولم يكن الصراع العقائدي يوماً بين الأنظمة والدُّول يمثّل السِّمة الأساسيَّة للصّراعات الدَّوليَّة. أثبت التّاريخ خطأ ميخائيل غورباتشوف في أحلامه ببناء “البيت الأوروبّي الواحد”، معتقداً أن “إصلاحاته الديموقراطيَّة” تزيل التناقضات بين روسيا والغرب الأوروبي-الأميركي. وأظهرت الأحداث بعدها أن تفكيك الاتّحاد السوفييتي واقتلاع نظامه الاشتراكي وبناء نظام أوليغارشي فيه من قِبل أميركا لم يستطع إزالة التناقض التاريخي بين روسيا من ناحية وأوروبا الغربية وأميركا من الناحية المقابلة. ولم يمنع تحوُّل روسيا إلى النظام الرأسمالي ذي البنية الاحتكاريَّة من التحالف مع الصين الشعبية التي يحكمها الحزب الشيوعي الصيني، بعد قطيعةٍ وعداءٍ وصراعاتٍ أيديولوجيَّة بين نظامين ماركسيَّين مختلفين في تفسير الماركسيَّة. فالصراعات الدولية لها أسبابٌ متعدّدة، أهمّها تناقض المصالح وربما الثَّقافات العالميَّة الكبرى، والتي تمثّل خلاصات تجارب الشعوب.
متغيرات إقتصادية عالمية
إن الخلافات الصّينيَّة-الأميركيَّة لم تكن يوماً نتيجة الخلافات العقائديَّة بين النظامين. بَنَت الولايات المتَّحدة علاقات وثيقة مع صين “ماو تسي تونغ” الشُّيوعيَّة الثَّوريَّة، وتناقضت مع الصّين المتخلّية عن ثوريَّتها العالميَّة والآخذة بالكثير من طرق التَّنمية الاقتصاديَّة الرأسماليَّة. إشتدَّ الخلاف بين الدَّولتين الكبيرتين وأخذ أشكالاً حادَّةً في العشريَّة الثَّانية من القرن الحالي، وخاصَّة بعد أن تجاوز حجم النَّاتج المحلّي الحقيقي للصّين، مُقاساً بالقدرة الشّرائيَّة (PPP)، النَّاتج الأميركي سنة 2011، بحسب إحصاءات صندوق النَّقد الدَّولي؛ واشتدَّ الخلاف عندما انطلقت الصّين في توسيع علاقاتها الاقتصاديَّة مع كافَّة دول العالم، وخاصَّة دول العالم الثَّالث، خارج إطار النّظام الرأسمالي السَّائد ومؤسَّساته الرَّسميَّة، مما بات يُهدّد سياسات الاستتباع والنَّهب الرأسمالي لدول وشعوب هذا العالم.
إن تحرُّر دول العالم الثَّالث يُفقِر دول المراكز الرأسماليَّة ويُظهِر تناقضاتها الدَّاخليَّة والخارجيَّة. من أهم هذه التناقضات الدَّاخليَّة تفاقم اللامساواة بين الطبقات الاجتماعيَّة، ومن أهم التَّناقضات الدَّوليَّة الخارجيَّة قضايا تفاوت القدرات التنافسيَّة الاقتصاديَّة، والتَّقدم العلمي والتّقني، والدٌّيون الخارجيَّة، النَّاتجة عن الخلل بين الإنتاج والاستهلاك والتوظيف.
وتقول مجلَّة “الإيكونوميست” [اليمينيَّة المتطرّفة]، في عددها الصادر في 28 كانون الثاني/يناير 2012، إن معدَّل العجز في موازنات الدُّول الناشئة لسنة 2011 كان 2% من النَّاتج المحلّي القائم لهذه الدُّول، بينما بلغ هذا العجز معدلاً قدره 8% من النَّاتج لدى (ما زال يسمَّى بـ) الدُّول الصّناعيَّة السبع الكبرى (G7). وحيث بلغ الدَّين العام كنسبة من النَّاتج المحلّي القائم 36% لدى الدُّول النَّاشئة، بلغ 119% لدى الدُّول السبع المذكورة، وذلك في سنة 2011، بحسب المجلة نفسها.
وبرغم تزايد عدوانيَّة دول النظام الرأسمالي العالمي بقيادة الولايات المتَّحدة تجاه الدول الناشئة، وبرغم الحروب العسكريَّة والتجاريَّة والاقتصاديَّة التي تشنّها على الأخيرة، استطاعت الدول الناشئة إعادة تقاسم النَّاتج العالمي لمصلحتها تدريجيَّاً، واستطاعت أن تحقق معدلات نمو اقتصادي أعلى مما تحقّقه دول المركزيَّة الرأسماليَّة العالميَّة. يمكن المقارنة بين نصيب الدُّول السبع من النَّاتج العالمي ونصيب دول “بريكس”، التي تمثّل بشكلٍ ما مسيرة الدول النّاشئة الكبرى، كدليلٍ على المتغيّرات الاقتصاديَّة العالميَّة ومنحى هذه المتغيّرات.
بريطانيا “العظمى.. نموذجاً
في بريطانيا “العظمى” التي كانت قد تربَّعت على عرش النّظام الرأسمالي لعدَّة قرون، وحتى الحرب العالميَّة الثَّانية، وما زالت متشبّثة بالدّفاع عن هذا النّظام الاستعماري الجديد برغم انهياراته وأزماته، تمثّل التطورات الدَّاخليَّة مؤشّراً لمَنحى تطوّر هذا النظام. تقول مجلَّة “الإيكونوميست” إن 6% من سكَّان بريطانيا أصبحوا غير قادرين على شراء طعامهم بعد منتصف الشَّهر، فيلوذون بالمؤسَّسات الخيريَّة لتأمين غذائهم اليومي. وتقول شركة الطَّاقة الكهربائيَّة البريطانيَّة إن ثلث العملاء مدينون للشركة بسبب تخلّفهم عن دفع فواتير الطَّاقة حتَّى الشهر التَّاسع من سنة 2023، وإن عدد هؤلاء ارتفع بنسبة 36% منذ بداية هذا العام. كما أدَّت أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة في بريطانيا إلى ما يسمَّى “فقر الفراش”. بدورها، أعلنت مؤسَّسة “برناردوز” الخيريَّة، نتيجة مسح عينيٍّ أَجرته، أن 6% من الأطفال في العيّنة الاحصائيَّة ذكروا أنهم ينامون على الأرض لعدم توفُّر سرير خاص بهم خلال الأشهر الـ12 الأخيرة، بحسب وكالة الأنباء البريطانيَّة “بي آي ميديا“، وأن استبدال “فراش متعفّن” أو إصلاح سرير غير صالح للنَّوم عليه أو مكسور يأتي في ذيل قائمة الأولويات لموازنات الأُسرة، فيما يكافح الآباء لتوفير الأموال لشراء الضروريَّات.
برغم كل عقوبات أميركا وحلفائها، ما زالت الصين تُحقق تقدُّماً في نمو قدراتها الشَّاملة لتتجاوز تلك الأميركية ولأتباعها. نما النَّاتج المحلي القائم للصين بمعدلات أضعاف نمو النَّاتجين الأميركي والأوروبي خلال الأشهر الـ12 المنتهية في شهر تمُّوز/يوليو 2023، بحسب مجلة “الإيكونوميست”. فبينما نما النَّاتج الأميركي بنسبة 2.4%، والنَّاتج الأوروبي بنسبة 0.5%، نما النَّاتج الصّيني بنسبة 6.3%
قتال الغرب اليائس
للدفاع عن النّظام الرأسمالي القائم، بقيادة الولايات المتَّحدة وبتبعية أوروبا وامتداداتها السّياسّية والثَّقافيّة في عهود الاستعمار المباشر (مثل كندا وأستراليا)، تشنُّ الولايات المتَّحدة حرباً باردةً شاملة على الصين الشعبية، بغية كبح نمو قدراتها الشَّاملة، ومنعها بالتالي من تجاوز قدراتها الشَّاملة القدرات الأميركيَّة وقدرات أتباعها الغربيين بشكل خاص، كما فعلت في أواخر القرن الماضي مع اليابان.
إستطاعت الولايات المتَّحدة أن توقف نمو القدرات اليابانيَّة، الماليَّة والاقتصاديَّة، إذ لديها حوالي 80 قاعدة عسكريَّة فوق الأرض اليابانيَّة، بجانب تشابك الاقتصاد الياباني مع الاقتصاد الأميركي. فقد استطاعت الولايات المتَّحدة أن تفرض على اليابان سياسات مالية ونقدية أدخلتها في حالة ركودٍ تضخُّمي Stagflation لأكثر من عقدين من الزَّمن، تخلَفت فيها القدرات اليابانيَّة الشَّاملة عن القدرات الأميركيَّة وخضعت لها. كما استطاعت الولايات المتَّحدة، عبر سيطرتها شبه المطلقة على السوق الماليَّة الرأسماليَّة العالميَّة ومؤسَّساتها الدوليَّة، تغيير معدّلات الملاءة المطلوبة من المصارف العالميَّة؛ وعبر سيطرتها على مؤسَّسات تقييم الملاءة الثَّلاث الكُبرى، استطاعت أن تقضي على تقدُّم وتوسُّع المصارف اليابانيَّة على الصعيد العالمي.
لكن الصين لم تكن مستتبعة للولايات المتَّحدة على أي صعيد، وبرغم كل عقوبات أميركا وحلفائها، ما زالت تُحقق تقدُّماً في نمو قدراتها الشَّاملة لتتجاوز تلك الأميركية ولأتباعها. نما النَّاتج المحلي القائم للصين بمعدلات أضعاف نمو النَّاتجين الأميركي والأوروبي خلال الأشهر الـ12 المنتهية في شهر تمُّوز/يوليو 2023، بحسب مجلة “الإيكونوميست“. فبينما نما النَّاتج الأميركي بنسبة 2.4%، والنَّاتج الأوروبي بنسبة 0.5%، نما النَّاتج الصّيني بنسبة 6.3%.
كابوس الدين العام
راكمت الصّين عبر عقودٍ عدَّة أكبر احتياطات نقديَّة على الصَّعيد العالمي، وكوَّنت الولايات المتَّحدة أكبر دين عام خارجي في العالم كنسبة من النَّاتج المحلّي القائم (GDP). يعني تراكم الدَّين وارتفاع نسبته من النَّاتج العام، ارتفاع المخاطر على النقد وبالتَّالي ارتفاع الفوائد على التَّسليف، تقول مجلة “الإيكونوميست” (3 أيار/مايو 2023) تحت عنوان “أميركا تواجه كابوس الدَّين العام“.
خلال نصف القرن الماضي كان معدَّل عجز الخزينة الفدراليَّة الأميركية السَّنوي 3.5% من النَّاتج المحلي القائم. في آخر تحديثٍ لتقديرات عجز الموازنة للسنوات القادمة، أجرته لجنة الموازنة في الكونغرس، قدَّرت اللجنة معدَّل عجز الخزينة الفيدراليَّة السنوي بـ6.1% من النَّاتج المحلّي القائم. ربما كانت هذه التقديرات أقل من المتوقَّع، إذ أن عوامل عديدة تم حذفها بالنّسبة لتقدير العجز، مثل الإنفاق على دعم الصناعة، وإمكانيَّة استمرار خفض الضرائب التي أدخلها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. عند إدخال بعض العوامل المتوقَّعة في الحسبان، سيكون العجز المتوقَّع للخزينة الفدراليَّة 7%-6.1% من النَّاتج، وسيصل هذا العجز السنوي إلى 8% في أوائل الثلاثينيات الماضية. بالتالي سيتضاعف الدَّين العام الفدرالي إلى حوالي 250% من الناتج الأميركي عند منتصف القرن. إن القسم الأكبر من الإنفاق الفدرالي مفروض بالقوانين وغير خاضع لقرارات واضعي الموازنة السَّنويَّة، وسيتضخَّم هذا الانفاق مع ارتفاع معدل أعمار المواطنين. إن دعم دخل كبار السّن سيصبح مساوياً لمجمل الانفاق على التَّعليم والدّفاع الوطني والعلوم والنَّقل عند سنة 2033. عند ذلك، على الولايات المتَّحدة أن تختار بين خفض الانفاق على منافع كبار السّن، أو رفع معدلات الضَّرائب، أو الدَّمج بين الطريقتين، وذلك لتلافي الارتفاع الهائل في عجز الخزينة.
ويزداد القلق في أميركا وأوروبا من نمو ديون كبيرة على المؤسَّسات غير الماليَّة في العقود الحديثة، بسبب معدلات الفائدة المنخفضة سابقاً، بمقاييس تاريخيَّة. “منذ سنة 2000، نما دين الشركات غير الماليَّة في أميركا وأوروبا من 68% إلى 90% من مجموع النَّاتج الأميركي الأوروبي وثلث الدين القائم يُعَدّ بمستوى خردة (Junk Bonds) عالي المخاطر، وثلاثة أرباع هذا الدَّين بفوائد ثابتة، وربعه يستحق خلال السَّنوات الثلاث القادمة”، حسب مجلة “الإيكونوميست” بتاريخ 16 أيَّار/مايو 2023.
(*) غداً الأربعاء، الجزء الثالث بعنوان “فلسطين وأوكرانيا كساحتي حرب ما بين النظام الرأسمالي والأمم الطامحة للتحرر”.
(**) راجع الجزء الأول بعنوان “تطور أدوات الإستعمار القديم ـ الجديد.. والأمم الطامحة إلى التحرر“